ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

لن نخسر سوى الأغلال

منذ أيام قليلة صرح وزير التجارة والصناعة المصري بأن الفترة القادمة سوف تكون أشد صعوبة. وهو اعتراف صريح بأن أزمة الرأسمالية العالمية قد طالت مصر بشكل شامل وليس على مستوى قطاعات معينة فحسب. وفي التصريح نفسه قام بمناشدة التجار بيع ما لديهم من سلع حتى لا يندموا في المستقبل. لكنه أكد أنه لن يتدخل لفرض التسعير الجبري على الأسعار (وهو ما كان معمولاً به في الماضي). أي أنه يدرك حجم الكارثة، ولكنه يتمسك بالسياسات القائمة.

كتبت مراراً بأن التغيير الشامل يتطلب إحلال سلطة طبقية جديدة مختلفة نوعياً عن السلطة السياسية للطبقة الحاكمة بما سيعصم ويحمي البلاد من الخراب. وهي مسألة تشق طريقها للوعي الشعبي العام .
وبطبيعة الحال فإن التغيير الشامل المنشود لا يتضمن فقط تغيير شخص رئيس الجمهورية بآخر من الطبقة نفسها وبالتوجه السياسي والفكري نفسه، أو مجرد إحلال حكومة جديدة من النوع نفسه، وانما بتغيير نوعي واضح وشامل ومحدد المعالم. وهو ما ينبغي ترسيخه في الوعي الشعبي العام. ويستكمل بالتالي التخندق السياسي في اطار عملية الفرز الواسعة الجارية عبر صراع طبقي وفكري يزداد حدة، وتبذل فيه الطبقة الحاكمة بما تملكه من امكانيات مالية واعلامية هائلة جهوداً واسعة من أجل تثبيت الوضع القائم بمحاولات خائبة لتزييف الوعي العام، وإجهاض الحركة الشعبية المتنامية، إلى جانب استخدام العنف في قمع حركات الاحتجاج السلمي ، وهو الأسلوب الذي يسمى في مصر منذ حكم السادات بـ«الضربات الأمنية الإجهاضية».
بيد أن أسلوبي السلطة في المواجهة، سواء المواجهة العنيفة أم المواجهة الناعمة بتزييف الوعي، لايمكنهما الصمود طويلاً تحت وطأة الأزمة المتصاعدة
 
من أين يأتي الخطر حالياً؟
في المرحلة الخطيرة التي يمر بها الوطن، حيث القسم الأكبر من النخبة السياسية (باتجاهاتها الفكرية والسياسية المختلفة) قد قايضت وتكيفت مع الأوضاع الراهنة، بينما القسم الأقل عدداً وإمكانيات يعمل جاهداً على كسب ثقة الحركات الجماهيرية الواسعة للاحتجاج الاجتماعي التي فقدت– بحكم تجربتها– الثقة في الأحزاب والقوى السياسية (أي النخبة)، فإن خطراً يبرز حالياً يكمن في تبلور مجموعات وأفراد ذوي اتجاهات اصلاحية مناهضة بشكل غير مباشر للتغيير الجذري الكفيل بانقاذ الوطن من الانهيار. مرد الخطر إلى أن هؤلاء محسوبون على قوى التغيير. ويتعاظم خطرهم في كونهم يعملون بأساليب ملتوية وغير مباشرة لتمييع وتعطيل الفرز السياسي والطبقي تحت شعارات شديدة الزيف والخبث، تتمحور حول ضرورة توسيع كتلة قوى التغيير بحشد كل الطاقات، وعدم الانكفاء على الذات، ومد اليد للجميع. وفي سياق هذا المنطق يطالبون بادماج العديد من قوى التبعية خارج السلطة الحاكمة (ليبراليون جدد– المتمولون من الامبريالية والصهيونية– مطبعون مع العدو الصهيوني– قوى برجوازية تابعة) في إطار حركة التغيير.
يتناسى هؤلاء أموراً بالغة الأهمية تتمثل في أنه لاتغيير إطلاقا بالاعتماد فقط على النخب السياسية. كما يتناسون تماماً أن البرجوازية التابعة موجودة داخل السلطة الحاكمة وخارجها وينتفي أي اختلاف أو تناقض ملموس بينهما. وفي المقابل يتعمدون التجاهل الكامل للاتساع الهائل للقوى الشعبية الكادحة اكتفاءً بالتوجه إلى عدة آلاف أو ربما مئات بديلاً عن 70 مليون مصري.
ولا يغيب عنا الهدف الأساسي الخفي وراء تحركات قوى الإعاقة «الإصلاحية» التي ربما يؤثر التغيير الجذري على مصالحها الطبقية أو أجنداتها وارتباطاتها!!
في الحالة المصرية– وغيرها– هناك من يخلطون الأوراق عبر وضع مطلب التغيير بمفهوم (مطلق) أي دون تحديد، إذ في حين تطالب قوى التغيير الحقيقية بتغيير عميق منحاز لمصالح الكادحين (بسواعدهم وأدمغتهم) الذين يرزحون تحت وطأة الاستغلال، ويمثلون الغالبية الساحقة من المصريين، يتم رفع شعار التغيير من قوى تريد تثبيت الوضع الراهن مع إدخال قدر من الإصلاح والترشيد على أداء الرأسمالية دون المساس بمصالحها، ودون فك التبعية لرأس المال الامبريالي– الصهيوني. أي الاكتفاء بمجرد وضع مساحيق على الوجه القبيح للرأسمالية لتثبيت أوضاعها واستمرار هيمنتها وسلطتها.
لذلك فان جانباً هاماً من نضالنا لابد أن يتم توجيهه ضد هذه القوى الخطرة على مستقبل التغيير الشامل في مصر.

المرحلة المفصلية الراهنة
تمر الرأسمالية كنظام اقتصادي- اجتماعي- سياسي بأزمتها الأخيرة التي لاخروج منها. بالتالي  فان بلدانها القائدة (الامبريالية) تعمل بكل السبل، أي بالعنف الوحشي، وأيضا باستخدام (القوة الناعمة) بتزييف الوعي بواسطة الاعلام وبالسياسة والدبلوماسية وبقوة المال، وبهم مجتمعين حسب الضرورات، لتجنب مصيرها المحتوم. ولذلك توجه نشاطاً وجهداً عارماً للبلدان النامية.
وهنا تتوحد الأهداف الاستراتيجية (موضوعياً) لقوى الرأسمالية العالمية (الامبريالية والصهيونية)، مع قوى البرجوازية التابعة وسلطاتها السياسية مع قوى ترشيد أداء الرأسمالية (الإصلاحيون) في البلدان النامية. وتحظى مصر والعالم العربي والإسلامي بنصيب وافر من الجهد الصهيو- إمبريالي للحيلولة دون انهاء الرأسمالية المتوحشة.
منذ أوائل القرن العشرين تبلور ثم نما الصراع العالمي بين قوى الاستعمار والاستغلال والقهر الرأسمالي والرجعيات المحلية من جهة، وبين قوى التغيير الثوري لإرساء العدل الاجتماعي والتطور الانساني التحرري والتقدمي، وبناء نظام عالمي يقوم على العلاقات المتكافئة بين الأمم والشعوب خال من الاستغلال هو «الاشتراكية» من جهة أخرى.
تراجع الصراع في تسعينيات القرن الماضي دون أن ينطفئ. وهاهو عاد من جديد بضراوة أشد على مستوى عالمنا كله.
في إطار هذا الصراع تشغل مصر والمنطقة العربية والاقليم كله حيزاً شديد الأهمية. ويلقي عليها التاريخ مسؤوليات هائلة. لذلك تنقض علينا الامبريالية والصهيونية ومعهما قوى التبعية والعمالة من مختلف التلاوين بوحشية لامثيل لها، من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين (وفي قلبها غزة المحاصرة) إلى الصومال إلى السودان بالقوة الخشنة، وبالقوة الناعمة على كل بلداننا وشعوبنا، مع التلويح الدائم بالقوة الخشنة.
ربما لا أكون متجاوزاً للحقيقة حينما أقول إنه في خضم هذا الصراع التاريخي والمصيري فإن قضية التغيير بالمعنى الجذري الشامل في مصر تكتسب أهمية قصوى لمصر وللعرب وللإقليم، بل وللبلدان النامية جميعها. هذا هو منطق التاريخ والجغرافيا. ونحن في نهاية المطاف لن نخسر سوى الأغلال.

معلومات إضافية

العدد رقم:
385