مقابلة مع مسؤولين في المقاومة تحرير بغداد.. قريب!! لقد حضّر الأمريكان للحرب.. وحضّرنا نحن لما بعد الحرب!!

 فندق فلسطين، الثلاثاء، الساعة 3 بعد الظهر. بعد مضي أسبوع من طلب رسمي، وقد تضاءل الامل في اجراء حوار مع المقاومة. لقد حاولنا مرارا ووصلنا الى نهاية مسدودة. حتى تقدم من منضدتنا رجل لم نره من قبل ووجه حديثه الى صحفية عربية جاءت الى العراق عدة مرات.

«أمازلتم تريدون لقاء أعضاء من المقاومة؟»

كان حديثه مختصرا: «نلتقي صباح الغد في فندق بابل» قال ذلك واختفى.

■ اليكس دي لا غرانج

 في عشية ما يسمى نقل السيادة إلى الحكومة العراقية الجديدة في 30 حزيران كسر ضباط في الجيش العراقي السابق صمتهم لبعض الوقت وفسروا وجهة نظرهم من الأحداث وتحدثوا عن خططهم. وطبقا لهؤلاء فإن (المعركة الكبرى في العراق لم تحدث بعد).

«لقد حضر الأمريكان للحرب وحضرنا نحن لما بعد الحرب. ونقل السلطة في 30 يونيو لن يغير أي شيء من أهدافنا. ليس لهذه الحكومة الانتقالية الجديدة التي عينها الأمريكان أي شرعية في نظرنا. انهم مجرد دمى.»

لماذا انتظر هؤلاء الضباط السابقون طويلا قبل الخروج الى الضوء؟ «لأننا اليوم واثقون من النصر».

موعد في السر

فندق فلسطين، الثلاثاء، الساعة 3 بعد الظهر. بعد مضي أسبوع من طلب رسمي، وقد تضاءل الأمل في إجراء حوار مع المقاومة. لقد حاولنا مرارا ووصلنا إلى نهاية مسدودة. حتى تقدم من منضدتنا رجل لم نره من قبل ووجه حديثه إلى صحفية عربية جاءت إلى العراق عدة مرات. «أمازلتم تريدون لقاء أعضاء من المقاومة؟»

كان حديثه مختصرا: «نلتقي صباح الغد في فندق بابل» قال ذلك واختفى. وعكس كل توقعاتنا كان هذا الوسيط الأكثر مصداقية من كل الذين حاولنا معهم من قبل.

فندق بابل، الأربعاء، التاسعة صباحا. في مدخل مقهى الانترنيت المزدحم بالمرتزقة الأجانب، قال الرجل الذي التقيناه بالأمس: «غدا الساعة العاشرة، شارع السعدون أمام فندق فلسطين. تعالوا بدون السائق.»

وصلنا في الموعد والمكان المحدد يوم الخميس بسيارة أجرة. كان وسيطنا هناك. وبعد تبادل تحيات سريعة ركبنا سيارته وسألنا: «إلى أين نحن ذاهبون؟» لا جواب.

سارت بنا السيارة أكثر من ساعتين. في بغداد حتى بدون ان يزحم المرور نقاط تفتيش عسكرية، فإن ازدحام المرور أزلي. في سنة واحدة دخلت البلاد أكثر من 300000 سيارة تقريبا. ومعظمها بدون لوحة الرخصة وأكثر السائقين لايعرفون ماذا تعني كلمة (رخصة القيادة).

 قال الرجل: «أوشكنا على الوصول. هل تعرفون بغداد؟» والجواب بطبيعة الحال كان بالنفي.

فمن اجل التعرف على المدينة يجب على المرء ان يتجول على قدميه وبحرية. وبسبب كثرة الجرائم التي تنتشر مثل الوباء وموجة الخطف والهجمات الخمسين او الستين التي تحدث يوميا ضد قوات التحالف وردود الافعال العشوائية التي تصدر عن الجيش الامريكي، كل ذلك لايشجع أي تجوال.

تتوقف السيارة في زقاق، قرب (ميني باص) معتم الزجاج. ينفتح احد الأبواب. نجد في السيارة ثلاثة رجال وسائقهم وهو يتطلع بحذر في الشوارع والمنازل المحيطة.

وإذا لم نكن نعرف جيدا ما الذي يواجهنا فإن هؤلاء الرجال يعرفون جيدا مع من يتكلمون. قالوا: «قبل أي نقاش لانريد أي تشكيك من جانبكم في هوياتنا»

واخرجوا أوراقا من حقيبة بلاستيك متربة.. كما قدموا إلينا بطاقات تعريف بهم وهويات عسكرية وعدة صور تبينهم في الزي العسكري... أنهم جنرالان وكولونيل من الجيش العراقي الذي تم حله، وهم هاربون منذ عدة أشهر من ملاحقة مخابرات التحالف: «نريد أن نصحح بعض المعلومات التي تدور الآن في الإعلام الغربي. لهذا أخذنا مبادرة اللقاء بكم».

وقد استمرت مناقشاتنا اكثر من ثلاث ساعات.

عودة إلى سقوط بغداد :

 «كنا نعرف أن الولايات المتحدة إذا أرادت أن تهاجم العراق، فلن يكون لنا فرصة المواجهة أمام تفوقها التقني والعسكري. كانت الحرب خاسرة بالنسبة لنا حتى قبل ان تبدأ، ولهذا اعددنا لما بعد الحرب. بمعنى آخر اعددنا للمقاومة. وعلى عكس ما قيل على نطاق واسع، لم نهرب بعد ان دخلت القوات الامريكية بغداد في 5 نيسان 2003م. لقد حاربنا عدة ايام دفاعا عن العراق – وليس صدام حسين – ثم استلمنا اوامر بالتفرق». سقطت بغداد في 9 نيسان وبعدها اختفى صدام وجيشه.

لقد توقعنا مسبقا سقوط مواقع استراتيجية تحت سيطرة الامريكان وحلفائهم.

ومن ناحيتنا كان قد حان الوقت لتنفيذ خطتنا. كانت حركات المعارضة للاحتلال قد تم تشكيلها. ان استراتيجيتنا لم تخلق بعد سقوط النظام ويبدو ان الخطة (ب) والتي غابت عن اذهان الامريكيين تماما كانت مرتبة سابقا حسبما قال هؤلاء الضباط قبل اشهر ان لم يكن سنوات قبل 20 آذار 2003 وهو تاريخ البدء بعملية حرية العراق.

الهدف هو: «تحرير العراق وطرد قوات الاحتلال واستعادة السيادة وتشكيل حكومة ديمقراطية علمانية ولكن ليست مفروضة من قبل الامريكان. لقد كان العراق دائما بلدا تقدميا، وليس علينا ان ننظر الى الماضي بل نريد ان نتحرك الى الامام».

اننا شعب كفء. ورفض الثلاثة ان يعطونا اية اسماء او اية اعداد قائلين: «عندنا اعداد كافية. ان الشيء الذي لانفتقر اليه هو المتطوعون».

الفلوجة

كان العدوان الشنيع على الفلوجة من قبل القوات الامريكية في آذار هو نقطة التحول في المقاومة. كما ان تصرفات الجنود الامريكان خلال عمليات المداهمة (حسبما يقول شهود عديدون) والاذلال الجنسي للسجناء في ابو غريب في بغداد، كل ذلك ساهم في زيادة غضب العراقيين. «انفقدت الثقة ولا يمكن ارجاعها مرة اخرى. لقد وصلنا الى نقطة اللاعودة».

وهذه بالضبط وجهة نظر امرأة شيعية التقينا بها قبل يومين وكانت سابقا معارضة لنظام صدام حيث قالت: «اكبر خطأ ارتكبته قوات الاحتلال هو الازدراء بتقاليدنا وثقافتنا.

انهم لم يكتفوا بقصف البنى التحتية لبلادنا ولكنهم ايضا حاولوا تدمير نظامنا الاجتماعي وكبرياءنا وهذا مالم نسمح لهم به. ان الجراح عميقة والشفاء يتطلب وقتا. ونحن الان نفضل ان نعيش في ظل استبداد واحد من جلدتنا على ان نعيش في ظل اذلال احتلال اجنبي».

وطبقا لضباط صدام: «بعد اكثر من سنة من بداية الحرب، مازال انعدام الامن والفوضى يعمان البلاد. وبسبب عجزهم عن ادارة الاوضاع والحفاظ على وعودهم، فقد خلق الامريكان مشاعر العداء لدى السكان بشكل عام.

ان المقاومة لاتقتصر على بضعة الاف من الناشطين فخمسة وسبعون بالمائة من السكان يؤيدوننا ويساعدوننا بشكل مباشر وغير مباشر ويتطوعون بالمعلومات ويخبئون افرادنا واسلحتنا. وكل ذلك رغم ان الكثير من المدنيين يسقطون وسط العمليات ضد الاحتلال او المتعاونين معه».

من يقصدون بالمتعاونين ؟

«كل عراقي او اجنبي يعمل مع الاحتلال هو هدف. الوزراء والمرتزقة والمترجمون ورجال الاعمال والطباخون والخدم. لايهم درجة التعاون. ان توقيع عقد مع المحتل هو توقيع شهادة وفاتك. عراقي او غير عراقي.. هؤلاء خونة. لاتنسوا اننا في حالة حرب».

وقد ادت وسائل المقاومة لاقناع الشعب بعدم التعاون الى تقلص قائمة المرشحين في الوظائف والمناصب الرئيسية التي يعرضها الاحتلال، رغم ان هذه البلاد قد تعرضت الى عقوبات مدمرة على مدى 13 عاما وحربين حيث كانت البطالة مشكلة كبيرة.

ان الفوضى القائمة ليست مما يثبط عزيمة الناس على استئناف اعمالهم السابقة ولكن اذا كان الامريكان قد سلموا بعدم امكان سيطرتهم على الاوضاع واضطروا الى اعادة بعض البعثيين السابقين (الشرطة والمخابرات والجيش ومسؤولي وزارة النفط).

فهذا لاينطبق على الجميع. فإن اغلبية ضحايا قرار بول بريمر في 16 آيار 2003م باجتثاث بعث العراق مازالوا في الظل.

الشبكة

المقاومة الان تحتضن كل الحركات التي تناضل ضد الاحتلال بدون تمييز عرقي او سياسي او طائفي.

وخلافا للاعتقاد السائد في الغرب فليس هناك حرب طائفية في العراق. لدينا جبهة موحدة ضد العدو. من الفلوجة الى الرمادي وتشمل النجف وكربلاء والضواحي الشيعية في بغداد. ان المقاومين يتحدثون بصوت واحد. اما بالنسبة للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر فهو مثلنا يؤيد وحدة الشعب العراقي بكل اجناسه ومذاهبه. ونحن نؤيده من منظور تكتيكي ولوجستي.

وكل منطقة عراقية لها مقاوموها وكل جماعة مقاومة حرة في اختيار اهدافها وطريقة عملها. ولكن بمرور الوقت تزداد هذه الاعمال تنسيقا. ويصر الرجال الثلاثة على انه ليس هناك منافسة بين المنظمات المختلفة فيما عدا مجالاً واحداً وهو من يقتل اكبر عدد من الامريكان.

اختيار الاسلحة

«يتم التخطيط للهجمات بعناية. يجب الا تستمر اكثر من 20 دقيقة ونعمل بشكل افضل ليلا او في الفجر لتفادي خطر التعرض للمدنيين».

واجابوا قبل ان نطرح السؤال: «كلا ليس لدينا اسلحة دمار شامل. ولكن في الجانب الاخر عندنا اكثر من 50 مليون سلاح تقليدي». بمبادرة من صدام، تم اخفاء ترسانة حقيقية في كافة انحاء العراق قبل البدء في الحرب. ليس اسلحة ثقيلة او مدافع او دبابات او مروحيات ولكن كاتيوشا وهاون والغام مضادة للدبابات ومنصات اطلاق صواريخ محمولة ومنصات روسية الصنع وصواريخ وكلاشينكوف واحتياطي لكل انواع الذخيرة. ولكن اكفأ سلاح يظل الكاميكاز (الاستشهاديون). وحدة خاصة تتألف من 90% عراقيين و10% اجانب واكثر من 5000 رجل وامرأة مدربين جيدا ولايحتاجون سوى امر شفهي لقيادة مركبة محملة بالمتفجرات.

 وماذا اذا نضب احتياطي الاسلحة ؟

• «ليس لدينا قلق، يمكننا ان نصنع اسلحتنا».

هذا كل ماكانوا يريدون ان يكشفوه لنا.

الاقرار بالمسؤولية

«نعم.. لقد اعدمنا المرتزقة الامريكان الاربعة في الفلوجة في مارس الماضي. ولكن من جهة اخرى فإن الجنود الامريكان انتظروا اربع ساعات قبل ان يستردوا الجثث. في حين انهم كانوا يفعلون ذلك في ظرف 20 دقيقة. وقبل يومين كان الامريكان قد اعتقلوا امرأة شابة حديثة الزواج. وكان ذلك بالنسبة لاهالي الفلوجة القشة التي قصمت ظهر البعير فعبروا عن غضبهم العميق ضد الجثث الاربعة. لقد فعل الامريكان ماهو اسوأ مع السجناء العراقيين الاحياء».

الهجوم الاستشهادي الذي ادى إلى مقتل عقيلة الهاشمي وهي دبلوماسية وعضو مجلس الحكم في 22 ايلول 2003 كان من تدبير المقاومة وكذلك القنبلة التي قتلت رئيس الحكم المحلي العراقي عزالدين سليم في 17 مارس هذا العام في مدخل المنطقة الخضراء (التي يسميها العراقيون المنطقة الحمراء لكثرة هجمات المقاومة عليها).

كما اقروا بمسؤولية خطف الاجانب. «اننا نعرف ان خطف الاجانب قد يشوه صورتنا ولكن حاولوا فهم الوضع. اننا مضطرون الى السيطرة على هوية الناس الذين يتجولون في مناطقنا. اذا توفر لدينا دليل على انهم يعملون مع منظمات انسانية او صحفيون نطلق سراحهم. اذا كانوا جواسيس او مرتزقة او متعاونين نعدمهم. في هذه المسألة دعونا نكون واضحين. اننا لسنا مسؤولين عن موت نيك بيرغ الامريكي الذي ذبح».

وقالوا عن الهجوم على مقر الامم المتحدة في بغداد في 20 اب 2003 «لم نصدر ابدا امرا بمهاجمة الامم المتحدة ونحمل الكثير من التقدير للبرازيلي سيرجيو دي ميلو (ممثل الامم المتحدة الخاص الذي قتل في الهجوم). ولكن ليس من المستحيل ان يكون منفذو الهجوم من فصيل آخر من فصائل المقاومة. فكما اوضحنا اننا لا نسيطر على الجميع. ويجب الا ننسى ان الامم المتحدة مسؤولة عن 13 سنة من العقوبات التي قاسينا منها».

 وماذا عن هجوم 27/10/2004 م ضد مقر الصليب الاحمر في بغداد؟

• «لاعلاقة لهذا بنا. لقد كنا دائما نحترم هذه المنظمة والناس الذين يعملون بها. ماهي مصلحتنا في الهجوم على المؤسسات القليلة التي ظلت تساعد الشعب العراقي سنوات طويلة؟ نعرف ان بعض الفصائل في الفلوجة أقرت بمسؤولية هذا الهجوم ولكننا نؤكد لكم انهم ليسوا جزءا من المقاومة. ونضيف انه لاسباب سياسية واقتصادية هناك الكثير ممن لهم مصلحة في تشويهنا».

بعد 30 حزيران

 «في نظر العراقيين ان القرار 1546 في 8 حزيران ليس الا شبكة اخرى من الاكاذيب.. اولا لأنه ينهي رسميا الاحتلال بالقوات الاجنبية في حين انه يصادق على وجود قوة متعددة الجنسيات بقيادة امريكية بدون تحديد موعد جلائهم.

ثانيا تم رفض حق العراقيين لمنع العمليات العسكرية المهمة الذي طالبت به فرنسا وروسيا والصين. لقد اذعنت امريكا الى نوع مبهم من الشراكة مع السلطات العراقية ولم تذكر أي شيء في حالة عدم الموافقة. العراقيون ليسوا اغبياء، ان الابقاء على القوات الامريكية في العراق بعد 30 حزيران واموال المساعدة التي سيحصلون عليها من الكونغرس الامريكي لاتترك مجالا للشك عمن سيقود البلاد حقا بعد ذلك التاريخ»

 ماذا عن الدور المحتمل للناتو؟

• «اذا تدخل الناتو فلن يكون ذلك لمساعدة شعبنا ولكن لمساعدة الامريكان للخروج من هذه الورطة. اذا كانوا يسعون الى رفاهيتنا لتحركوا قبل ذلك». قال الضباط الثلاثة ذلك وهم ينظرون الى ساعاتهم فقد تجاوزنا الوقت المسموح.

 «ان ما لا تستطيع القوات الاميركية ان تفعله اليوم لن تستطيع قوات الناتو ان تفعله بعد ذلك. يجب ان يعرف الجميع. سينظر الشعب الى القوات الغربية باعتبارها محتلة. ان هذا شيء يجب على جورج بوش وحليفه الامين توني بلير ان يفكرا به. اذا كانا قد كسبا معركة فهما لم يكسبا الحرب بعد. المعركة الكبيرة لم تبدأ بعد. وتحرير بغداد ليس ببعيد».

■ اسيا تايمز 24/6/2004

اقرأ نص المقابلة باللغة الانجليزية

 

على موقع (نفق العراق)

معلومات إضافية

العدد رقم:
228