الشعب الفنزويلي يطيح بالإنقلابيين ويعيد رئيسهم المنتخب

بعد ثلاثة أيام من الانقلاب الرجعي المدعم أمريكياً في فنزويلا، أعاد الشعب قائده هوغو شاميز المنتخب ديمقراطياً إلى إلى سدة الرئاسة، بعد مظاهرات شعبية ضخمة عمت العاصمة كاركاس والمدن الأخرى، سقط خلالها أحد عشر قتيلاً وعدد كبير من الجرحى.

وبهذه الطريقة الرائعة أفشلت المؤامرة الرجعية الأمريكية في هذا البلد الأمريكي اللاتيني والذي يعد الدولة الرابعة المنتجة للبترول في العالم.
وبعد عودته من جزيرة «لاأوسيلا» في الكاريبي حيث وضعته القيادة المعزولة رهن الاعتقال، ألقى شافيز خطاباً قال فيه: أدعوكم إلى الوحدة ، مع احترام الاختلافات، وإلى التوافق فيما بينكم، وأدعو الكنيسة والمسؤولين والنقابات السياسية ومدراء وسائل الإعلام إلى الوحدة. وقال: إنه سيدعو إلى طاولة مستديرة للحوار الوطني في 16 نيسان الجاري. وقال: لنستخدم هذه التجربة لتصحيح وترسيخ العملية السياسية الجارية في البلاد قبل أن يوجه دعوة إلى الهدوء وأكد أنه لن يكون هناك انتقام أو مطاردة للأشرار. وأضاف: لليس لدي شهوة للانتقام. واعتبر شافيز أن الاحتجاجات الشعبية وتمرد الجيش لصالحه،انتصار تاريخي لشعب فنزويلا. وقال: لم أشك لحظة في عودتنا، ولكن لم أتوقع أن تكون بهذه السرعة.

وكانت كوبا نفت قبل عودة شافيز إلى السلطة أن يكون الرئيس الفنزويلي في طريقه إلى المنفى بكوبا، واعتبرتها أكاذيب يسوقها مدبرو الانقلاب.
فيديل كاسترو يلوح بالعلم الكوبي خلال مسيرة في ضواحي العاصمة هافانا احتجاجاً على الانقلابيين..
والجدير بالذكر أن فنزويلا تستخرج حالياً 2.43 مليون برميل نفط في اليوم وهي تعد من ابرز مزودي النفط إلى الولايات المتحدة، إلى جانب السعودية والمكسيك وكندا.
وفيما ترك الانقلاب العسكري في كاراكاس ارتياحاً لدى واشنطن على أمل التخلص من شافيز الذي شكل شوكة في خاصرتها، رحبت لندن بعودة الديمقراطية إلى البلاد، وقالت: إن كل تغيير نظام في أي مكان بأمريكا اللاتينية وفي العالم ينبغي ألا يحدث إلا بالطرق الديمقراطية.
وقد رحب العراق بعودة شافيز إلى السلطة، واعتبر أن فشل الانقلاب دليل على أن المؤامرة الأمريكية ستفشل في كل مكان بالعالم، أما إيران فقد اتهمت الولايات المتحدة في المشاركة بتدبير إطاحة الجيش بشافيز وأعلن التلفزيون الإيراني أن واشنطن كانت قلقة من أن تلبي فنزويلا دعوة إيران لوقف تصدير النفط لمدة شهر إلى الدول التي تؤيد إسرائيل، وأشار التلفزيون إلى أن سياسات شافيز الخارجية كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية في أمريكا اللاتينية،وأن سقوطه يعيد إلى الأذهان انقلاب الجنرال أوغوستينو بينوشيه الذي دبره الأمريكيون في تشيلي عام 1973 وأدى إلى القضاء على الحكم الديمقراطي ومصرع الرئيس الليندي.

وكانت جرت في ضواحي العاصمة الكوبية هافانا مظاهرة احتجاجية على الإطاحة بالرئيس شافيز، شارك فيها الرئيس الكوبي فيدل كاسترو.
وكان الرئيس شافيز قد وضع دستوراً جديداً للبلاد تضمن مكتسبات كثيرة لمختلف الفئات الاجتماعية إلى جانب أن الدستور قد أعطى للهنودالحمر السكان الأصليين في البلاد حقوقاً متساوية مع السكان الآخرين، بالإضافة إلى إصداره 25 قراراً لصالح الشعب.

شهادة «مكسيمليان آفرليز» أحد قادة الحركة الشعبية المؤيدة «لشافيز»

الولايات المتحدة ترسم سيناريو الانقلاب
انقلاب عسكري بدعم الولايات المتحدة ..

صرح آفرليز أن المؤامرة قد أُعدت إعداداً جيداً إذ بدأت بإضراب عام دعا إليه رجال الأعمال في 10 نيسان الجاري، وقامت وسائل الإعلام الخاصة بخلق جو من التوتر، إذ حاولت تحريض الجماهير ضد الحكومة،ولكن الإضراب فشل بشكل عام لكنه نجح في بعض الأماكن، حيث قام أصحاب المعامل بإغلاقها بشكل يمنع العمال من العمل. بعد اليوم الأول من الإضراب، أعلن اتحاد رجال الأعمال إضراباً مفتوحاً غير محدد، داعياً للتظاهر في 11 نيسان. وخلال هذه المظاهرة الرجعية قامت مجموعات كبيرة من انصار الرئيس شافيز بالتجمع للدفاع عن الجمهورية البوليفارية. لقد نزل المحرومون إلى الشوارع من الأحياء الهامشية نحو القصر الجمهوري لدعم الرئيس المنتخب.
لقد ضمن الرئيس شافيز للمعارضة حقها الدائم في التظاهر مع استمراره بمطالبة أنصاره بعدم الرد على الاستفزازات،ومع إدانة الإعلام الخاص الذي يشوه الحقائق.

وخلال إلقاء الرئيس شافيز كلمةمتلفزة مساء الخميس أطلقت المرحلة الثانية من الخطة الإنقلابية، إذ وجه مسؤولو المعارضة اليمينية مظاهرتهم نحو المناطق التي كان يتجمع فيها التقدميون وكان هدفهم واضحاً: إسالة الدماء!!

أعطت الحكومة الأمر للحرس الوطني بأن يقيم حاجزاً فاصلاً بين المجموعتين لمنع الصدام. في هذا الوقت بالذات بدأ بعض القناصة المتوضعين على الأبنية العالية بإطلاق النار على المتظاهرين المؤيدين للرئيس شافيز وعلى بعد 200 متر من الجمهور سقط أول شهيدين من المدافعين عن الرئيس الشرعي عندها بدأ متظاهرو القوى الوطنية والحرس الوطني المؤيدين للرئيس شافيز بالتصدي للقوى الرجعية، بينما قامت الشرطة التابعة لمحافظ كاراكاس العاصمة، ذي النزعة اليمينية بإطلاق النار على المؤيدين للرئيس شافيز. إذاً بدأت قوى الردة باستخدام العنف ضد الشرعية الجمهورية، وكان أكثر القتلى الذين سقطوا هم من أنصار الرئيس شافيز.

وفي مساء الخميس بدأت المرحلة الأخيرة للانقلاب، إذ أعلن قسم هام من الأركان العامة للجيش موقفه المعادي للرئيس واحتل بمساندة بعض القوات محطة تلفزيون الدولة. وقد لعبت وسائل الإعلام المحلية والعالمية دوراً أساسياً لتحقيق هذا الإنقلاب المدبر مباشرة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

لماذا تريد الولايات المتحدة التخلص من شافيز؟!
منذ بداية التسعينات تتطور المقاومة للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية وتتمركز بالدرجة الأولى في شمالها، في كولومبيا والأكوادور وفنزويلا. ففي كولومبيا تقوم قوات الأنصار بالسيطرة على مناطق واسعة من جنوب العاصمة بوغوتا حتى الحدود الأكوادورية. وفي الشمال الشرقي باتجاه بنما، وفي مناطق هامة شرق العاصمة وغربها. كما أن قوات الأنصار نشيطة في عدة مدن. وفي آن واحد فإن الحركة الشعبية بين الفلاحين والعمال تهز النظام القائم بأعمالها المنظمة عبر الإضرابات.

أنصار شافيز يسيطرون على شارع قرب القصر الرئاسي في كراكاس خلال تظاهرهم من أجل عودة الرئيس
ففي فنزويلا فاز الرئيس شافيز بعدة انتخابات واستفتاءات وأصلح المؤسسات «البرلمان، الدستور،القضاء» ويمارس سياسة خارجية مستقلة تؤثر حتى على سياسة الدول المصدرة للنفط، وهو أول رئيس أجنبي يكسر الحصار حول العراق،وعلاقاته الدبلوماسية والاقتصادية مع كوبا وطيدة، ويواجه الرئيس شافيز،كما تواجه قوى المقاومة الأخرى في البلدان المذكورة أعلاه، السياسة النيوليبرالية الأمريكية.

لقد رفض شافيز السماح لطائرات الاستطلاع الأمريكية بالمرور من فوق أراضيه من أجل التجسس على الثوار الكولومبيين. كما أن الانتفاضة الشعبية في الأكوادور ضد عسكرة الحدود مع كولومبيا تضعف التدخل الأمريكي في المنطقة. وقد زار شافيز هافانا وعقد اتفاقاً بترولياً أمن احتياجات كوبا من الطاقة، كما أمن احتياجات بلدان أخرى من دول الكاريبي، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمارس سياسة التدخل العسكري المباشر في كوبا، إلا أنها تجنبت الصدام المباشر في فنزويلا انطلاقاً من إدراكها بأن ميزان القوى لا يسمح لها بالعمل العسكري المباشر، لذلك كثفت أعمال التخريب بالتعاون مع النخب المالية والاقتصادية في فنزويلا، ونجح الرئيس شافيز ببناء حركة جماهيرية تدعم سياسته وبرهنت الأحداث على أن هذه الحركة استطاعت نتيجة نضجها أن تصمد وأن تنتصر على قوى الردة.

والجدير بالذكر أن أول تصريح للرئيس المنصب بالقوة بأنه سيؤمن 15% من حاجة الولايات المتحدة من البترول الفنزويلي وألغى القرارات الـ 25 التي أصدرها الرئيس العائد شافيز.

معلومات إضافية

العدد رقم:
173