معركة أسرى الحرية في معتقل عوفر

عكست المواجهات التي دارت قبل بضعة أيام بين الأسرى المعتقلين في سجن عوفر العسكري غرب مدينة رام الله المحتلة، وحراس السجن، درجة ارتفاع منسوب القهر والظلم الذي يعاني منه حوالي 1200 معتقل، غالبيتهم من الموقوفين الاداريين. بالإضافة لوجود بعض القيادات الوطنية البارزة المعتقلة داخل أسوار السجن كـ«أحمد سعدات» الأمين العام للجبهة الشعبية، و«عزيز الدويك» رئيس المجلس التشريعي. شرارة الانفجار كانت بسبب المعاملة الفظة والوحشية التي نفذتها وحدات القمع التابعة لإدارة مصلحة السجون الصهيونية التي اقتحمت قبل ظهر السبت 20/12 قسمي 5 و6  وشرعت في عملية تفتيش واسعة، مصحوبة بأساليب استفزازية قاسية للمعتقلين، أدت إلى تصدي الأسرى لهم مما أدى لوقوع اشتباكات امتدت للعديد من الأقسام، شارك فيها مايقارب 400 معتقل، دافع خلالها المعتقلون عن أنفسهم بما توفر لديهم من أدوات بدائية، ليواجهوا الرصاص المطاطي وقنابل الغاز وخراطيم المياه، وأنواع أخرى من الأسلحة المخصصة للتعامل مع المعتقلين.  وهو ما تطلب استدعاء الوحدات المحترفة «متسادا» و«نخشون» المتخصصة بقمع انتفاضة المعتقلين، كما حصل قبل ثلاث سنوات في شهر (نوفمبر- تشرين الثاني) في هذا السجن الرهيب.

في المشهد العام لحالة القمع المباشرة داخل السجون «الصغيرة»- لأن الأرض الفلسطينية المحتلة تحولت مرتين على يد الغزاة إلى سجن كبير- يعاني أكثر من أحد عشر ألف أسير وأسيرة في حوالي عشرين سجناً ومركز توقيف أمني صهيوني، العديد من صنوف القهر والتعذيب والإهمال والموت البطيء نتيجة ظروف الاعتقال الرهيبة. مما يعني أن صاعق التفجير للهبات والمواجهات الواسعة مع الحراس والسجانين جاهز للإنفجار مع كل استفزاز مهين. لم يكن مفاجئاً للأسرى أسلوب التفتيش الاستفزازي المعهود يومياً، لأن هذا هو النظام المنهجي المتبع داخل كل المعتقلات، المترافق مع حملةٍ تحريضية مبرمجة، نجد تعبيراتها المباشرة في الحوار الصحفي الذي أجراه «بن كاسبت» الكاتب في صحيفة «معاريف» الصهيونية مع أحد الضباط القتلة في إدارة مصلحة السجون، ونشرته الصحيفة في السادس عشر من الشهر الحالي. يقول الضابط «قضّت مضاجعي رؤية هذه المخيمات الصيفية الجماعية»! التي لاتعدو كونها قبوراً جماعية على شكل زنازين وخيم تنتشر في صحراء النقب وداخل معسكرات الجيش، مشدداً خلال حديثه على وصف الأسرى والأسيرات «بأنهم قتلة سفلة لا يعربون عن الندم، يأكلون، يشربون، يتعلمون، يتمتعون ويقضون أوقاتهم في ظروف استثنائية، وأنا ببساطة أتميز غيظاً». في ظل هذه العقلية الاضطهادية/السادية تُدار معسكرات الاعتقال، وداخل كل خيمة وغرفة يمارس السجان وظيفته العنصرية الدموية على أكمل وجه.

إن المواجهات التي استمرت لعدة ساعات بين قوتين غير متكافئتين بالعدة والأسلحة، أدت إلى إصابة أكثر من ستين أسيراً بحالات من الاغماء والاختناق، والجروح الجسدية المتنوعة، وإلى تعرض ثلاثة من السجانين إلى إصابات متنوعة، في معركة تواصلت في اليوم التالي عبر إعلان الأسرى عن إضرابهم عن الطعام كاحتجاج على مصادرة بعض ممتلكاتهم الخاصة أثناء الأحداث. وإذا كان لهذه المعركة من نتائج سريعة فإن ماكشفت عنه يتحدد بشكل مباشر في ضرورة وضع ملف الأسرى في أجندة العمل الوطني الفلسطيني، خاصة وأن الممارسات الصهيونية التضليلية «الموسمية» على أعتاب بعض اللقاءات التفاوضية، تعمل على تنفيس الاحتقان المتصاعد في الشارع الفلسطيني تجاه الاحتلال، من خلال الايحاء الكاذب بوجود عملية «حقيقية» لإطلاق سراح الأسرى، غير أن الواقع اليومي يكشف زيف هذا الادعاء. فخلال اثني عشر شهراً انقضت على كرنفال «أنا بوليس» أفرجت حكومة العدو عن حوالي أربعمائة وخمسين معتقلاً، معظمهم من أصحاب الأحكام المخففة، والجزء الآخر منهم قاربت محكوميتهم على الانتهاء، في الفترة ذاتها التي اعتقلت فيها قوات الاحتلال وعناصر أجهزة الاستخبارات الصهيونية حوالي ألف مواطن.

إن الدماء النازفة من أجساد المناضلين، وآهات الآلام المنبعثة من نبضات القلوب المريضة داخل زنازين الموت الصهيونية، لم تستطع أن تنقل معركة الكرامة والتحدي التي خاضوها إلى المستوى المطلوب. الحالة الفلسطينية الداخلية انعكست على نبرة التصريحات «الرسمية»، وامتدت ظلالها على بيانات القوى السياسية، وحدها فقط الهيئات المدنية الأهلية المختصة بالأسرى وحقوق الإنسان رفعت صوتها وحاولت- حسب السقف السياسي الرسمي- أن تصوغ عبارات تنديدها بجملة المواقف «الباهتة» التي تعاملت مع الحدث. إن فضح السياسة الاجرامية والهمجية التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين، أصبحت مهمة ملحة، خاصة وأن حكومة العدو ترفض الالتزام بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة وكافة المواثيق والقوانين الدولية ذات الصلة، من أجل توفير الحماية للأسرى وصيانة حقوقهم. كما أنها أعادت قبل أيام مندوب هيئة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لأنه عبّر وفي أكثر من مناسبة عن السلوك النازي لحكومة الاحتلال. هذا السلوك الذي يجد التعبير عنه في تعرض أكثر من 653 ألف مواطن فلسطيني منذ عام 1967 وللآن (20% من اجمالي السكان المقيمين) للاعتقال، ومازال أحد عشر ألفاً منهم يخضعون لأبشع أنواع القهر والتعذيب في سجون ومعتقلات العدو، كما أن الحركة الأسيرة قدمت أكثر من مائتي شهيد، سقطوا نتيجة التعذيب أو القتل العمد بعد الاعتقال أو الاهمال الطبي المقصود، حتى أن الآلاف منهم حولتهم حكومة العدو لحقل تجارب للأدوية الخطيرة التي تنتجها مخابر «وزارة الصحة».

إن الحركة الوطنية الفلسطينية مطالبة بوضع قضية تحرير الأسرى في مقدمة مهماتها، وهذا يتطلب متابعة كل الجهود الرسمية والشعبية «دولياً وعربياً ومحلياً» لتشكيل عوامل ضغط على حكومة العدو لاطلاق سراحهم، كما يدفع بقوى المقاومة المسلحة لاستنباط الأشكال الجديدة والجدية الأكثر تأثيراً لتحقيق هذا الهدف. إن تكرار تجربة أسر جنود الاحتلال كما حصل مع «شاليط»، سيساعد في الإسراع في عملية تحرير أسرانا. والهتاف المشهور الذي يتردد صداه في كل مظاهرات ومهرجانات التضامن مع الأسرى (اخطف جندي وأطلق مية والوي ذراع الصهيونية) يحدد خطة العمل الملحة القادمة، خاصة وأن للمقاومة الفلسطينية واللبنانية سجلاً حافلاً بهذا الجانب.    

معلومات إضافية

العدد رقم:
385