الحقيقة عن خطر طالبان المزعوم

قاد جورج بوش الولايات المتحدة إلى حرب في العراق بحجة أن صدام حسين يمكن أن يقدم أسلحة الدمار الشامل التي لا وجود لها لديه إلى الإرهابيين. وها هو خليفة بوش الآن يطيل أمد الحرب في أفغانستان بحجة لا تقل ضعفا عن الأولى بشأن الخطر الذي تمثله طالبان والقاعدة.

يصر الرئيس باراك أوباما على نقطتين: 1) أن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان تتعلق بالتأكد من أن القاعدة لن تتمكن من مهاجمة أرض الوطن الأمريكي والمصالح الأمريكية وحلفائنا أو توجيه العنف ضد المواطنين الأمريكيين, والمنطق الذي تقوم عليه هذه المهمة هو أن طالبان إذا انتصرت في أفغانستان, فإن القاعدة ستتمكن من جديد من إقامة قواعدها هناك وتنفيذ أعمالها القذرة, حسب تعبير الرئيس الأمريكي. 2) أن أفغانستان ستصبح مرة أخرى قاعدة للإرهابيين الذين يريدون أن يقتلوا أكبر عدد من أبناء شعبنا. ويجري تكرار هذه الحجة على الدوام, لكنها نادراً ما تختبر, وبالنظر لحجم الكلفة والمجازفة التي تنطوي عليها خطط إدارة اوباما بشأن المنطقة, فإن الوقت قد حان لإخضاع مثل هذه التصريحات للتمحيص الذي تستحقه.
بالنظر لمحدودية اهتمام طالبان بأية قضية خارج المنطقة الأفغانية- الباكستانية, فإن من غير المتوقع, إذا ما عادوا إلى السلطة ثانية, أن يقوموا بإيواء جماعات إرهابية مستفزة يمكن لنشاطاتها أن تقود إلى تدخل خارجي آخر. وحتى إذا تمكنت القاعدة من إيجاد موقع لها في أفغانستان بعد انتصار طالبان هناك فإنها ستضطر إلى العمل تحت نفس ظروف المحاصرة التي تُفرض عليها الآن فيما يسميه اوباما ملاذها الآمن في باكستان.
والأكثر من ذلك أن الفكرة القائلة بأن القاعدة تحتاج إلى تأمين قاعدة جغرافية لها كي تنفذ منها عملياتها الإرهابية, هي فكرة مشكوك فيها. فالقاعدة العملياتية لهجمات أيلول كانت في هامبورغ بألمانيا. والمؤامرات التي تشترك فيها أعداد صغيرة من الأفراد تحتاج إلى اتصالات, وأموال, وتخطيط, لكنها لا تحتاج إلى قواعد محمية كبيرة.
تتكون القاعدة, في الوقت الحاضر, من بضع مئات من الأشخاص المتنقلين داخل باكستان طلباً لتفادي الرصد وتقديم المساعدة لطالبان حيثما أمكن ذلك. كما أن لديها شبكة غير محكمة من الأشخاص المتنقلين عبر العالم والمتواصلين فيما بينهم عبر الانترنت. وعلى مدى العقد الماضي, خسرت الجماعة رصيدها في العالم الإسلامي بشكل يكاد يكون كاملاً بسبب ما تبع هجمات أيلول من نتائج وبسبب أعمال إرهابية سيئة المردود وجه الكثير منها ضد مسلمين آخرين. ولم يتوفر أي دليل مقنع يُظهر أن تنظيم القاعدة في المركز قد نفذ أية عملية متكاملة منذ الحادي عشر من أيلول. أما خارج مناطق الحرب فإن العنف الذي مارسته الجماعات المتفرعة عن القاعدة أو المتشبهة بها أسفر عن مقتل حوالي 200 إلى 300 شخص في العام وربما يكون الرقم في تناقص. ورغم أن الرقم يشكل ظاهرة مأسوفاً عليها, فإنه لا يكاد يرقى إلى وصف اوباما الدرامي له بأنه يجعل سلامة الناس حول العالم في خطر.
يضاف إلى ذلك, أن القاعدة لم تؤسس بعد حضوراً يذكر في الولايات المتحدة (..) وإن عدم حدوث هجمات داخل الولايات المتحدة مع عدم قدرة مكتب التحقيق الفدرالي العثور على منفذ مشتبه به للهجوم يشير إلى واحد من أمرين: إما أن الإرهابيين لا يبذلون مجهوداً كبيراً في ذلك أو أنهم اقل ذكاء وإمكانية مما ينسب إليهم.
قال الرئيس أوباما إن هناك, أيضاً, عاملاً إنسانياً في المهمة الأفغانية، (..) لكن المشكلة, كما يدركها أوباما جيداً, تكمن في أن الأمريكيين أقل استعداداً للتضحية بالأرواح من أجل مهمات إنسانية في الأساس, (..) وسوف يأخذون بالتساؤل عن عدد الأرواح التي تتطلبها مثل هذه المهمة.
وقد ابتدأ هذا التساؤل بالفعل. كانت الحرب في أفغانستان قد حظيت بدعم شعبي أوسع من الحرب في العراق بسبب ارتباط الأولى بأحداث أيلول. لكن ذلك الدعم تدنى بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. فإذا كان تذرع اوباما بالأمن القومي كتبرير لحربه في أفغانستان سيبدو مزيفاً مثل تذرع بوش بالأمن القومي كتبرير لحربه في العراق, فإنه, كما حصل لبوش, لن يجد سوى الذريعة الإنسانية لكي يستند عليها, لكنها قصة ضعيفة لا تصلح للإسناد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
405