هزة جديدة تزعزع الولايات المتحدة الأميركية سقوط الشركات العملاقة حلقة جديدة في مسلسل الانهيار

مالكو الشركة وأعضاء مجلس إدارتها مارسوا تجارة العقود المستقبلية  والمضاربة في الأسواق المالية
البيت الأبيض يخشى أن تطاله فضيحة الإفلاس.. ورئيس مجلس إدارة الشركة »كين لاين« كان من أكبر المؤيدين للرئيس جورج بوش في حملته الانتخابية خلال العامين 1988، 1992
ومع توسع  الشركة وازدياد عدد فروعها دخلت مجالات جديدة كأعمال الألياف الضوئية، الصحافة المكتوبة، وأخيراً الاتجار بالسلع غالية الثمن.

أسواق المضاربة .. تبتلع الأرباح

جشع مالكي الشركة وأعضاء مجلس إدارتها تجاوز التوقعات، إذ لم يتورع أعضاء مجلس الإدارة عن الدخول في أكثر الأعمال خطورة  طمعاً في الحصول على المزيد من الأرباح، أي  تجارة العقود المستقبلية والعمليات المالية المعقدة في السوق المالية التي تقوم على المضاربة، والتي لا يمكن التكهن بحجم مخاطرها. بدأت الشركة تخسر الكثير من سيولتها، وكانت الحلول المقترحة مزالق جديدة إذ حاولت الشركة القيام  بصفقات أخرى لتعوض الخسائر التي منيت بها، وجاءت النتائج عكس الأمنيات، فتوالت الخسائر من تلك الصفقات التي كانت بمثابة أعمال المقامرة. وقد حاولت الشركة إخفاء تلك الخسائر من دفاترها لتحافظ على سمعتها المالية ووضعها المالي في السوق . إلا أن هذا الوضع لم  يستمر طويلاً ، مما جعلها تفقد تدريجياً سيطرتها على الوضع. وهكذا سجلت الشركة خسائر تقدر ببلايين الدولارات. فقد خسرت ما يعادل ملياري دولار في أعمال الاتصالات، كما خسرت  ملياري  دولار في أعمال استثمارات المياه، وكانت خسارتها في شركة الكهرباء مليار دولار أمريكي. 

انرون برسم البيع!
ولكي تحافظ الشركة على وضعها في السوق أخذت تقدم رهونات بموجودات الشركة دون الإفصاح عنها في السجلات المحاسبية. والنتيجة بنية مالية غير شفافة، ووضع مالي غير سليم. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة تغيرات غامضة في حسابات الشركة، وعندما فتح تحقيق في ذلك اعترفت الشركة بأنها ضخمت أرباحها بين عامي 1997-2001 بما يعادل 600 مليون دولار أمريكي.
لاحظ المتعاملون في قطاع الطاقة المشاكل التي تعاني منها انرون ولا سيما بعد أن أوقفت عملياتها التجارية على الإنترنت مما أغرى إحدى شركات الطاقة الصغرى «شركة داينجي» بتقديم عرض لشراء شركة انرون وذلك بمبلغ 8.4 مليار دولار. إلا أن تلك الشركة  مالبثت أن قامت بسحب عرضها بعد أن قررت ثلاث وكالات متخصصة في تقييم الشركات بتحويل سندات انرون إلى سندات ساقطة لعدم قدرة الشركة على سداد ديونها، إذوصلت مديونية انرون إلى 23 مليار دولار أمريكي. مما أدى إلى انهيار أسهم شركة انرون في سوق نيويورك المالي من 90 دولار إلى ما يعادل 0.61 دولار للسهم الواحد، مما يعني أن أسهم الشركة فقدت قيمتها فقداناً كاملاً.

سقوط أقنعة الأسطورة
إن إعلان إفلاس كبرى شركات الطاقة في العالم بتاريخ 2/12/2001 اعتبر أكبر انهيار تمنى به شركة تجارية في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد حازت شركة انرون على العديد من الجوائز، واحتلت المرتبة السابعة في قائمة أكبر 500 شركة في العالم. كانت الهزة كبيرة في قطاع الأعمال …حيث كشف الانهيار عن خسائر بمليارات الدولارات الأمريكية بعد أن كانت الشركة قد أعلنت في العام الماضي أرباحاً وصلت إلى مليار دولار. وهنا يأتي السؤال: كيف استطاعت الشركة إخفاء كل هذه الخسائر لتظهر بوضع مالي سليم في السوق المالية وأمام جمهور المتعاملين؟ وبالتالي ما مدى صحة نظرية الشفافية والإفصاح عن المعلومات التي يقوم عليها السوق المالية، والتي تعكس (كما يعتقدون) أسعار أسهم الشركات المدرجة في تلك السوق؟ وما هو دور هيئة تداول الأوراق المالية في تدقيق البيانات المالية التي تعرض للجمهور؟ وإلى أي مدى يمكن الثقة بعمليات السوق المالية؟؟

ورطة البيت الأبيض
كشفت الحقائق مؤخراً -وبعد انهيار الشركة- أن رئيس مجلس إدارة الشركة «كين لاين» كان من أكبر المؤيدين للرئيس جورج بوش في حملته الانتخابية في خلال العامين 1988، 1992، إذ نظم له المؤتمر الجمهوري في هيوستن. كما أن «لورنس ليندزي» أكبر الخبراء في شركة انرون كان المستشار الاقتصادي للرئيس جورج بوش. هذا وقد عمل «روبرت زوليك» ممثل التجارة الأمريكية في المجلس الاستشاري لشركة انرون. وقد ساعدت زوجة «فيل غرام» الرئيس السابق للجنة المصارف، والتي تعتبر عضواً في مجلس إدارة الشركة على تمرير بعض القوانين لمصلحة شركة انرون والقائمين عليها.
هذا وقد أعلن رئيس شركة انرون العملاقة لإنتاج الطاقة استقالته من منصبه بعد أن تولى إدارة الشركة منذ إنشائها، ويعتبر رئيس الشركة «كين لاين» أحد أبرز من قدموا الدعم المالي لجورج بوش الابن أثناء حملته الانتخابية للفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية عام 2000. وقد كشفت التحليلات أن رئيس مجلس إدارة الشركة «كين لي» قد كون ثروة تعادل 205 مليون دولار كأرباح نتجت عن عمليات المضاربة في الأسواق المالية وذلك في خلال أربعة أعوام. كما جمع بقية أعضاء مجلس الإدارة ما يعادل ذلك من أرباح. وهكذا كانت أعمال المضاربة التي قام بها أصحاب الشركة السبب الرئيسي في انهيار الشركة.
وقد لوحظ أن عدداً من كبار المسؤولين في الشركة قد باعوا أسهمهم فيها قبل إعلان إفلاسها. وقد تراجع وزير العدل عن متابعة التحقيق في أسباب انهيار الشركة (دون الإعلان عن سبب التراجع هذا) بعد أن كانت وزارة العدل قد أعلنت أنها بدأت التحقيق في إفلاس شركة انرون التي تربطها بإدارة الرئيس جورج بوش علاقات وثيقة، حيث كانت الشركة من أكبر مؤيدي بوش في حملته الانتخابية من أجل شغل منصب حاكم ولاية تكساس. ولهذا فهناك خوف كبير من أن تمتد فضيحة الإفلاس لتطال البيت الأبيض.

لنحفظ ماء الوجه!
حذرت وزارة العدل البيت الأبيض من إجراء أية محاولة لإخفاء أو إتلاف أي وثائق لها علاقة بشركة انرون المنهارة. وقد أكدت بعض المصادر الصحفية أن الرئيس بوش كان قد تلقى من انرون أكثر من 600000 دولار أمريكي مساهمة منها  في حملته الانتخابية، كما أن هناك علاقة وثيقة بين رئيس شركة انرون وأعضاء في حكومة الرئيس بوش. ويحاول الرئيس بوش أن يبعد إدارته عن الجدل ولا سيما بعد أن تعرض نائبه «ديك تشيني» إلى انتقادات بسبب علاقته بالشركة المنهارة، فقد كشف التحقيق عن عقد العديد من الاجتماعات بين نائب الرئيس الأمريكي وإدارة شركة انرون، وقد رفض «ديك تشيني» بشدة الكشف عن وثائق تلك الاجتماعات. كما رفض العديد من رؤوساء انرون الإدلاء بالشهادة ومن بينهم رئيس القسم المالي «اندرو فاستو» الذي ربح 30 مليون دولار أمريكي من إدارة شؤون آلاف الشركاء.

المقامرة على قوت الموظفين
إن التواطؤ الكبير بين رجال السياسة والسلطة وأعضاء مجلس إدارة الشركة لإخفاء الأوضاع الحقيقية للشركة من أجل مصالحهم الخاصة قد ضرب  بعرض الحائط ما سيتكبده الموظفون وصغار المتعاملين مع الشركة من خسائر نتيجة المتاجرة بأموالهم في استثمارات غير منتجة تقوم على أعمال المضاربة بهدف تحقيق الربح السريع. ومما يزيد الأمر سوءاً هو أن أعضاء مجلس إدارة انرون سمحوا باستعمال أموال صندوق تقاعد الموظفين في شراء أسهم الشركة ذاتها. حيث استثمرت ما يزيد على 60% من مدخرات صندوق التقاعد في شراء أسهمها رغم أن معدل الاستثمار المسموح به عالمياً هو 2% فقط. ومع انهيار الشركة انخفض سعر السهم الواحد من 100 دولار إلى 0.61 دولار وهذا يعني أن الموظفين  خسروا مدخراتهم التقاعدية إضافة إلى تسريح آلاف الموظفين وخسارتهم لمليارات الدولارات التي استثمروها في أسهم هذه الشركة، حيث فقد 20 ألف موظف عملهم في الشركة المعلنة.
هذا وقد رفع مئات العاملين في شركة انرون للطاقة قضية جماعية ضد إدارة الشركة مطالبين بتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم نتيجة فقد وظائفهم وأموالهم بعد أن قامت الشركة باستثمار أموال صناديق التقاعد في شراء أسهمها بالرغم من معرفة كبار الموظفين والإداريين في الشركة بالوضع الحقيقي لهذه الشركة والمحنة التي تمر بها بدليل أن كبار المسؤولين في الشركة قاموا ببيع أسهمهم في الشركة قبل إعلان إفلاسها.

«نظرية المؤامرة»  تطال «آرثر أندرسون»..

وقد أثير جدل كبير حول شركة «آرثر آندرسون» التي تعتبر من أكبر شركات التدقيق المحاسبي في الولايات المتحدة، والتي أشرفت على تدقيق حسابات الشركة المنهارة وكانت تفصح دائماً عن وضع مالي سليم لتلك الشركة العملاقة، وتظهر أرباحاً خيالية في دفاترها، كما غضت النظر كثيراً عن الإجراءات المحاسبية غير السليمة التي اتبعتها شركة انرون. وقد كشف انهيار الشركة النقاب عن الخسائر الكبيرة التي تم إخفاؤها من السجلات المحاسبية مقابل الأتعاب التي قبضتها من أنرون عن عام 2000 وذلك بما يعادل 52 مليون دولار، مما أدى إلى فقدان الثقة بشركات التدقيق المحاسبي في أمريكا.
إن المحققين في أسباب انهيار الشركة يعتقدون أن إداريي انرون ومراجع حساباتها «آرثر أندرسون» أتلفوا وثائق هامة قبل انهيار الشركة. هذا وقد رفض «ديفيد دانكان» كبير مدققي حسابات الشركة الإدلاء بشهادته بعد أن ثبت أنه أتلف وثائق هامة تابعة لشركة انرون. وقال موظفون سابقون أن الأمر وصل بالشركة إلى حد تحويل بعض الوثائق الهامة إلى مواد لتغليف أمتعة آلاف الموظفين اللذين جرى تسريحهم من العمل بعد إفلاس الشركة انرون.
فماذا وراء انهيار انرون؟؟…    * *

معلومات إضافية

العدد رقم:
169