مصطفى الخطيب مصطفى الخطيب

شافيز والأممية الجديدة

تابع الكثيرون حديث الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز على قناة الجزيرة،والذي أدان فيه العدوان الإسرائيلي على لبنان، تتويجا لقرار اتخذته بلاده بسحب سفيرها من إسرائيل، وبالطبع قد يتبادر للكثيرين أن هذا استهلالا لنقد المؤمنين العرب الذين لاموا حزب الله لأنه (شيعى) لايجوز تأييده أو «الحكماء» الذين حذوا نفس الحذو، لأنهم لن يسمحوا لحزب الله بالزج بهم في معركته ويخرجهم من معركة «التنمية». عفوا فحقائق الأرض قد داستهم، والخيبة الإسرائيلية قد خذلت آمالهم في سحق حزب الله في يوم أو اثنين، كذلك فان ملايين الغاضبين على الأرض العربية قد أوسعت وجوههم بما يستحقونه. لهذا لن يشغلنى كثيرا هؤلاء.

لقد تحدث هذا الرجل بحب فياض عن العرب،من النبي محمد إلى الرئيس ناصر ومن بدو الصحراء إلى قناة الجزيرة، ولنا أن نسأل عن الأرض والبيئة التي أنبتت هذا الرجل.
 ليس خافيا علينا جميعا أنها أرض أمريكا اللاتينية، هذه البلاد التي شهدت الكثير من الانتفاضات على الوحش الأمريكي الذي اعتبرها حديقته الخلفية، فرغم خسارته لبعض الأرض في أجزاء من العالم إبان فترة صعود حركات التحرر من الاستعمار القديم في الخمسينات والستينات، إلا أنه اعتبر هذه القارة خطا احمر لا يجوز عبوره، حتى نجح فئ ترويضها جميعاً بقتل جيفارا وإسقاط الليندى وتدبير انقلابات الجنرالات في كولومبيا والمكسيك والأرجنتين وغيرها، وصارت «جمهوريات الموز» في هذه القارة مصطلحا ونموذجا للتبعية.
لكن ومنذ عدة سنوات فوجئ العالممرة ثانيةبفنزويلا والبرازيل وتشيلى وبوليفيا بصعود رؤساء ينتمون إلى أحزاب اليسار، نعم صعود للحكم، وليس فقط صعودا سياسيا ينافس كحركات معارضة نشطة، ولكن فوزا سياسيا مجيدا يحمل شخصيات تتحدث بدون ثورية عن انتمائها اليساري وانحيازها للفلاحين والأجراء، رؤساء يلعنون الاستعمار والهيمنة الأمريكية (قولا وفعلا)، ويتحدون أمريكا ويطردونها،لأن زراع الحديقة الخلفية قد استيقظوا وجاءوا ليتسلموا ما زرعت أيديهم، زعماء حملهم الصندوق الانتخابي بعد أن قضى بعضهم قرابة النصف قرن في النقابات أو أحزاب المعارضة الحقيقية، جاءت لحظة أن تكافئهم الجماهير على صدقهم لأنهم أجادوا لغتها الخاصة، ولم يفهموا ألعاب التوازنات، ومعارضة الأضواء والفضائيات، زعماء صرعوا التنين الأمريكي عبر انتصارات ديمقراطية مجيدة، بدون أي شبهة عن الانقلابية أو الديكتاتورية.

لقد أدى سقوط الاتحاد السوفيتي – بصرف النظر عن الخلاف حول تقييم التجربة السوفيتية- إلى انقلاب خطير في التوازن الدولي، ولم يعد أمام الشعوب إلا أن تعيد تشكيل أمميتها الجديدة. وإذا كانت البديهية الأساسية أن بناء القوة الذاتية هو أساس ومصدر كل قوة، إلا أن الحاجة لأممية ديمقراطية جديدة في ظل الانفراد الأمريكي أصبحت ضرورة تفرض نفسها، وأن شافيز فنزويلا، ولولا البرازيل، ونصر الله لبنان، وزعماء المظاهرات المليونية ضد حرب العراق في لندن وروما ومدريد، والسيدة عضو الكونجرس التي أخرجت من القاعة وهى تهاجم غزو العراق في وجود الدمية «المالكي»، وبعض أبناء الطائفة اليهودية الموجودة في أمريكا والتي لا تؤمن بإسرائيل كدولة لليهود وتشارك في كل مظاهرات واشنطن، وقساوسة كنيسة المهد الذين احتضنوا المقاتلين الفلسطينيين لعدة أسابيع.. كل هؤلاء هم الظهير الجديد، والعمق الذي لن يسقط بغزو عسكري أو تآكل بيروقراطي، عمق وظهير ديمقراطي أنضجته سجون الديكتاتوريات العسكرية ومعارك النقابات وانتخابات البلديات والروابط الطلابية، وحملات الدفاع عن البيئة ومظاهرات مناهضة العولمة، عمق وظهير إنساني وطني ديمقراطي ثوري أنضجته المعارك «الصغيرة» حتى صار« كبيرا»..

معلومات إضافية

العدد رقم:
281