عشية قمة هافانا لدول عدم الانحياز حذار حذار حذار... سيف بوليفار يتجه نحو الشرق العظيم!!

تستضيف العاصمة الكوبية هافانا المؤتمر الرابع عشر لبلدان حركة عدم الانحياز، الذي افتتح أعماله، يوم الإثنين 11/9/2006، بسلسلة من الاجتماعات على مستوى كبار المسؤولين الرسميين ووزراء الخارجية، تمهيداً لعقد قمة رؤساء الدول الأعضاء في الخامس عشر والسادس عشر من أيلول الحالي.

تأتي قمة هافانا، التي تغيب عنها الولايات المتحدة، كعضو مراقب كما جرت العادة، بعد التدهور المفاجئ في صحة الزعيم التاريخي فيدل كاسترو، وتنحيه المؤقت عن السلطة لمصلحة أخيه راؤول، حيث من المتوقع أن يعطي المؤتمر دفعاً قوياً لاستقرار الجزيرة الكوبية في ظل الانتقال الهادئ للسلطة فيها، وسط الحصار الأميركي المفروض عليها منذ أكثر من أربعة عقود.
وفي المقابل، يأمل كثيرون أن توفر كوبا، دفعاً قوياً لحركة عدم الانحياز المتهاوية، والتي ستسعى من خلال مؤتمرها إلى تجديد الدماء في أوصالها عبر خلق شبكة علاقات على مستوى دول الجنوب لتشكيل نموذج عولمة بديلة للعولمة الأميركية.
إنّ الحركة التي ارتبط اسمها بظروف دولية عرف خلالها العالم موازين قوى عسكرية وسياسية دقيقة، والتي شاءت بلدانها أن تقيم موقعاً لها خارج معسكري لأطلسي ووارسو، لم تفقد أهميتها في فترة ما بعد زوال هذا التوازن، فهي ما زالت تحمل هموم شعوبها في التحرر والاستقلال ومواجهة التبعية التي يفرضها نظام الهيمنة الأميركية على دول الجنوب، لا سيما في آسيا وأفريقيا وبعض بلدان أميركا اللاتينية.
وإذ ينص نظام حركة عدم الانحياز، على تولّي الدولة المضيفة رئاسة الحركة في فترة ما بين المؤتمرين، فإنه في حال تعافى فيدل كاسترو، فمن المحتمل أن يتفرّغ لقيادة الحركة، حيث سيكون بإمكانه تثمير خبراته ومكانته كرمز لقوى التحرّر، بهدف الدفع من أجل تشكيل قوة ضاغطة في مواجهة المشاريع الأميركية. وفي حال تحقق هذا الأمر فإنّ فكرة التنحي الدائم عن السلطة ستكون مستبعدة، باعتبار أنّ رئيس حركة عدم الانحياز، بحسب العرف المتبع، يجب أن يكون رئيساً للدولة، إلا أن ما قد يحدث هو توزيع جديد لأعمال السلطة في البلاد بهدف تخفيف العبء عن فيدل، ما يجعله قادراً على التفرّغ لمهمته الجديدة.
وفي ظل ما يمكن وصفه بالتكتلات والأحلاف السياسية في دول الجنوب، حيث يشكل الخيار «البوليفاري» الذي طرحه هوغو تشافيز في أميركا اللاتينية، وجبهة الممانعة في الشرق الأوسط، ودينامية دول جنوب آسيا، بديلاً لنظام الإمبراطورية الأميركية، يمكن لحركة عدم الانحياز أن تدفع باتجاه توحيد هذه الكتل والعمل على تكاملها، نظراً لطبيعة التلاقي الموضوعي لمصالح شعوب تلك البلدان، خصوصاً أن معظمها، إن لم نقل كلّها، منضوية في هذه الحركة.
إن تقاعد فيدل، إن صحّ التعبير، لا يعني تقاعد الثورة، ففي كوبا عدد هائل من الكادرات القيادية والكفاءات العلمية القادرة على تولّي المهام كافة، التي كان الرئيس الكوبي يشرف عليها مباشرة.
وأنه لمن الصعب، لا بل من المستحيل، عودة الجزيرة إلى فترة ما قبل إنجازات الثورة، خصوصاً أن مطامح الإدارة الأميركية والرأسماليين الكوبيين في ميامي ترتكز على مخطط يسعى إلى استعادة الأملاك التي أصبحت بعد الثورة ملكاً للشعب، من هنا فإن المواطن الكوبي، الذي وفرت له الثورة ضمانات كبيرة، لا سيما على المستويين الصحي والتعليمي، سيقاتل حتى الموت للحفاظ على هذه الانجازات.
وتنعقد القمة فيما تشهد القارة الأميركية الجنوبية نهضة لقوى اليسار قد تكون إحدى ثمار الثورة الكوبية، وقد أعطت الثقة لشعوب القارة للاتجاه نحو التحرّر من الدكتاتوريات العسكرية والسياسات النيوليبرالية، وما حدث في البيرو أو في المكسيك لا يمكن عده انتكاسة بل تراكم سيؤتي أكله قريباً. فالانتخابات البيروفية انحصرت بين مرشحين يساريين فاز بها مرشح يسار الوسط، أما في المكسيك، المحسوبة تاريخياً على اليمين، فإنّ اليسار حقق نتائج كبيرة، على الرغم من التزوير واستغلال اليمين لنفوذه في الدولة، والضغوط التي مارستها الولايات المتحدة، والعلاقات المتشابكة مع الرأسمال الأميركي في الولايات المكسيكية الشمالية. وفرق ال0.58 في المئة بين المرشحين اليميني فيليبي كالديرون واليساري اندريس مانويل لوبيز اوبرادور، يعد نصراً كبيراً لليسار، كما ينبئ بتفاقم الصراع في البلاد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المؤشرات ترجّح انتصاراً تلقائياً للجبهة الساندينية في انتخابات نيكاراغوا في تشرين الثاني المقبل، والتي تعتبر من القوى اليسارية الجذرية في القارة الأميركية.
وفي جانب آخر، فمن المتوقع أن تشهد قمة عدم الانحياز، تألقاً إضافياً لنجم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، كونه يمثّل بالنسبة لكثيرين أملاً جديداً، لاتينياً وعالمياً وحتى عربياً، بعد مواقفه الجريئة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، وزيارته إلى سورية. وقد تكون الصورة التي حملها الوفد البرلماني الفنزويلي إلى لبنان خلال فترة العدوان خير تعبير عن هذا الأمر، والتي أظهرت تشافيز حاملاً سيف سيمون بوليفار، محرّر القارة الأميركية، مع عبارة: حذار حذار حذار... سيف بوليفار يتجه نحو الشرق الأوسط!!.

معلومات إضافية

العدد رقم:
281