فيدل كاسترو: احتجاجات الشعوب.. ستغير العالم!

تتابع «قاسيون» نشر الجزء الثاني من اللقاء الذي انفردت في نشره، والذي أجرته محطة «الجزيرة» الفضائية مع الرئيس الكوبي فيدل كاسترو..

كوبا والنظام الديمقراطي

* كنت أود واقع الأمر، أن أشكرك على هذا الشرح التاريخي الوافي عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، لكن على الأقل هناك في أميركا انتخابات. فمثلاً شهدت أميركا على مدى أربعين عاماً من وجودك في السلطة توالي أكثر من 10 رؤساء على الحكم.. هل تعني الديمقراطية بالنسبة لك في تلك الحالة أن تكون رئيساَ مدى الحياة وأن تكون الزعيم الأوحد في كوبا.. أو بالأحرى لماذا اختصرت البلاد في شخصك؟ هذا هو السؤال.

** لقد أوردت بعض الأشياء وكأنها مؤكدة ومحسومة.. وهذا لا يعني أنني أقبل بما أوردته كمسلمات، بعضها نعم أقبل به، ويمكنني أن أفسرها لك إذا ما أعطيتني الوقت الكافي. نعم شهدت السنوات التي ذكرتها مجيء وذهاب نحو 10 رؤساء في الولايات المتحدة، ولكنهم لم يتمكنوا من هزيمة الثورة الكوبية، لماذا؟ لأننا نملك ثورة ديمقراطية، أما في الولايات المتحدة رأينا لتونا مثالاً على الديمقراطية.. هل تسمح لي بتوجيه سؤال لك؟ من فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة؟ وبأي عدد من الأصوات؟ أين الديمقراطية في ذلك البلد؟ وكيف تم الفوز في تلك الانتخابات؟ هل يمكنني أن أسألك هذا السؤال؟ قل لي أين هي الديمقراطية في ذلك البلد؟ هل ستكون ديمقراطياً وتعطيني إجابة على هذا السؤال من فضلك؟ من فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية وكيف تم تحقيق ذلك الفوز، وأياً كان الفائز كيف أمكنه أن يحقق ذلك الفوز؟!

* حسناً إذا كان هناك بعض المشاكل في الانتخابات الأميركية الأخيرة، لكن ـ على الأقل ـ هناك نوع من النظام الديمقراطي، زد على ذلك أن معظم دول العالم الآن تحاول تقليد النظام الديمقراطي الغربي، أما الشيء الآخر.. فقد قلتها أن كوبا أكثر تقدماً بكثير من بقية دول العالم هذا في الواقع الذي يرى آخرون أن بلدكم يعيش على هامش العالم في حالة حصار..

** لا.. ليس الأمر كذلك.. نحن لا نعيش على هامش العالم، بل نعيش في هامش عالم تحكمه الأكاذيب والنفاق تحت مسمى الديمقراطية، لقد قلت أن أموراً معينة قد حدثت.. وأنا لا أفهم كثيراً من الأمور التي حدثت في الولايات المتحدة في الانتخابات الأخيرة، وقد سرقت القوة.. قوة أعظم وأقوى دولة قد سرقت!! فالأميركيون السود لم يُسمح لهم بالوصول لمراكز الاقتراع ليدلوا بأصواتهم، وتم تبديل ترتيب أسماء المرشحين في أوراق الاقترع، وفي النهاية رفضوا عد الأصوات، لأن المحكمة العليا، وبأسلوب «ديمقراطي جداً»، رفضت ذلك لأنها تميل إلى أحد الحزبين المتنافسين، وقررت أن تكون النتيجة لصالح أحد الطرفين، وأنه لا يمكن عد الأصوات، ولهذا نجد أمامنا هذه الإدارة الجديدة التي لم تفز في الانتخابات، وتلك الانتخابات قد تمت سرقتها، لقد سألت عن كوبا.. ويمكنني إعطاء أجوبة عن كوبا.. حسناً قل لي ماذا تريد أن تعرف عن كوبا؟

* حسناً.. سيادة الرئيس إنك تبدو متفائلاً جداً حيال مستقبل كوبا، لكن إذا نظرنا إلى الوضع الاقتصادي في البلاد، فيرى الكثيرون أنكم تعيشون في ضائقة اقتصادية قاسية، وهناك من يجادل بأن ما جئتم من أجل القضاء عليه عام 1959م عاد للوجود الآن في البلاد، فأنتم عدتم لفتح أبواب البلاد أمام الاستثمارات، ناهيك عن أن لديكم نسبة عالية من الفقر خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. البعض يقول إن وضعكم الاقتصادي سييء للغاية وهذه النتيجة الطبيعية لنظامكم الاشتراكي.

** من قال هذا.. ولماذا؟ كل من قال ذلك قاله وهو يعلم أن بلداً قاوم أطول حصار في التاريخ فرضته أقوى دولة، وأن بلدنا تعرَّض للمضايقة، وفُرضت عليه العزلة وتعرض للهجوم، ومورس الإرهاب ضده، وقاوم الغزوات من قبل المرتزقة، وواجه حتى خطر التعرض لحرب نووية كما تعرض لحرب سياسية، واقتصادية، ونفسية، وإيديولوجية، وعلى الرغم من أن القوة الأخرى التي فعلت كل ذلك ضد كوبا هي الولايات المتحدة، لكن تلك القوة لم تتمكن من تركيع كوبا، وها هي كوبا مستمرة في الوجود، لماذا الذين يتحدثون عن كوبا هكذا لا يسألون أنفسهم كيف كان ذلك ممكناً.. ولماذا لا يدركون أن كوبا استطاعت المقاومة، وأن فيها أعلى نسبة مدرسين، وأعلى نسبة أطباء للفرد الواحد في العالم.. ولماذا لا يقولون إن كوبا هي البلد الذي فيه أعلى نسبة من معلمي ومدرسي التربية الرياضية في العالم، ولماذا لا يقولون إننا نحصل من الميداليات الذهبية أكثر من البلدان الأخرى في العالم بالرغم من الحصار.

* لاشك أن الإنجازات التي تحدثت عنها قبل قليل وتحققت في كوبا تبعث على الفخر والاعتزاز دون أدنى شك، لكن السؤال المطروح الآن: هل يمكن للاشتراكية أن تعيش ثانية؟ فنحن نعرف من (كارل ماركس) أن الاشتراكية لا يمكن أن تعيش في بلد بمفرده، فقد توقع (ماركس) في الماضي أن تنطلق الاشتراكية من بريطانيا مثلاً لتمتد إلى أوربا ومن ثم إلى بقية أنحاء العالم، أما الاشتراكية اليوم فهي محاصرة فقط في كوبا، فكيف لها إذن أن تستمر بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية، حتى الصين تهجر الاشتراكية شيئاً فشيئاً وتتجه نحو الاقتصاد المختلط نصفه اشتراكي والنصف الآخر على الطريقة الغربية مثلاً.

** إذا كنت تعتقد بأن كوبا هي الدولة الاشتراكية الوحيدة في الغرب، فإنك بذلك تمنحنا شرفاً عظيماً، لأن ذلك يعني أن كوبا هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تقاوم وتستمر بنظامها الخاص القائم عل القناعة بأن هذا النظام هو الأفضل لبلدنا، وبالطبع يعطينا امتلاكنا لهذا النظام الحد الأقصى من الاستقلالية؟ هل تعلم أي بلد آخر ـ عدا كوبا ـ يستطيع الجهر في العالم له حرية كوبا في قول الحقيقة في أي منتدى دولي، فيما يخص سياسات الولايات المتحدة هل هناك أي بلد؟!

صندوق النقد والبنك الدوليان وسيلة لنهب الشعوب

* ماذا تقول سيادة الرئيس لتلك البلدان التي جعلت من نفسها عبيداً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أنت لم تفعل ذلك بالتأكيد.

** صندوق النقد الدولي هو أداة بيد الاستعمار الجديد ووسيلة لنهب ثروات شعوبنا، وأنا أعرف بلداً لم يأخذ أوامره من البنك الدولي وهو ماليزيا.. وماليزيا هي البلد الوحيد في جنوب شرقي آسيا الذي أخفق اقتصاده في عام واحد فقط هو عام 97، ولكنه لم يشأ أن يرضخ لإملاءات الولايات المتحدة ولجأ إلى استخدام خفض معدلات تبادل العملة في حالة الأزمات، ولهذا يسمون ماليزيا بلداً متمرداً، ولكنه كان البلد الوحيد في جنوب شرقي آسيا الذي استطاع التغلب على الأزمة، والآن هناك مثل آخر هو كوبا. ففي أحلك وأصعب ظروف الأعوام العشرة الماضية وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي وفقداننا لكل أسواقنا في عام 94، كان معدل صرف عملتنا دولاراً مقابل 250 بيزو، ولكن بعد 5 سنوات تمت إعادة تقييم عملتنا 5 مرات واليوم أصبح دولاراً مقابل 120 بيزو كوبي، ولو كنا أعضاء في صندوق النقد الدولي لما تمكنا من عمل ذلك، وهناك امتياز تتمتع به الولايات المتحدة بعد إلغاء اتفاقات دولية انتهت الولايات المتحدة إلى امتلاك 80% من احتياطي الذهب في العالم.. في عام 71 جمّد (نيكسون) تحويل الذهب إلى عملة ورقية، مما دفعنا إلى اللجوء لما يشبه معجزة كيميائي العصور الوسطي الذي يحول الورق إلى ذهب، فحولنا الورق إلى ذهب، وأمريكا تملك العملة السائدة بسبب كل الامتيازات التي تملكها وتمرر سياساتها والأداة الرئيسية التي تستخدمها لتمرير تلك السياسات هي صندوق النقد الدولي.

* هذا شيء طيب ويقودنا للحديث عن العولمة التي يعتبرها البعض نوعاً من الأمركة. أود أن اسأل: هنا من المظاهرات العارمة التي خرجت ضد العولمة في (سياتل) بأميركا والبرازيل وكيبك وأوروبا، هل يمكن القول في هذه الحالة إن الطبقة العاملة خاصة في الغرب بدأت تستعيد زمام المبادرة؟ فهناك مثلاً من يعتبر أن الأول من أيار لم يعد عيداً للعمال بل أصبح يوماً للثورة والانتفاضة في وجه العولمة، كيف ـ في هذه الحالة ـ ترى الصراع بين الطبقة العاملة التي بدأت تتحرك ثانية ـ من جهة ـ والعولمة من جهة أخرى.

** لا عليك ـ إن كان السؤال طويلاً ـ الاحتفال بيوم العمال في الأول من أيار.. بدأ في الولايات المتحدة ـ كما تعلم ـ إثر إعدام عدد من قادة نقابات العمال وبشكل مناف للعدل، ولم تكن الولايات المتحدة التي نعرفها اليوم، كانت دولة في حالة توسع وفي حالة امتداد ونمو في قوتها. ولكنها لم تكن دولة إمبريالية كما هي اليوم.. وشهداء شيكاغو هؤلاء أصبحوا رمزاً للطبقة العاملة التي لعبت دوراً مهماً جداً في القرن الـ 19 والنصف الأول من القرن الـ20، ولا يزال بالإمكان أن تلعب دوراً اليوم، ولكن نحن نعيش في زمن مختلف وهو ليس زمن (كارل ماركس)، ماركس كان من النوع الذي يستطيع أن يتنبأ بوقوع أشياء في المستقبل، وفي أيامه بدت حدود الثروة وكأنها توضع من قبل الأنظمة الاجتماعية، وليس بالحدود التي تضعها الموارد الطبيعية، كارل ماركس اعتقد بالنظرية المثيرة للجدل والقائلة أن موارد الأرض لا تكفي وقد حدثت بعد ذلك أشياء كثيرة، وشهد النمو السكاني انفجارات ضخمة وأصبح تزايد السكان وتلوث البيئة ومحدودية الموارد الطبيعية كلها أصبحت مشكلات، إذ إن المشكلة ليست اجتماعية، بل تنبع من محدودية الموارد الطبيعية ومن القيود الثقافية أيضا.ً لماذا ماركس كان يؤمن إيماناً عظيماً بالعلوم والتكنولوجيا، وتصور أن المعجزات يمكن أن تحدث وفي هذا الجانب كان على حق، فلم يكن في زمنه هاتف أو مذياع أو تلفزيون أو إنترنت، أو هاتف جوال أو طائرات أو حاملات سفن أو تعاملات بثلاثة تريليون دولار سنوياً في أسواق المال الدولية، ومع ذلك استطاع ماركس التنبؤ بعدة مسائل أساسية، والآن نعرف أن القيود هي ثقافية وطبيعية، والمشكلة الآن هي أن البشرية قد تم تعليمها، كيف تصبح استهلاكية.. وبإمكاني أن أسأل خبيراً الآن.. ماذا يحدث في العالم لو قرر الصينيون اتباع النمط الاستهلاكي نفسه للولايات المتحدة وأوروبا. وماذا سيحدث لو أن الهند اتبعت هذا النمط أيضاً، ويملك الهنود عدد السيارات نفسه الموجود في الولايات المتحدة وأوربا وجنوب آسيا والدول النفطية في الخليج، حسناً إذا كان لمستويات الاستهلاك وأنماطها هذه أن تسود في العالم، كم من الزمن سيدوم فيه وجود النفط في قطر والبلدان الأخرى التي تزود العالم به، وإلى أي وقت سيستمر فيه وجود الأوكسجين، وكم من المزيد من التلوث يستطيع الغلاف الجوي تحمله، وكم من الوقت ستستمر فيه طبقة الأوزون، يجب تثقيف الناس وفق أنماط استهلاكية مختلفة، لأن أنماط الاستهلاك الحالية لا يمكن الاستمرار في المحافظة عليها، وستموت الحياة على الأرض، لأن الغلاف الجوي لن يستطيع تحمل التلوث ونقص الأوكسجين، وهذه هي إحدى المشاكل التي تعاني منها كوبا.

* حسناً أريد جواباً مختصراً: كيف تتوقع أن يكون مستقبل هذه التدهورات المناوئة للعولمة؟ هل يمكن أن تتحول إلى ثورة جديدة ضد العولمة والرأسمالية؟ باختصار لو تكرمت؟

الثورة مستمرة..

** نعم، لقد قلت إن الطبقة العاملة في حالة احتجاج، وتعاني من تناقص في أعدادها منذ أن حولت التكنولوجيا الحديثة العمل اليدوي إلى عمل فكري، وسيكون هناك عدد متزايد من أعمال الفكريين ومنتجات التكنولوجيا، وستكون البشرية أكثر وعياً بهذه المنتجات، وليس هناك خطر الأسلحة النووية فقط، بل هناك أيضاً خطر تلوث البيئة وظهور أمراض جديدة ومجاعات، والناس يدركون ذلك، والطبقة العاملة ماضية إلى الأمام في ثورة ولكن ليس العمال اليدويون فقط بل العمال الفنيون أيضاً، وعشرات الآلاف بل الملايين من البشر من ذوي الثقافة السياسية العالية والمثل القديمة التي وصفتها مثل:

 

الديمقراطية والحرية أصبحت شيئاً من الماضي، وبدأت تتزحزح لصالح قيم جديدة ومستوى وعي جديد. نعم هذه الاحتجاجات ستغير العالم، سأعطيك مثالاً لقد ذكرت إيران التي كانت تملك واحداً من أقوى الجيوش في العالم زمن الشاه، ومع ذلك تمت هزيمته من دون عنف، هزمته الأفكار والعواطف والمشاعر والقناعات، وفي أجزاء أخرى من العالم في إندونيسيا حدث الشيء نفسه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
153