من تقرير أ. شينين حول نشاط الأحزاب الشيوعية على أراضي الاتحاد السوفييتي يجب إعادة القدسية والاعتزاز للقب الشيوعي

عقد في 28 تموز الماضي اجتماع لمجلس اتحاد الأحزاب الشيوعية ـ (الحزب الشيوعي السوفييتي) ـ ألقى فيه رئيس المجلس أوليغ شينين تقريراً عن تكتيك نشاط الأحزاب الشيوعية في الظرف السياسي الراهن على :أراضي الاتحاد السوفييتي. ولأهمية هذا التقرير ننشر مقاطع منه

لم يعد هناك أي شك لدى المراقب المتجرد والحصيف بأنه في 11 أيلول 2001، وبمشاركة الاحتكارات ما فوق القومية والصهيونية العالمية وقع في نيويورك وواشنطن حدث استفزازي كبير جداً، يحمل معه أثاراً وتبعات طويلة الأمد، تخدم تحقيق السيطرة الاحتكارية ـ الصهيونية على العالم أكثر من أي وقت مضى. إن هذه الأعمال الهوجاء والمتشنجة التي تقوم بها الاحتكارات العالمية والصهيونية، تحدث في فترة تتحول فيها أزمة الرأسمالية العامة إلى نماذج كونية أخذت تشمل وتشوه وتدمر مختلف جوانب حياة الإنسان والمجتمع في المعمورة قاطبة.

لقد أصبح مصطلح العولمة على كل شفة ولسان وجوهر هذا المصطلح لا يعدو أن يكون عولمة الرأسمالية الاحتكارية وهنا يتبين كم كانت صحيحة نبوءة لينين عندما قال: «ليس هناك أي شك في أن التطور الرأسمالي يسير باتجاه واحد وحيد، نحو توحيد الشركات على المستوى العالمي، الذي سيبتلع كل المشاريع بدون استثناء، وجميع البلدان بدون استثناء»!

أدوات العولمة وأقسام العالم

ونلاحظ، أن مصالح اتحادات الاحتكاريين أصبحت في الوقت الراهن عنصراً محدداً لتقسيم العالم جغرافياً فيما بينها. كما ترتبط بتلك المصالح في هذه الحالة وبشكل وثيق المؤسسات والمنظمات الدولية التالية:

1. المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية، البنك الدولي للتنمية، وغيرها.

2. المنظمات والهيئات والاتحادات الإقليمية وأبرزها الاتحاد الأوروبي.

3. ما يتفرع  عن ذلك من صيغ تمويلية وسياسية على شاكلة منتدى دافوس السياسي ـ الاقتصادي. كماأن نتائج المباريات والألعاب الرياضية الصيفية والشتوية الكبرى تسمح لنا بأن  نضيف إلى القائمة السابقة من الاحتكارات مجموعة من المنظمات الدولية الكبرى مثل اللجنة  الدولية للألعاب الأولمبية، الاتحاد الدولي لكرة القدم ، اللتين اتسمتا بالفساد الصارخ وتحولتا بالفعل إلى «بزنس» ألعاب دولي، وإلى أداة لسياسة الرأسمال المعولم الذي توجه اقتصاد وسياسة مجموعة من البلدان في العالم، مخضعاً السلطة السياسية له دون أي احترام للشكليات.

يخطئ من يعتقد بأن الولايات المتحدة مازالت هي الدولة العظمى الوحيدة التي لها أطماع بالسيطرة العالمية. إن الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم اعتمد منذ عام 1944  على اتخاذ الدولار أساساً وقياساً للتمويل بدلاً  من الذهب. ومن أجل الحفاظ على سيطرتها الطبقية قامت الرأسمالية العالمية بتفويض الولايات المتحدة بأن تكون أداتها وقوتها الضاربة، مع أن الاختلاسات والاحتيالات المالية لـ إنرون و أوردكوم، كسيروكس وغيرها ستجعل ذلك التفويض في دائرة الشك مستقبلاً.

إن التراجع الاقتصادي المستمر والفضائح المالية ماوراء المحيط أجبرت رئيس الولايات المتحدة على الحديث عن إعادة تنظيم المراقبة الحكومية لتأمين ما يسمى «الإدارة الشريفة للأعمال». (وكأن ذلك ممكن). لقد ضعف الدولار أمام «اليورو» من نيسان وحتى الآن 17 % وطالما أن الروبل مرتبط بشكل وثيق   بالدولار، فإن احتياطي العملة الصعبة في البنك المركزي لروسيا انخفض إلى 3 مليارات دولار تقريباً.

وحسب اعتقادنا، فإن الأكثر صواباً هو النظر إلى الولايات المتحدة كوكيل أعلى للأوليغارشية ما فوق القومية والدركي العالمي في خدمة تلك الأوليغارشية. كما أن أحداث 11 أيلول تظهر بوضوح، أنه في ظل تنامي القوة الاقتصادية الهائلة للاحتكارات ما فوق القومية، تصبح الدولة الاستعمارية نفسها موضوعاً وموقعاً للاستغلال والاضطهاد تماماً مثلما كانت سابقاً دول الأطراف المرتبطة بالمراكز الرأسمالية....

من الملاحظ بالنسبة لحكام روسيا الحاليين أن أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة كانت حجة مناسبة انتظروها طويلاً، ليسارعوا وبدون أي تحليل، ليس فقط ليعبروا عن إدانتهم لما حدث، بل «للتضامن» مع الخطوات الجوابية التي قررتها أمريكا ضد ما يسمى بالإرهاب الدولي. وخلال أيام معدودة تحول تضامن روسيا إلى زجها في دور محدد في مخطط العمليات العسكرية، والطلب مجدداً للتقارب مع حلف شمال الأطلسي والذي تجلى في 28 أيار بـ «وثيقة روما». ولم ينتبه أحد إلى حتمية ظهور قواعد حلف الناتو في أراضي الاتحاد السوفييتي، ولا إلى  حتمية المواجهة العسكرية مجدداً. من المفهوم جداً علاقة تأزم الوضع أكثر فأكثر في الشرق الأوسط والمواجهة النووية بين الهند وباكستان، باستمرار القرصنة الأمريكية في أفغانستان.

ومن هنا، فإن الطبقة الحاكمة في روسيا الآن أثبتت من جديد أنها غير معنية بالدفاع عن الاستقلال الوطني، بقدر ما هي معنية في تسريع دمج البلاد في نظام التكتلات الدولية الإمبريالية للحفاظ على سيطرتها وممتلكاتها داخل روسيا. ولا يستبعد في المستقبل أن تعتمد الطغمة الحاكمة في روسيا على الحراب الأجنبية في مواجهة تنامي الكراهية والاستياء من قبل الجماهير الكادحة ضدها.

سياسة التسول

إن منطق استمرار هذه السياسة تجلى في الاعتراف بروسيا في 26 تموز من العام الحالي في اجتماع الثمانية الكبار في كندا بأن روسيا بلد ينهج اقتصاد السوق.. وسيوكل إليها شرف رئاسة «اجتماع الثمانية الكبار» عام 2006. وهذا يعني استقبال «اليتيم على مائدة اللئام» أو البلد الفقير في أغنى بيت في العالم ليس على أساس الندية، بل بصفة الخادم، وبصفة البلد الذي يمتلك المواد الخام الهائلة والمساحة الشاسعة والبيئة المناسبة لخدمة الرأسمال العالمي. وليس صدفة أن سلطات روسية تسلمت عشرين مليار دولار من أجل تدمير الأسلحة النووية والكيميائية ولكن بالشروط والمواقع التي تحددها قيادة حلف الناتو.

إن الأثار المباشرة للسياسة الخارجية المؤيدة للغرب والتي ستحدد حتماً الوضع في كل المجال السوفيتي، تتجلى في التوجه المشوه للاقتصاد، ونهب الثروة الوطنية لصالح المجموعة الأوليغارشية،وغسل الأدمغة، وتهريب الأموال، وفساد السلطات وسيطرة الجريمة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية. إن الغالبية الخانعة والمسيرة في مجلس الدوما أقره بالفعل مجموعة واسعة من القوانين لفرض الليبرالية الجديدة «نيوليبرالية» في مجالات الزراعة والإسكان، و التقاعد والتعليم والقضاء، التي تخدم مصالح «القطط السمان» وزيادة ثروتهم أكثر على حساب متابعة الإفقار الكلي والجزئي للغالبية العظمى من السكان.

محاولات اجهاض مقاومة العولمة

... إن الجيوستراتيجية الأطلسية، التي تنطلق من مقولة أنه لا يجوز أن تظهر في المجال السوفييتي السابق أي سياسة قادرة على منافسة الغرب، مازالت مستمرة بدون تغيير. وبالتوازي تجري محاولات إجهاض المقاومة والتصدي لمقولة النظام  العالمي الجديد، بشكل وحشي. أما أسلوب إجهاض المقاومة على الجبهة الأيديولوجية فيتجلى في محاولات الفرض القسري لمجموعة من مفاهيم الشيزوفرينكا (انفصام الشخصية) المتضاربة على البشرية. وأول هذه المفاهيم المقيتة المصاحبة للرأسمالية هي الكوسموبوليتية والتعصب القومي.

كل ذلك سمح لدوائر حلف الناتو القيام بخرق استفزازي للتكامل الجغرافي لأراضي الاتحاد السوفييتي السابق، لدرجة أن  عمليات الاستفزاز هذه أثارت المخاوف والقلق لدى عدونا الطبقي داخل روسيا فيما يتعلق بالوضع النهائي للحدود مع الدول المجاورة.

على أثر ذلك قامت كل من طاجيكستان وقرغيزيا بشكل طوعي بتلبية مطالب الصين الحدودية معهما، ومن المعروف أن الجدل حول حدود الصين مع هذين البلدين أثير فقط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ومن الملاحظ الآن أن الرأسمال العالمي يسيطر على كل أراضي الاتحاد السوفييتي ـ في أسيا الوسطى، وفي  القوقاز وفي أوكرانيا ومولدافيا ودول البلطيق ـ.

في مثل هذا الوضع تنشط وتعمل الأحزاب الشيوعية المكونة لاتحادنا. فالوضع يختلف من جمهورية لأخرى، فمن الدكتاتورية العبودية عبر الديمقراطية الاستعمارية، حتى رأسمالية الدولة مع بقايا منجزات الاشتراكية. ولذلك من الصعب في هذا التقرير أن نعكس بالتفصيل عمل الشيوعيين في كل جمهورية على حدة. مع أن النتائج لا ترضي أياً منا، لا يمكن اتهام أحد بالتقصير وعدم العطاء خاصة إذا علمنا أن الرفاق والكادر الرئيسي يتعرضون بشكل منظم للملاحقة والمراقبة والاضطهاد.

المفاهيم الطفولية

بعد إلغاء دكتاتورية البروليتاريا وإعلان دولة الشعب، أي بعد تراجع الدولة الاشتراكية عن المواقع الطبقية والتي مع غيابها نشأ جيل أو جيلان على المفاهيم الطفولية الهشة والرخوة غير المتبلورة، الأمر الذي جعل تلك الأفكار والمفاهيم تلعب دوراً قاتلاً في المجتمع السوفييتي، ولازال هذا الدور مستمراً حتى الآن في روسيا وغيرها من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، فإن القسم الأعظم من السكان، الذي لم يعتنق الرأسمالية،  إلى هذا الحد أو ذاك، خاب أمله في الأيديولوجيا الشيوعية، توجه وعاد بأفكاره وتصوراته إلى التقاليد السابقة على  الرأسمالية بمساعدة بعض الأيديولوجيين المعادين المتقنعين بقناع الشيوعيين، معتبرين أن تلك التقاليد هي المستقبل المنشود. إن العودة للماضي (بالجوهر هي العودة للإقطاعية) يجري تصويرها على أنها حركة نحو الأمام والتقدم. ومع أن ذلك يخفي اللامبالاة والسلبية، فإن هناك احتجاجاً لأوسع شرائح السكان ضد الواقع الرأسمالي. ولذلك نحن ملزمون بالنضال ضد النظام وكذلك ضد المعارضة الحالية المزعومة في جميع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق والتي اتضحت الحدود معها بشكل صحيح في العام الماضي.

جوهر اللقب الشيوعي

إن الأهم بالنسبة لنا في هذه الظروف، وبالنسبة للكثيرين من الناس السوفييت هو أنه طالما أن أكثرية مواطني الاتحاد السوفييتي مازالوا أناساً سوفيتيين، يجب إعادة الإعتبار والاعتزاز للقب الشيوعي كما كان عليه في البدايات بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فمن خلال أخطائنا وضعفنا سمحنا للطارئين وقوى السوق وأعطيناهم الحجة للإساءة للقب الشيوعي. ولهذا فهم يتحدثون عن الحركة الشيوعية وعن المعارضة اليسارية باستخفاف واضح حيث يقولون: «لقد كنا محظوظين في صراعنا مع الشيوعيين فهم بعيدون جداً عن تشي غيفارا. لأن أقصى أمنياتهم الوصول لمقعد في مجلس الدوما وامتلاك سيارة»!!

بالنسبة لنا، ومن تحصيل الحاصل، من غير المطلوب أن نخلق هالة حول كلمة «شيوعي» أو أن نجعل من الشيوعي نسراً غير قابل للخطأ والعيوب، نحن نتحدث عن قداسة المثل الأعلى آخذين بعين الاعتبار ضرورة الاستمرار بالعمل على تطوير وتجريد المفهوم من كل ما يتعلق به من شوائب عن طريق البحث الدائم عن الفكرة التي تحدد المصداقية في حياة الإنسان والإنسانية.

إن انضمام وإشراك العشرات مئات الألوف إلى فكرة المثل الأعلى، من بين الشيوعيين العفويين وملايين الناس الذين لا يعتبرون أنفسهم شيوعيين، ولكن ينشدون إلى المثل العليا، إنها المسألة الأهم، لابل المسألة الرئيسية بالنسبة لنا. إنها التكتيك والاستراتيجيا في آن معاً.  فعلى حل هذه المسألة يتوقف انتصارنا ودحض أفكار السفلة المتخندقين في السلطة والانتصار عليها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:32