فينيان كونينغهان فينيان كونينغهان

مخطط الحرب على إيران تبديد الكذب.. قول الحقيقة حول العدوان الغربي في الخليج العربي

قد يغدو العام 2012 معروفاً بكونه خطاً فاصلاً في ما يتعلق بالجنس البشري - العام الذي دفع فيه الجنس البشري إلى حرب عالمية نووية. الإشارات تنذر بالسوء بشكل مروع بينما تتلاقى القوى العسكرية الهائلة في الخليج العربي في إطار المواجهة المستمرة منذ زمن طويل بين الولايات المتحدة وإيران.

وميشيل تشوسودوفسكي (محررون)
 ترجمة: جورج دحدوح

تقف الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو إلى جانب الولايات المتحدة، وبشكل رئيسي بريطانيا، بالإضافة إلى الدول العميلة لها في الشرق الأوسط: إسرائيل وأنظمة الخليج العربي الملكية - مدججة بأسلحة الدمار الشامل. كما أظهرت المناورات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز امتلاك إيران لترسانة ضارية من الصواريخ والقدرات العسكرية، لدى إيران أيضاً معاهدات استراتيجية مع روسيا والصين، اللتين لن تقفا ساكنتين إذا تعرضت شريكتهم الفارسية للهجوم.

  أوضحنا مراراً من خلال تحليلاتنا في «غلوبال ريسيرتش»، أن الصراع بين القوى التي تقودها الولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة أخرى له الكثير من التشعبات. إنها جزء لا يتجزأ من محاولة واشنطن لهندسة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي من أجل إعادة رسم المنطقة بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية. ليس من قبيل المصادفة هذا التحول السريع للناتو من إخضاع وتغيير النظام في ليبيا إلى تركيز الاهتمام على سورية - الحليف الإقليمي الرئيسي لإيران. كما أشار ميشيل تشوسودوفسكي «الطريق إلى طهران يمر بدمشق». تغيير النظام في سورية يصب في مصلحة عزل إيران. الجائزة التي تسعى إليها واشنطن وحلفاؤها هي إخضاع إيران وإعادتها للوصاية الغربية، وهي مازالت تعمل على ذلك منذ 33 عاماً حين تم عزل عميلها الشاه محمد رضا بهلوي من قبل الثورة الإسلامية عام 1979.

تمثل إيران صرحاً هائلاً غنياً بالطاقة، النفط، والأهم، الغاز الطبيعي، الذي يضعها في مصاف اقتصاديات النفط الثلاثة الأولى عالمياً، باحتياطي يقارب 10 بالمئة من الاحتياطي العالمي، إلى جانب المملكة العربية السعودية، عميلة واشنطن، والعراق. بينما تملك الولايات المتحدة أقل من 2 بالمئة من احتياطي النفط العالمي.
القوة المحركة وراء الأجندة العسكرية الأمريكية هي إخضاع الثروات النفطية الإيرانية.

احتلال العراق بقيادة أمريكية - بكلفة تزيد عن المليون قتيل خلال 9 سنوات من الاحتلال - هو جزء من مخططات واشنطن بعيدة المدى للسيطرة على منابع الطاقة العالمية الهائلة المركزة في الخليج العربي وأقاليم وسط آسيا. حرب العشر سنوات في أفغانستان تشكل أحد جوانب محاولة السيطرة الأمريكية هذه على الوقود لمصلحة اقتصاد العالم الرأسمالي. لثلاثة عقود، تم حرمان العالم الرأسمالي المنقاد وراء الولايات المتحدة من استغلال ثروات الطاقة الإيرانية. حيث بقيت الجمهورية الإسلامية متحدية لسيطرة واشنطن ومستقلة عنها، ليس فقط فيما يتعلق بثرواتها الهائلة من الطاقة الأحفورية، بل سياسياً أيضاً. فإيران لم تعد لعبة بيد الغرب كما كانت أيام الشاه الطاغية محمد رضا بهلوي.
أظهرت طهران نفسها كمنتقد واضح للتدخل الغربي الإمبريالي في المنطقة وللتملق الغربي لإسرائيل بالرغم من اضطهادها الإجرامي للفلسطينيين. بالإضافة لوجود دافع آخر لنوايا الغرب تجاه إيران والرغبة العميقة في تغيير نظام الحكم فيها، وهو الخسارة الكبيرة التي أوقعتها الثورة الإيرانية في صناعة الأسلحة المربحة الأمريكية- البريطانية - الفرنسية. فبالتزامن مع طرد الشاه تم طرد تجار الأسلحة الغربيين وحرمانهم من سوق أسلحة هائلة. في حال تم استبدال النظام في إيران بنظام مشابه للنظام السعودي سيصبح بالإمكان تكرار صفقات سلاح مشابهة للصفقة التي جرت مؤخراً مع المملكة العربية السعودية بقيمة 50 مليار دولار - الصفقة الأكبر في التاريخ - والتي أسالت لعاب البنتاغون.

 من وجهة نظر القوى الغربية، تشكل إيران غنيمة متملصة وعقبة مستعصية في الوقت ذاته. إعادة إيران إلى مدار السيطرة الرأسمالية الغربية له قيمة مضافة تتمثل في حرمان القوى المناوئة للغرب من الطاقة و مميزات جيوسياسية أخرى، بخاصة روسيا والصين. أشارت واشنطن، من خلال مراجعة استراتيجية في وقت لاحق هذا الشهر، إلى الصين بوصفها المنافس العالمي الأبرز في العقود القادمة. بشر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالأجندة العسكرية تجاه الصين أثناء جولته التي شملت دولاً في آسيا والمحيط الهادئ نهاية عام 2011. الصين شديدة الاعتماد على النفط الإيراني. حوالي الـ 20 بالمئة من إجمالي تجارة النفط الخام الإيراني تتم مع الصين. وللصين استثمارات بقيمة تقدر بمليارات الدولارات في قطاع الطاقة بإيران، وبالتحديد قطاع الغاز الطبيعي، والذي يصفه المحللون في مجال الطاقة بالمصدر الرئيس للوقود في العقود القادمة. السياسة العدوانية لواشنطن تجاه إيران وسعيها لتغيير النظام وزيادة السيطرة على هذا الإقليم الحيوي متعلقة بالقدر ذاته بانتزاع السيطرة ممن تعتبرهم منافسين لها، روسيا والصين. هذا العامل يأخذ أهمية إضافية بتضاؤل القوة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية.

اختار التيار العام لوسائل الإعلام أن يتجاهل بحذر الإشارة لهذه الأمور من الصورة الكبيرة التي تشرح دافع الحرب في الخليج العربي، كما تم تسخيف العواقب الواسعة لهذه الحرب أو عدم ذكرها وتم دفع الناس للاعتقاد أن الحرب جزء من «حملة إنسانية» وأن إيران وحلفاءها، تحديداً روسيا والصين يشكلون تهديداً صارماً للأمن العالمي و«الديمقراطية الغربية».
في الوقت الذي يستعمل فيه نظام الأسلحة الأكثر تقدماً، لا يتم وصف الحروب الأمريكية أبداً بـ «عمليات قتل» تتسبب في سقوط ضحايا بشرية على نطاق واسع. فبينما تتم الإشارة لحدوث «إصابات جانبية»، تم التبشير بالحروب التي تقودها الولايات المتحدة كأداة لا يرقى إليها الشك لـ «صنع السلام» و«الدمقرطة».
 يراد من المقالات المختارة التالية أن تعطي القراء نظرة عامة مكثفة للأحداث والقضايا المفصلية ضمن ما يسمى المواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة و إيران من جهة أخرى.
اخترنا المقالات التي تصدرت الأخبار بالإضافة لتقديم خلفية تاريخية.

في الجزء الأول، اللعب بالنار: أعمال عدوانية سرية، التحرش والحرب، تظهر تقاريرنا وتحاليلنا أن الحشد العسكري في الخليج العربي له طابع ينذر بالخطر وإمكانية صراع شامل في المنطقة. أيضاً نظهر للعلن الحرب السرية الإجرامية التي تشنها واشنطن على إيران، بما فيها اغتيال العلماء الإيرانيين و غزو البلاد بطائرات التجسس من دون طيار. في جميع الأحوال، لم نكتب مجرد تقارير حول ظهور هذه الأحداث، كتابنا يظهرون كيف أن هذه العسكرة تحت قيادة الولايات المتحدة بشكل أساسي هي جزء من الاستراتيجية الأوسع للهيمنة الأمريكية على العالم.
كما نوضح في الجزء الثاني، صناعة الحرب هي جريمة: الحلقة الأخيرة من سجل أمريكا الطويل، سياسة الدولة المولعة بالحروب الخاصة بواشنطن وحلفائها هي جريمة. حتى قبل إطلاق رصاصة واحدة، تنتهك القوى الغربية قوانين دولية وبروتوكولات دبلوماسية. التسلح بهذه البصيرة والمعرفة الشرعية أساسي للمواطنين كي ينشئوا حركة فعالة مناهضة للحرب. في هذا الجزء، نقدم أيضاً خلفية تاريخية تظهر أن عدوانية واشنطن تجاه إيران ليست سوى الحلقة الأحدث في تاريخ طويل من صناعة الحروب المجرمة من  الولايات المتحدة.

من المركزي للمنطق المعلن من  الدول الغربية في الخليج العربي تقديم إيران على أنها تهديد للسلام العالمي، بالتحديد من خلال تطويرها المزعوم للأسلحة النووية. في الجزء الثالث، التلاعب الإعلامي: الكذب والتشويه وبيع حرب أخرى للجمهور، نبدد الأساطير والضباب والفبركات خلف هذه الادعاءات لنظهر أن إيران لا تملك، وليست مهتمة، ببناء أسلحة نووية. إن «طموحاتها النووية» (عبارة ترد عادة بين إشارات اقتباس مشؤومة) تقتصر على تطوير الطاقة المدنية والقدرات الطبية - ضمن بنود ونصوص معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. بعد تفتيشات لا حصر لها على مدى أعوام من  كلب الحراسة الذري التابع للأمم المتحدة، الوكالة الدولية للطاقة الذرية (ΙΑΕΑ)، لم تجد أي دليل يدعم الادعاءات الغربية. بالرغم من ذلك لا تزال هذه الادعاءات الفارغة والمبتذلة تتكرر في التيار العام لوسائل الإعلام. أظهرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها أصبحت أداة سياسية طوعية في يد الحكومات الغربية ووكالات الاستخبارات من خلال طرح شك مشؤوم في برنامج إيران النووي بالرغم من أنها لم تجد أي دليل يبرر شكوكاً مماثلة. نكشف أن التهديد النووي المزعوم الذي تخشاه القوى الغربية هو ذريعة خادعة لعدوانهم الإجرامي على إيران وشعبها الذي يعد 80 مليون نسمة.

و أخيراً، في الجزء الرابع، تجاه حريق عالمي هائل، نشير إلى الخطر الحقيقي بحدوث جائحة رهيبة - إذا أصرت الحكومات الغربية على استمرارها الإجرامي في قرع طبول الحرب في الخليج العربي. روسيا والصين تعيان بشكل كامل أن حرباً على إيران تشكل حجر أساس لحرب أكثر اتساعاً. في تصريح حديث للحكومة الروسية، حذرت الولايات المتحدة والناتو بأن «جر إيران إلى أي صعوبات سياسية أو عسكرية، سيعتبر تهديداً مباشراً لأمننا القومي.»
تقف المنطقة على شفا حريق هائل سيشمل استعمال أسلحة نووية وانهيار قوىً عالمية فيما سيؤسس للحرب العالمية الثالثة. بالكاد يمكن تخيل العواقب لجهة الضحايا التي ستسقط في سيناريو مماثل ولجهة مستقبل الكوكب نفسه. بالرغم من ذلك كله، ما زال التيار العام لوسائل الإعلام يعمل على تبرير هذا المسير نحو الحرب أو على التقليل من احتمالاتها المرعبة.
رضا الرأي العام الغربي -- بما فيه أجزاء من الحركة الأمريكية المعادية للحرب -- مثير للإزعاج. لم يتم إثارة أي اهتمام على المستوى السياسي بالعواقب المحتملة لهجوم تشنه الولايات المتحدة والناتو وإسرائيل على إيران، يشمل استعمال السلاح النووي ضد دولة غير نووية.
إن تصرفاً مماثلاً سيتسبب في «ما لا يمكن التفكير فيه»: محرقة نووية في جزء كبير من الشرق الأوسط. علينا أن نلاحظ أن كابوساً نووياً سيظهر حتى لو لم يتم استعمال الأسلحة النووية. قصف منشآت إيران النووية باستعمال أسلحة تقليدية سيساهم في إحداث كارثة من طراز تشيرنوبل-فوكوشيما بمدى انتشار إشعاعي واسع.
«عولمة الحرب» التي تستلزم انتشاراً مسيطراً لقوات الولايات المتحدة والناتو العسكرية الهائلة في كافة أقاليم العالم لا يظهر في الإعلام الغربي.
الحرب ليست في الصفحات الأولى للأخبار إذا ما قورنت بكل قضايا الشأن العام الأقل شأناً بكثير، بما فيها مسرح الجريمة المحلية أو تقارير شائعات مشاهير هوليود. يتم تسخيف المضامين الواسعة لهذه الحرب على إيران أو لا يتم ذكرها. ينقاد الناس إلى الاعتقاد أن الحرب جزء من «الحملة الإنسانية» و أن كلاً من إيران وحلفائها، تحديداً روسيا والصين يشكلون تهديداً صارماً للأمن العالمي و «الديمقراطية الغربية».

16 كانون الثاني 2012.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:27