اليمن و «الرقص على رؤوس الثعابين»

 يصف الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح طريقة حكمه لليمن بالرقص على رؤوس الثعابين، وها هو يغادر كرسي الحكم بعد أن تجرع سمّ المبادرة الخليجية لينأى بنفسه عن مصير من سبقه من حكام العرب بعد أن خاض مناورات عديدة للالتفاف على الحراك الشعبي ولم يفلح في الخروج آمناً وكما يريد هو، من حلبة الرقص على رؤوس الثعابين، وذلك بعد ان فقد كل مصادر القوة التي تسمح له بالاستمرار، فالحلفاء تخلوا عنه ونقصد هنا حلفاءه من العرب ومن غير العرب، ولم تشفع له الخدمات الجليلة من عملية احتواء اليمن الجنوبي، ولا حروبه الست مع الحوثيين... 

لكن يبدو أنه أصبح مستهلكاً ولم يعد مناسباً لتسويق مشاريع حلفاء الأمس في الوقت الراهن، أما في الداخل فقد تخلى عنه – ظله - على مدى عقود في المؤسسة العسكرية صاحبة الدور الرئيسي في تركيبة نظام الحكم اللواء علي محسن الاحمر، وذهب إلى موقع آخر ليقطع لنفسه تذكرة في القطار الجديد ويصبح زعيما في ظل «الاسلام» بعد أن كان كذلك في «الجاهلية» كما قال بلال الحبشي يوما عن تحولات أبي سفيان، وأيضاً انقسم المجتمع اليمني شاقولياً بين مؤيد ومعارض، مما أدى إلى اختلال التوازن القبلي في البلاد والذي كان قائما على مدى عقود، عدا عن أن الفقر والفساد أجهض عملياً تجربة الوحدة مع الجنوب ذلك « الانجاز» الذي طالما كان صالح يتغنى به.... ذهب صالح غير مأسوف عليه، ولكن هل تغيَّر النظام، كما كانت تريد الجماهير الثائرة في الشارع اليمني؟ الوقائع تشير إلى غير ذلك، فمن استلم كرسي العرش هو نائبه، الذي قال عنه صالح نفسه أنَّه سلَّم الأمانة إلى أيد أمينة، أما أبناء صالح وأقربائه وحاشيته فما زالوا من العناصر الأساسية في دائرة صنع القرار اليمني، والتحالف القبلي صاحب اليد الطولى في عملية توزيع الثروة والسلطة ما زال هو هو، دون أن ننسى أن كلّ ذلك تم برعاية « ميمونة» من مجلس التعاون الخليجي الذي بات يلعب دور المقاول لحرف مسار الثورات العربية، تارة عبر إجراء عمليات تجميل لوجوه الأنظمة « تغيير الرئيس دون تغيير النظام» مثل اليمن، ومرة عبر التدخل العسكري وتدمير بنية الدولة كما حدث في ليبيا الشهيدة، لتشغيل الآلة العسكرية الغربية، وضخ المزيد من موارد الطاقة في شرايينها المتصلبة« المأزومة».

اليمن مرشح أن ينتقل من نموذج النظام الاستبدادي ذي النكهة القبلية، ليس إلى فضاء التغيير الوطني الديمقراطي كما تريد الجموع الشعبية الثائرة بل إلى نموذج الدولة الهشة والفاشلة «المثال الصومالي» فالبلاد مهددة بالانقسام بين شمال وجنوب، والقاعدة يشتد ساعدها في ظل الاحتواء المزدوج الذي تمارسه الادارة الامريكية لمثل هذه الأنظمة وقسم من معارضاتها، ولن يصلح هادي ما أفسده صالح! فالاخير ينتمي إلى ذات البنية طبقةً وتفكيراً وسياسةً.ووحده يبقى صوت الشباب اليمني الثائر المرشح كي يعيد لليمن شيئا من «سعادته» المفقودة في ظل هذه الأزمة المركبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542