الاخوان واستلاب الدولة المصرية
على منصة اجتماع افتتحت به «الغرفة التجارية الأمريكية – المصرية «أعمالها بينما كانت انتخابات مجلس الشعب على أشدها. اصطف ممثلو القوى الانتخابية المصرية الكبرى في مناظرة يقدمون خلالها رؤاهم حول توجهاتهم بالنسبة للسياسات الاقتصادية المصرية. كانت هذه القوى هى: حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي للإخوان المسلمين)، حزب النور (سلفي)، حزب الوفد (ليبرالي)، حزب المصريين الأحرار (ليبرالي).
ما دار في اجتماع هؤلاء (الذين سيطروا في مجملهم على مجلس الشعب رغم تفاوت حصصهم). عبر تعبيرا دقيقا عن توحد مواقفهم قي صياغة سيناريو دفن حلم التغيير الثوري للشعب المصري إلى مثواه الأخير. والإبقاء على جوهر النظام القديم التابع.
ممثل حزب الوفد قرر أن المشروع «القومي «الذي يجب أن يتفق عليه الجميع، يجب أن يكون مشروعا زراعيا، وأضاف لذلك ضرورة الاهتمام بقرارات الاستثمار.
ممثل حزب المصريين الأحرار تحدث بشكل قاطع مدافعا عن الاقتصاد الحر «اقتصاد السوق» وعدم تدخل الدولة في العملية الاقتصادية، اكتفاء بدورها في دفع عجلة الاقتصاد. أي جعلها مجرد دولة حارسة.
ممثل حزب النور لم يعرض أي رؤية مكتفيا بكلمات بلاغية عن توفير كوب لبن دافئ لطفل قبل النوم، وسرير في مستشفى، ومقعد في مدرسة. وإن كان للإنصاف قد أعلن عن رفضه للخصخصة.
أما أحد الليبراليين غير الحزبيين من أعضاء الغرفة فقد حرص على ابراز المعاناة والصعوبات التي تواجه المستثمرين ورجال الأعمال.
لكن ممثل جماعة الإخوان أفاض في عرض رؤيتهم المنحازة كليا إلى الاقتصاد الحر، مشفوعة بآليات تعميقه وترسيخه وتبعيته. فقد استدعى تطبيق مشروع سبق أن طالبت الحكومة الأمريكية بتنفيذه أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وتبنته حكومة «عاطف عبيد «التي بدأت التدمير الشامل للاقتصاد المصري وقطعت فيه شوطا واسعا استكملته حكومة «أحمد نظيف». لكن الجيش المصري رفض هذا المطلب الأمريكي وتم اغلاق ملفه. كان هذا المطلب يتخفى وراء حجة اعفاء الحكومة من أعباء الاستثمار الباهظ في محطات توليد الكهرباء والمياه والطرق، واستبداله بتشجيع المشروعات التي تعمل بنظام «B.O.T». وهو ما يعني استحواذ الأجانب على هذه الأصول التي تقدم سلعا لعشرات الملايين من الفقراء، وبما يؤدي إليه ذلك من ارتفاع أسعارها ونزح للعملات الأجنبية إلى الخارج، وفي الأخير تتطلب استعادتها معارك ضارية كما حدث بالنسبة لقناة السويس. وبطبيعة الحال فان هذا الأسلوب قابل للامتداد لكل ما هو حيوي وأساسي «السكك الحديدية، النقل البري والبحري والجوي، الصرف الصحي، المواني، المطارات، وربما قناة السويس...الخ «. وهذه طامة كبرى.
هكذا كان اللقاء الذي أفصح عن توجهات السياسات الاقتصادية للقوى التي قفزت في ظرف استثنائي للهيمنة السياسية بسبب التعجل غير المبرر في الإلغاء الفعلي للمرحلة الانتقالية.
كانت جماعة الإخوان قد طرحت منذ أسابيع قليلة ضرورة خصخصة أجهزة الإعلام الحكومي من تليفزيون وصحافة وإذاعة. وهو الأمر الذي يتسق مع رغبة باقي هذه القوى المعبرة عن الطبقة التابعة ورؤيتها لمستقبل مصر بداية من الاقتصاد.
ويلاحط أن لا أحد من هؤلاء تكلم عن الصناعة ودورها، أو عن توسيع القاعدة الإنتاجية، أو عن التطوير التكنولوجي.
لا أحد تكلم عن اقتصاد مستقل أو التحرك بعيدا عن السياسات الاقتصادية للنظام القديم.
لكن الأهم الذي يمثل جوهر موقفهم جميعا هو التوحد في تأييد الاقتصاد الحر في أكثر صورة تخلفا وبشاعة ووحشية وتبعية. وتعرية وفضح الرياء الشديد في كلامهم المبهم غن العدالة الاجتماعية التي لا تلتقي إطلاقا مع اقتصادهم الحر. ومن ناحية أخرى وحدة جوهر الموقف الاستراتيجي والتكتيكات المتبعة، وهو ما يؤكد ثانوية التناقضات فيما بينهم مهما علا صياحهم حول خلافات تطلق لإلهاء الجماهير وإبعادها عن الحقيقة.
والخلاصة هي أن «الاصطفاف السياسي» الجديد قد نهض وتحدد على أساسه الموضوعي. ولأن السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد. فانه يمكن لملمة الخلافات الناشئة في أي وقت وحصرها بقدر من المواقف البراجماتية المشهورة المعهودة لدى الاخوان، بإقدامهم على ممارسة قدر من المساومات، والتدرج البطيء في تحقيق هدفهم الاستراتيجي الخاص في إطار الاستراتيجية العامة التي تحفظ وتصون مشروع التبعية المطلقة وامتصاص دماء الشعب.
تحت مظلة الاقتصاد الحر والتبعية تنحو استراتيجية القوى الليبرالية باتجاه مزيد من الاندماج في رأس المال العالمي حتى الذوبان الكامل فيه. بينما الإخوان وتحت ذات المظلة والاستراتيجية الموحدة يعملون على تحقيق هدف ذاتي متمثل في الاستحواذ على «الدولة» ذاتها. بأن تحل «الجماعة «محل «الدولة».
أقام الاخوان حزبهم بعد الانفجار الثوري العام الماضي، بعد عشرات السنين من حديث كل الأطراف السياسية المصرية حول طبيعة هذه «الجماعة». هل هي «جماعة دعوية» أم حزب سياسي. لكنهم أبقوا على الجماعة دون مبرر - إذ لم تتحول إلى جماعة دعوية واحتفظت بطبيعتها السياسية -، وكرست قيادتها للحزب حيث تقرر كل مواقفه. أي أن تحايلا قد تم، سواء على الرأي العام أو على القانون، أو على مسيرة وتطور العملية السياسية. وحولت الحزب إلى مجرد واجهة سياسية لجماعة تحتفظ بكل مواقفها ومواقعها السابقة، وتنتشر فروعها في عشرات الدول على شكل «التنظيم الدولي» الذي تلعب شخصيات مثل «يوسف القرضاوي» دوراً أساسياً (قيادي وسياسي) فيه. وتزداد وتيرة التحرك على طريق الاستحواذ بعد الانتخابات التي أفرزت أسوأ برلمان شهدته مصر طوال حوالي قرن ونصف من عمر الحياة البرلمانية المصرية.
نقطة البدء في عملية الاستحواذ هي تجريد الدولة من أهم عناصر قوتها الشاملة، وهو العنصر الذي لا يزال سليما حتى الآن. أي الجيش المصري. بابعاده تماما عن المعادلة السياسية خصوصا فيما يتعلق بالقرار الاستراتيجي. ورغم أن هذا هو موقف الدائرة الأوسع من النخبة السياسية بمختلف توجهاتها (سواء بوعي أو بدون وعي لمخاطر هذا الموقف). إلاّ أن الإخوان هم المستفيدون الرئيسيون من بين قوى الداخل المصري. ويستكمل الاستحواذ بمده إلى خصخصة ما بيد الدولة من أجهزة إعلامية. وكذا من الأصول الهامة والحيوية المتمثلة في البنية الأساسية. وهكذا تفقد الدولة أهم ركائز وجودها.
وبضاف إلى ذلك الشروع في إدارة البلاد من خارج كل المؤسسات السياسية والدستورية والقانونية. ويتأكد هذا الشروع فيما أعلنته «الجماعة» عن تكليف مرشدها العام لنائبه «خيرت الشاطر» بإعداد مشروع للنهضة (رغم أن كلا الشخصين خارج البنية التنظيمية للحزب، ولا يتمتع أي منهما بأي صفة رسمية). لكنه استلاب الدولة ووضعها في يد «الجماعة «كبديل عن الدولة المصرية.
لكن هذا الاستلاب لا يتم بعيدا عن الرعاية الأمريكية، والسيناريوهات الأمريكية. التي توفر المناخ تماما لإنجازه !!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 541