من «أريحا أولا» إلى «غزة أولا» تعددت المشاريع والهدف: القضاءعلى حقوق الشعب الفلسطيني
جاء في الحديث: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين». ولكن السلطة الفلسطينية الحالية ـ كما يبدوـ لا تنوي أن تتعظ بالماضي القريب، بل رضيت أن تلدغ مرة أخرى من الجحر ذاته، وقبلت أن تلج درباً مسدوداً. لم يفض سابقاً إلى تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني التي أكدتها القرارات الدولية وهي:
1. إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
2. عودة الفلسطينيين في الشتات إلى وطنهم و ديارهم.
اتفاقية أوسلو المشؤومة
لقد تسللت القيادة الفلسطينية ذاتها من مؤتمر مدريد وذهبت لتتفاوض وحدها في أوسلو سراً بمعزل عن الدول العربية الأخرى من دول الطوق، ووقعت اتفاقية أوسلو المشؤومة، والتي يحتاج كل بند من بنودها إلى اتفاق جديد بسبب غموضها وهلهلة صياغتها، والتي تنص على الانسحاب من غزة أولاً وقيام دولة ذات حكم ذاتي عاصمتها «أريحا» وبذلك أراحت الإسرائيليين من البقاء في غزة التي تحولت ـ حسب اعترافهم ـ إلى جحيم لا يطاق. وأملت أن يتحول الصراع من صراع إسرائيلي ـ فلسطيني إلى صراع داخلي بين الفلسطينيين أنفسهم: وقد اعترفت سلطة الحكم الذاتي بأنها أخطأت حين ركزت لى القضايا الثانوية، وتركت مسألة الحل النهائي إلى ما بعد، أي الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 4 حزيران وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
الانتفاضة الثانية
في خلال السنوات الثماني من توقيع اتفاقية أوسلو لم تتوقف قضية الشعب الفلسطيني عند هذا الحد فقط، بل جرى قضم الكثير من الأراضي الفلسطينية وبنيت مستوطنات جديدة عليها أكثر بكثير مما بنته إسرائيل سابقاً، وأن جميع الاتفاقات التي وقعت فيما بعد بالقاهرة وشرم الشيخ وغيرها لم تنتج شيئاً، لأن إسرائيل، ومن ورائها واشنطن، لا تريد تنفيذ حتى الاتفاقات التي توقع عليها.
وبعد ثماني سنوات وصل الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية إلى قناعة تامة بأن طريق المفاوضات مسدود، وأن السبيل الوحيد هو القيام بانتفاضة شعبية جديدة ترغم العدو على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، فكانت الانتفاضة الثانية ـ انتفاضة الأقصى ـ التي لا تزال مشتعلة حتى اليوم ولا توجد أية دلائل تشير إلى أنها ستتوقف قبل أن يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة كما نصت عليها القرارات الدولية.
ماذا وراء «غزة أولاً»؟!
اليوم تعود السلطة الفلسطينية لتقع في المطب ذاته وتعلن بسرعة قبولها مشروع «غزة أولاً» الأمني الذي عرضه وزير الدفاع الإسرائيلي بنيامين أليعازر، ودون التشاور مع القوى الفاعلة في النضال الفلسطيني والتي تقاتل ببسالة ضد الاحتلال وتقض مضجع الإسرائيليين وتجعل الأمن الذي يركض الإسرائيليون وراءه سراباً يباباً.
ضغوط على السلطة
وتشير الأخبار إلى أن موافقة السلطة الفلسطينية السريعة جاءت تحت ضغوط ثلاثة:
1. الضغط العسكري والاقتصادي الإسرائيلي على السلطة والذي بلغ ذروته في الفترة الأخيرة، حيث جعلت حياة الشعب الفلسطيني جحيماً لا يطاق، وتحت التهديد بفرض الحكم العسكري على الأراضي الفلسطينية فرضاً كاملاً.
2. تحت ضغوط أمريكية شديدة تجلت في موقف وزير الدفاع الأمريكي «دونالد رامسفيلد» الذي قدم أكبر تبرير لمواصلة الاعتداءات الإسرائيلية.
3. وكذلك تحت ضغط الرجعية العربية وبخاصة: ضغط السمسار الأمريكي حسني مبارك، والملك الأردني عبد الله الثاني سليل الخيانة منذ جده الكبير عبدالله الذي سلم اللد والرملة للجيش الإسرائيلي عام 1947، والذي لقي الموت جزاء خيانته، على يد أحد الفلسطينيين.
ما هي أهداف مشروع «غزة أولاً»
يريد الإسرائيليون، ومن ورائهم واشنطن من مشروع «غزة أولا» تحقيق الأهداف التالية:
1. دفع مسألة الحل النهائي للقضية الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، وتقديم الفتات للشعب الفلسطيني الذي ضحى بالكثير لاسترداد حقوقه.
2. القضاء على منظمات المقاومة الفلسطينية، التي يسمونها زوراً وبهتاناً «إرهابية».
3. وبالتالي نقل الصراع من جديد ـ وهو هدف قديم منذ أوسلو ـ إلى صراع فلسطيني ـ فلسطيني. وهذا لن يتحقق.
4. إراحة الإسرائيليين من العمليات الاستشهادية التي تؤرقهم وتجعل حياتهم في قلق دائم ورعب كبير.
5. الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي وقعت فيها إسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، وإعادة الحياة إلى الوضع الاقتصادي المأزوم.
6. خلق مناخ هادئ ومناسب للولايات المتحدة للقيام بعدوانها المبيت على العراق الشقيق، بدعم من الرجعية العربية سياسياً ومادياً.
بين حساب «القرايا» وحساب «السرايا»
إن الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية سيقلبان حسابات الإمبرياليين الأمريكان وحلفائهم الصهاينة رأساً على عقب، وسيتبين أن حساب «القرايا» يختلف كلياً عن حساب «السرايا» لقد خبر هذا الشعب مشروع «أريحا أولاً» الذي لم ينتج إلا الخراب والدمار والموت، وسيوحد قواه جميعاً، ليشكل جبهة متراصة لمقاومة مشاريع العدو الصهيوني وراعيه. وسيقضي عليها قضاءً مبرماً، ولن يجد هذا الشعب نفسه وحيداً في هذا الصراع المرير بل ستقف معه قوى الحرية والديمقراطية في العالم أجمع.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 180