التحضير لما هو قادم
فشلت إسرائيل في تحقيق نصر عسكري على المقاومة اللبنانية كذلك فإنها لم تستطع تحقيق أهدافها السياسية التي دفعتها إلى ارتكاب مجازر يندى لها الجبين وتؤدي بلا تردد إلى محكمة لجرائم الحرب .
فبعد صدور القرار الدولي 1701 فهمت إسرائيل وحليفتها أمريكا بأن للقوة حدوداً وأنهما لا يعيشان بمفردهما على وجه هذه الكرة الأرضية التي اهتزت تحت وقع قنابلهم الذكية وغير الذكية، كما اهتز الضمير العالمي الإنساني ليضع حداً للجبروت والقوة العسكرية.
صدور القرار الدولي 1701 رغم ما يلحقه من إجحاف بحق لبنان ويفسح المجال مرة أخرى للتدخل في الشؤون اللبنانية، ويتعامل مع قوة الاحتلال والمقاومة بنفس الدرجة، ويحاول إرضاء الغرور الإسرائيلي ومن ورائه الأمريكي المتسلح بالفيتو، فإن هذا القرار هو إنجاز مهم لصالح العرب ينبغي البناء عليه والاستفادة منه للتذكير بقرارات دولية عديدة لم تطبقها إسرائيل في الشأن الفلسطيني.
السياسية هي تعبير عن مصالح وموازين قوى، ويعرف الجميع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي سجلت رقماً قياسياً في إدارة ظهرها وتنصلها من الإرادة الدولية والقرارات الدولية، ولكن ما ينبغي الانتباه له بان للسياسة أيضاً أحكاماً أخرى تؤثر في مجرياتها ونتائجها كالصمود والمقاومة المنظمة والصادقة وعدم الاستكانة لهذه الموازين والتماهي معها، والاستفادة من أوراق القوة التي هي بأيدي أصحاب الحقوق والمثابرة في مراكمة الانجازات .
الهزيمة الإسرائيلية في لبنان التي لم يتعود الكثير على مشاهدتها قد تدفعها إلى المزيد من التوحش وارتكاب المجازر، وإن لم تكن هذه المجازر في لبنان، فقد تكون في فلسطين وبشكل أكبر فظاعة مما كان عليه في السابق، حيث أن حكومتها التي ستتعرض لحساب داخلي عسير قد يدفعها للهرب من هذا الحساب باتجاه التصعيد في مكان ما، لكي تحقق أمراً ما تقدمه إلى شعبها على شكل إنجاز قبل جلسات الحساب، ولهذا فإن الاحتياط والتحضير لما قد تقدم عليه «إسرائيل» هو واجب لكي يكتمل عقاب هذه الحكومة على الأقل من «شعبها».
ما يجري في الشرق الأوسط من أحداث خطيرة والصلف الإسرائيلي الأمريكي قد اجبر الأخيرتين على إعادة حسابهما أمام الإرادة الدولية، وهو بحاجة إلى إعادة حساب على المستوى العربي والاستفادة من حالة النهضة الشعبية التي زال عنها حاجز الشعور بالهزيمة والعجز، هذه الحالة النهضوية من الضروري الاستفادة منها باتجاه تأطيرها وتنظيمها وتحضيرها للمبادرة والتأثير وإخراجها من دائرة ردات الفعل على مجزرة هنا أو هناك وتحويلها إلى طاقة فاعلة تساعد الشعوب العربية على الخلاص من قوى الاحتلال تساعدها على قضاياها الداخلية ومواجهة الحكومات المستبدة العاجزة عن استثمار أوراق قوتها النفطية وغير النفطية حتى الاستهلاكية لتحسين مواقعها على مستوي القرار العالمي ومجابهة التحديات الإسرائيلية والأمريكية والعاجزة عن تحقيق التحديث والتنمية في بلدانها ورفع مصائب الجوع والفقر والبطالة والأمية عن مواطنيها، والعاجزة عنإرساء قواعد نظم ديمقراطية تعددية تصون كرامة وحرية مواطنيها.
إن الصمت الرسمي لسنوات عما يرتكب من مجازر بحق الشعب الفلسطيني والعراقي وأكثر من شهر عما يرتكب من جرائم بحق الشعب اللبناني، وبقاء السفراء الاسرائيلين في بعض البلدان كذلك مكاتب الاتصال والتنسيق والمكاتب التجارية الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأمريكية في هذه البلدان لن يرحم هذه الحكومات لا في كتب التاريخ ولا أمام نظرات وضمائر الشعوب، وإن لم تستطع هذه الشعوب معاقبة حكوماتها الآن فان ذاكرتها لن تنسى أن الدولة الوحيدة التي سحبت سفيرها وهددت بقطع كامل علاقاتها مع إسرائيل هي فنزويلا، وان الحركة الدبلوماسية النشطة لفرنسا وغيرها من الحكومات هي التي سبقت أي تحرك رسمي عربي، ولن تنسى الجماهير العربية والإسلامية انه في الوقت الذي جري فيه تكميم أفواهها وقمعت تظاهراتها المنددة بالعدوان الإسرائيليفي أوطانها العربية، قد خرجت تظاهرات في إسرائيل ومختلف عواصم العالم لم تجد من يطاردها ويعتقلها أو يكبح عنفوانها.
القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في خطر حقيقي، والجولان السوري محتل، العراق الشقيق جرح نازف يتهدده الضياع والتجزئة، لبنان المنكوب والمدمر، كل هذا يدعو الجميع من قوى المجتمعات العربية "أحزاب سياسية، نقابات مهنية، منظمات أهلية، كتاب ومثقفين ومفكرين وفنانين" للتحضير لما هو قادم، فإلى متى سيبقى المواطن العربي ضحية لبلطجة الاحتلال، ضحية لعفن النظم السياسية القائمة ولأشباه القيادات، ضحية للفقر والتخلف والجوع، ضحية على المعابر الدولية والمطارات، ضحية للغته ولونه وعرقه ودينه وانتمائه؟!!.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 280