2016: وداعاً لحقبة «الرفاه الخليجي»..!

لم يعد الخليج ذاك المكان المقرون منذ فترة طويلة بـ«الرفاه والاستقرار»، كما راج في العقود الاخيرة، حيث بات يعاني اليوم بوضوح من أزمات متلاحقة ومترابطة، أساسها البنى السياسية والاقتصادية الخليجية، المعتمدة على الريع النفطي، والتبعية وما يرافقها من تماهٍ كبير مع السياسات الأمريكية خصوصاً في السنوات الأخيرة..

 

 

في السنوات القليلة الماضية، دخلت دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، في صلب أزمات المنطقة، من اليمن في الجوار، حتى ليبيا في شمال أفريقيا، وتعدتها فيما بعد إلى الدخول في حرب بأبعاد دولية، هي حرب أسعار النفط، فكيف ظهر القطاف الخليجي اليوم؟

«نزهة اليمن»: حريق الكل

كان من المخطط لـ«عاصفة الحزم»، بقيادة السعودية، أن تكون عملية محدودة، تغير الوضع السياسي في الداخل اليمني، كما تريده السعودية، ثم الخروج العسكري بأقل التكاليف، لكن بعد أقل من عامين على هذه العملية، ماذا جنت السعودية وحدها من خسائر مادية وبشرية، قبل الحديث عن خسارتها السياسية؟

اقتصادياً، لا توجد إحصائية دقيقة ونهائية لتكاليف الحرب السعودية في اليمن، والتي تتضمن السلاح والذخائر، والدعم المالي للدول المشاركة كالسودان، واستئجار الأقمار الصناعية، وغيرها من التكاليف، لكن إحدى التقارير تقدّر الفاتورة الكاملة للحرب بعد انتهاء عامها الأول بحوالي تريليونين من الدولارات، وهي تعد أكبر كلفة مالية منذ حرب الخليج الثانية.

عسكرياً، تكفي الإشارة إلى التقرير الاستخباراتي الأشهر، والذي تناقلته الصحف الغربية والعربية في تموز من العام 2015. وفقاً للتقرير، فإن الجيش اليمني واللجان الشعبية، تمكنوا من تدمير 98 موقعاً عسكرياً سعودياً في نجران وجيزان وعسير وظهران، تدميراً كلياً، إلى جانب 76 موقعاً عسكرياً تم اقتحامها والسيطرة عليها وتفجيرها بالألغام الأرضية، وفق المخطط العملياتي العسكري اليمني. بالإضافة إلى تدمير ما يقارب 600 دبابة ومجنزرة مدرعة، داخل الأراضي السعودية 

إلى جانب خسائرها الاقتصادية المتعلقة بتكاليف الحرب، ستكون السعودية مضطرة لدفع أجزاء كبيرة من تكاليف إعادة إعمار اليمن، بعد انتهاء الحرب.

سياسياً، فإن مخاوف السعودية من خسارة نفوذها السياسي في اليمن، كما كان على أعتاب «عاصفة الحزم»، سيصبح أمنية بعدما أمعنت السعودية في تدخلها جنوباً، وأصبحت مشكلتها في اليمن أكبر من مجرد عداء لقوى سياسية يمنية مناهضة للتدخلات السعودية، بل تعدتها إلى مجابهة مع شرائح واسعة من المجتمع اليمني.

سورية وفقدان التحكم بالمسارات

في سورية، يمكن القول أن السعودية فقدت قدرتها على التحكم بمسارات الأزمة، كوكيل للمصالح الأمريكية هناك، ذلك بناءً على قضية أساسية، هي اضطرار واشنطن للانخراط في الصراع الدائر في سورية، دعماً وتسليحاً بشكل علني، على أساس أن الصراع في سورية انتقل في تدويله إلى مراحله العليا، ليصبح صراعاً بين قوى دولية كبرى، وليس إقليمياً بالوكالة فقط، إضافة إلى انخفاض قسري في الوجود السعودي بعد انطلاق النشاط العسكري الروسي في سورية، بغية مكافحة الإرهاب بشكل جدي.

حرب أسعار النفط

يمكن وصف حرب أسعار النفط العالمية بأنها حرب تكسير عظام، لأن المنتجين للطاقة جميعهم خسروا في الحرب، التي وقفت السعودية على رأس المحاربين فيها، وكانت من أكبر الخاسرين فيها، كونها تعتمد في جلّ اقتصادها على توريدات الطاقة، ومن ضمن التداعيات التي ظهرت في العام الحالي، أي بعد ما يقارب عامين ونصف على بداية هذه الحرب، ظهرت بوادر الأزمة الاقتصادية في الخليج عموماً، وفي السعودية على وجه الخصوص، ومن بينها طرح السعودية لأول مرة في تاريخها «أدوات الدين»، المتضمنة سندات وصكوك للبيع، بإجمالي طرح أولي قدره 17.5 مليار دولار، في الوقت الذي وصل فيه المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب في السندات، 67 مليار دولار. ووصلت الديون المباشرة على الحكومة بحسب وزارة المالية السعودية، إلى نحو 72 مليار دولار، 10 مليارات منها ديون خارجية.

الانخراط في حرب أسعار النفط، وتكاليف الحرب على اليمن، أوصلت عجز الموازنة العامة إلى حدود 90 مليار دولار هذا العام، شرعت المملكة إلى تحصيلها من جيوب المواطنين، عبر فرض ضرائب جديدة، ورفع الدعم عن المحروقات والخدمات، وبعض السلع الأساسية، وتخفيض في التوظيفات ورواتب المسؤولين الخ..

هذه الإحصاءات هي جزء من قائمة تطول، لتداعيات حرب أسعار النفط على السعودية، ورغم توصل دول «منظمة أوبك» ومنتجين مستقلين من بينهم روسيا، إلى اتفاق تاريخي لخفض إنتاج النفط بنحو مليون و800 ألف برميل يومياً، وإعلان وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي، خالد مفلح، أن الدورة الراهنة لانخفاض أسعار النفط تشرف على الانتهاء، ورغم هذا التطور المهم، إلا أن دخول الخليج في أزمة اقتصادية، سيستمر لسببين أساسيين، الأول هو: بنية الاقتصادات الخليجية على العموم، والمهددة بالهزات عند أي خلل في منظومة أية دولة من دولها، والسبب الثاني، هو دخول إيران وروسيا بقوة إلى أسواق النفط في المنطقة، واحتمال عودة العراق بقوة إلى قائمة المنتجين الأساسيين، في المرحلة المقبلة.

«فزاعة ترامب»

واحدة من أزمات الخليج المستجدة، هي: علاقتها مع الولايات المتحدة، وبشكل أدق مع تلك المراكز النافذة في داخل الولايات المتحدة، والتي يعبر عن رأيها الرئيس الجديد، دونالد ترامب، وهو ما يثير مخاوف الخليجيين من استكمال سلسلة الابتزاز، والتي بدأت بـ«قانون جاستا»، وأكملتها تصريحات ترامب بخصوص رؤيته للعلاقة مع دول الخليج.

من المؤكد أن ترامب، بما يمثله، لا يمكنه تقرير العلاقة مع دول الخليج بمفرده، إنما بالتراضي مع تيارات وقوى أخرى في الولايات المتحدة، مستفيدة مثلاً، من توريدات الأسلحة، وتبييض الأموال في تلك المنطقة، علاوة على الضرورات الأمريكية للاستفادة من النفوذ السياسي الخليجي في المنطقة، كالدفع بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، والدخول على خط «المفاوضات» للسلطة الفلسطينية مع هذا الكيان.

من جهتها، فإن دول الخليج بدأت تبحث عن شبكة علاقات تتناسب مع وزنها وتطلعاتها، كالاقتراب من تركيا، ومؤخراً إعلان نوايا توثيق العلاقات مع الجانب البريطاني، فيما يخص الاستثمارات والتسليح.

عود على بدء، فإن أكبر خطايا دول الخليج، هو التصاقها الشديد بالسياسات الأمريكية في المنطقة، وتراجع الولايات المتحدة يقتضي بالضرورة تراجعات لحلفائها، بغض النظر عن شكل الأزمة المنتجة، سواء اقتصادية أو سياسية، وبالتالي، فإن استمرار الخروج التدريجي للولايات المتحدة من المنطقة، لا يبشر خيراً لهذه الدول، وربما أن تغييرات في البنية السياسية والاقتصادية-الاجتماعية، لدولة مثل السعودية، هي الضمانة الوحيدة لاستمرار وحدتها، واستقرارها، أي أن السلطة السياسية السعودية هي المرشح الأكبر لدفع الضرائب السياسية والاقتصادية المتراكمة في العقود الأخيرة.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
789