»كلية الأمريكيتين« لتخريج الجواسيس والخونة والمجرمين وفرق الموت

تعتبر «كلية الأمريكيتين» التي تأسست في ولاية جورجيا الأمريكية عام 1946 مدرسة عليا خرجت أكثر من 60 ألف من كبار العسكريين والأمنيين ورجال الاستخبارات في القارة الأمريكية، حيث أصبحوا رؤساء عملاء ببلدانهم في أمريكا الوسطى والجنوبية وقادة جيوش، اتسمت عهودهم وممارساتهم بالبطش والقمع والدموية. وهذا كله يناقض ما يدّعيه حكام الدولة الإمبريالية الأولى في العالم من مفاهيم محاربة الإرهاب السائد حالياً. وفيمايلي عرض لتاريخ هذه الكلية الأسود وإبرز خريجيها الذين كان لهم دور إجرامي في أوطانهم لصالح اليانكي .

 إن بلاد العم سام التي أصيبت يوم 11 أيلول الماضي في كرامتها وهيبتها تعلن تصميمها على محاربة الإرهاب والقضاء عليه قضاءً تاماً، إن استطاعت، وقد فاتها أنها أول من تبنى مثل هذا الإرهاب ووفر له تربة خصبة داخل الولايات المتحدة وخارجها. ولعل أبرزها ما يسمى بـ «كلية الأمريكيتين» أو «معهد الإرهاب» الذي احتضنته الدولة التي تدعي زوراً وبهتاناً أنها زعيمة الحرية والديمقراطية عقوداً طويلة، وتخرج منه القتلة ومحترفو التعذيب و«نجوم» الديكتاتورية في أمريكا اللاتينية.

فقد قدم من أنحاء أمريكا اللاتينية على مدى السنوات الخمسين الماضية آلاف الجنود والضباط والعملاء لتلقي «التدريب الاحترافي»على مقاعد الكلية في ولاية جورجيا وتطبيق ما تعلموه، وزادوا عليه، للتنكيل بمواطنيهم، لسواد عيون أسيادهم في أبشع الحروب الأهلية دموية التي شهدتها بلادهم وراح ضحيتها الألوف من المواطنين الشرفاء.
ويقول الرائد المتقاعد في الجيش الأمريكي جوزيف بلير عام 1989، وكان عضواً في الهيئة التدريسية في هذا المعهد،إن الإدراة الأمريكية كانت مقتنعة بأنها تؤدي واجبها بتدريب الضباط والجنود من أمريكا اللاتينية وتلقيهم أهم «مبادئ الديمقراطية الأمريكية» وترسخت قناعتها تلك فلم تكتف بغض الطرف عن التاريخ الإجرامي لكل الذين تناوبوا على إلقاء المحاضرات في الكلية، بل كانت تؤمن لهم إقامة مريحة في ارض الأحلام، ويصف بلير كيف كان الجنود يصلون إلى الكلية بانتظام حاملين حقائب محشوة بآلاف الدولارات لشراء السيارات الفخمة والمقتنيات الثمينة قبل شحنها إلى بلادهم، وكان شائعاً في جميع الأوساط أن كلية الأمريكيتين، هي المكان الأفضل الذي يتيح لضباط أمريكا اللاتينية فرصة تبييض أموالهم من تجارة المخدرات. وكانت الحادثة التي ايقظت ضمير بلير هي المجزرة التي ارتكبها الجيش السلفادوري وراح ضحيتها ستة كهنة يسوعيين ومدبرة منزلهم وابنتها المراهقة، وبينت التحقيقات التي أجرتها لجنة من الكونغرس الأمريكي أن مرتكبي الجريمة هم جنود تخرجوا من الكلية سيئة الذكر، وأن أحد الضباط الذين خططوا لها كان الكولونيل فرانشيسكو إيلينا فوينتيس، رئيس كتيبة إعدام سلفادورية، وأحد أبرز الأساتذة الفخريين في الكلية المذكورة.وكان هذالحادث كافياً ليخرج بلير عن صمته بعد فترة وجيزة من تقاعده، وينضم إلى مجموعة المعارضين الذين دأبوا على تنظيم التظاهرات والحملات الإعلامية لإغلاق الكلية. وطالب المتظاهرون برفع السرية عن لوائح بأسماء المتخرجين منها من أمثال بينوشيت قاتل الليندي في تشيلي، وأناستازيو سوموزا في نيكاراغوا وليوبولدو ناريتري في الأرجنتين وفكتور غراماجو ومانويل أنتونيو كاليجاس في غواتيمالا.وهيوغو بانزارسواريز في بوليفيا. وقائد كتيبة الإعدام السيلفادورية روبرتو دوبوسيون، وآلاف الجنود والضباط والعملاء الذين جاؤوا من مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية.
وقد اضطرت الإدارة الأمريكية إثر ارتفاع أصوات الاحتجاج على نهجها الإجرامي إلى إغلاق هذه «الكلية» لكنها بعد شهر واحد افتتحت معهد تدريب عسكري آخر في المبنى ذاته تحت تسمية مختلفة مع الحفاظ على الهيئة التدريسية السابقة ومناهج تدريسها وتدريبها.

أبرز الناشطين الأب بورجوا
ومن أبرز الناشطين لإغلاق «كلية الأمريكيتين» الأب الكاثوليكي روي بورجوا الذي أمضى عشر سنوات في مساعدة الفقراء في دول أمريكا اللاتينية ورأى بأم عينه وحشية ما ارتكبته الجيوش بحق المدنيين وخصوصاً في الحروب الأهلية. وقد أصيب بصدمة نفسية حادة عام 1980 إثر قيام جنود في الجيش السلفادوري باغتصاب أربع راهبات وقتلهن، واغتيال رئيس الأساقفة في السيلفادور أوسكار روميرو أثناء تقديمه الذبيحة الإلهية، وبعدما علم أن الذين ارتكبوا الجرائم كانوا قد تخرجوا من «كلية الأمريكيتين» قرر بورجوا الشروع في حملته وبعد إطلاق سراحه من السجن انطلق في الولايات المتحدة كلها متحدثاً أمام الحشود عن الخراب الذي يلحقه الجيش في السلفادور، كما قام بإضراب عن الطعام أمام القاعدة الأمريكية، وتوجه إلى جميع المواطنين الأمريكيين طالباً منهم أن يحذوا حذوه في السعي لإغلاق عدد من المؤسسات الأمريكية التي ارتبطت أسماؤها بالموت والرعب وتشكل نقطة سوداء في تاريخ بلاد العم سام. وقد لقي الأب بورجوا الدعم من بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين ومن أسماء هوليودية. وخلال التظاهرات كانت قوات الأمن لا تتوانى عن توقيف المشاركين من طلاب ونساء وأطفال وزجهم في السجون كما حدث للراهبتين الشقيقتين المسنتين مما أثار موجة استياء عارمة لدى الرأي العام الأمريكي. وتساءل بلير عن الرسالة التي تتوخاها «الديمقراطية الأمريكية» حاملة لواء «الدفاع عن حقوق الإنسان» من سجن أطفال وراهبات طاعنات في السن في حين تدأب على تكريم القتلة والمجرمين. وطالب بأن يحاكم المسؤولون أمام محاكم جرائم الحرب.

أما بلير الذي صحا ضميره فقد استند في حملته إلى تقارير حكومية أزيلت عنها السرية، وإلى مواد تعليمية فاضحة شكلت محور مناهج تدريب ضباط أمريكا اللاتينية بين عامي 1982 و1991 واشتملت هذه المواد على ما يعرف بتسمية «كتيبات التعذيب» وأحد هذه الكتيبات مكتوب باللغة الإسبانية، يحمل عنوان: «مانيحو دوموينتي» ويتضمن معلومات عن كيفية توقيف واحتجاز ذوي العملاء في الاستخبارات المضادة وحثهم على الاعتراف تحت الضرب والتعذيب وسحق مقاومتهم بواسطة الحرارة والهواء والضوء، ويلفت بلير النظر إلى أن القسم الأعظم من المواد التعليمية في «كلية الأمريكيتين» استند إلى خبرة الاستخبارات الأمريكية المضادة في الحرب الفيتنامية حيث يتضمن عرض أفلام صورها جنود أمريكيون في فيتنام ويروي أحد الجنود الغواتماليون كيف تملكه وزملاءه الرعب لدى مشاهدتهم أفلاماً عن جلسات تعذيب الجنود الفيتناميين، ومن المشاهد «التعليمية» التي انطبعت في ذاكرته وتركت في نفسه أثراً رهيباً لقطة تصور جندياً فييتنامياً يصرخ من الألم بعدما علق المحققون في خصيتيه كيساً مملوءاً بالحجارة، كما يتحدث العارفون بخفايا كواليس الكلية عن اختطاف الفقراء المشردين في شوارع بنما واستخدامهم حقول تجارب لتعليم الطلاب أفضل الوسائل المعتمدة في التعذيب من خلال تحديد أكثر الأعصاب حساسية في جسم الإنسان وكيفية الإبقاء على المحتجزين أحياء أثناء عمليات التعذيب.
وكان القس خوان جيراردي قد أعد تقريراً تضمن شهادات حية أدلى بها سكان من دول أمريكا اللاتينية وجاء فيه إن الجيش الغواتيمالي على سبيل المثال كان مسؤولاً عن مقتل 150 ألف شخص واختفاء 50 ألفاً خلال الحرب الأهلية وكان مقرراً أن يكون هذا التقرير المادة الأساس في دعوى اعتزم رفعها لمقاضاة الجيش الغواتيمالي قبل أن يتم اغتياله على يد ضابط تخرج من «الكلية الأمريكية»؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
166