غونتر غراس يقول: الرأسمالية ليست نهاية التاريخ وتتجه نحو تدمير نفسها

يعتبر الشاعر والكاتب الألماني غونتر غراس، حامل جائزة نوبل في الآداب عام 1999 واحداً من الأحرار والناطقين باسم الضمير الإنساني العالمي الرافض لجوانب الظلم والاستغلال والاستعلاء في العالم اليوم.

 إن هذا الكاتب الذي أسهم، من خلال بيان المثقفين الألمان في عودة الاشتراكيين الديمقراطيين إلى الحكم في ألمانيا بعد عام 1998، هو نفسه الذي غادر هذا الحزب بعد أن رآه ينحرف نحو الأقوياء في الداخل، ونحو الارتباط بعجلة السياسة الأمريكية في الخارج، ليبدأ تحركاً واسعاً في ألمانيا، مناهضاً للعولمة ولسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على مقدرات البشرية، وداعياً إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي عادل لا يستغل فيه الشمال الغني الجنوب الفقير، ويذكّر الغرب بأخطائه السابقة والحالية.
أما الشكل الذي اختاره غراس لتحركه فهو فريد من نوعه، إذ أنه يقيم في كل مدينة ألمانية كبرى أمسية يلقي فيها أشعاره ضد العولمة ومظالم الرأسمالية بمصاحبة أوركسترا سيمفونية مؤلفة من قطع موسيقية من مختلف أجزاء العالم تعبيراً عن وحدة الضمير الإنساني في مواجهة الشرور الحالية والقادمة، كما أن هذه الأوركسترا تستخدم آلات موسيقية من مختلف عصور التاريخ الموسيقي تعبيراً عن وحدة الزمان الإنساني في الصراع بين الخير والشر. بينما تقوم مطربة أوبرالية بغناء أشعاره بعد انتهائه من إلقائها.
وفي اللقاءات في كل من مدن «هانوفر» و «ماينز» و «دريسدن» كانت مقاعد المسرح التي أقيمت فيها هذه الأمسيات تمتلئ بالكامل. بينما يتوافد مراسلو الصحف ومحطات التلفزة الألمانية والعالمية لنقل صوته إلى أنحاء العالم في سلسلة من الأحاديث والبرامج، جعلت غراس طرفاً في نقاش حامي الوطيس مع أطراف أخرى مثل «أوتوشيلي» وزير الداخلية و «باول شبيجل» رئيس المجلس المركزي اليهودي في ألمانيا.
وقد أجرى مراسل «الأهرام» المصرية حواراً مع غونتر غراس، ابتدأه بالحديث عن الحرب التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد ما يسمى «بالإرهاب» والتي عارضها غراس بقوله:
هذه الحرب تهم العالم أجمع، وستؤثر على الجميع والغرب واقع في خطأ كبير. وأضاف: صحيح يجب مكافحة الإرهاب بكل الطرق والوسائل، باستثناء الحرب، لأنها ستخلق جيلاً جديداً من الإرهابيين. وفي النهاية لن يتخلص العالم من الجنون الإرهابي، ولن تكون سوى خطأ جديد ضد العالم الثالث.
وقال: «إن البدائل كثيرة. فالعالم بحاجة إلى مفاهيم جديدة للأمن والسلم الدوليين كما يحتاج إلى نظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث. وإن الأمن لن يتحقق إلا بوقف التسلح أو الحد منه، كذلك يتحقق بالعدل، بتغيير قواعد التبادل التجاري الدولي وتوزيع الثروات، لكي يستطيع العالم الثالث أن يتفاوض على قدم المساواة والقوة مع الدول الصناعية.

هل النظام الرأسمالي أبدي؟
ولما قيل له إن مطالبتك بذلك لم تعد واقعية بعد انتصار الرأسمالية على الاشتراكية، وبعد أن أصبحت الرأسمالية الأمريكية هي المثل الأعلى، أو لنقل، نهاية التاريخ، كما يحلو للكثيرين أن يقولوا أجاب:
العكس هو الصحيح. فالوضع في العالم ازداد سوءاً، وهاهي ذي العولمة زاحفة بمخاطرها الداهمة على بلدان العالم الثالث، على وجه الخصوص، وحسب رأيه: لو أن الأوروبيين والأمريكيين استخدموا الأموال المخصصة لهذه الحرب التي لا معنى لها ضد الإرهاب، دون فساد وديكتاتورية وحروب محلية لقضي على الإرهاب تماماً، أو لقضي على الجزء الأكبر من مسبباته وجذوره العميقة، على أن تعالج بقية الأسباب بالتسويات العادلة للنزاعات السياسية والإقليمية.

الرأسمالية تسير نحو تدمير نفسها
وقد استغرب الكاتب غراس أن يكال المديح بلا حدود للنظام الرأسمالي وقال: أنا لا أوافق على القول بأن النظام الرأسمالي هو النظام الوحيد الصحيح الذي يجب على البشرية كلها أن تتبعه. إنني على العكس أرى أن الرأسمالية تتجه نحو تدمير نفسها. انظر إلى مايحدث في البورصات العالمية، وعمليات الاندماج بين الشركات العملاقة وما يترتب على ذلك من بطالة تتفاقم يوماً بعد يوم في كل مكان بالعالم وتساءل: هل لنظام كهذا النظام مستقبل؟ أو على الأقل هل هذا هو النظام المثالي؟

وأضاف: نستطيع كمثقفين أن نسهم بدور فعال من خلال حملة مستمرة لإثارة مثل هذه القضايا أمام الرأي العام والسياسيين. وهذا ما أقوم به في ألمانيا حيث أعيش.
وعن النظرة الإزدواجية في الغرب للإرهاب، بين رد الفعل الغربي على أحداث 11 أيلول وبين ردة فعله على المذابح التي جرت في رواندا الإفريقية التي يتحمل الغرب مسؤوليتها والتحريض عليها من جهة أخرى. قال:
إن من أسباب معارضته لمشاركة بلاده في الحرب الأمريكية الحالية ضد الإرهاب، هي في النظرة الانتقائية إلى الضحايا من بني البشر. وأضاف: إن من لوازم الحضارة الغربية هي النظر إلى الموت بين شعوب العالم الثالث بطريقة مهينة لكرامة هؤلاء الناس، والدليل على ذلك هو حجم الغضب والاشمئزاز من مقتل 800 ألف رواندي في مذابح لها يد فيها مصالح غربية، لا يقارن إطلاقاً بحجم الغضب والاشمئزاز الذي أصاب العالم كله بالحمى لمقتل 6000 أمريكي في نيويورك وواشنطن. وتابع: إذا أردتم دليلاً أخر فإني كرجل يعيش في الغرب لا أستطيع أن أمنع نفسي كرجل ذي ضمير، بعد برهة من التفكير في العراقيين الذين يموتون بالجملة بسبب الحصار ولا أحد يتذكرهم.
وفيما يتعلق بإسرائيل والشرق الأوسط قال: إن ما أطالب به الآن علناً وفي كل مناسبة هو انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك المستوطنات، على أن يرتبط ذلك بضمان عربي إسلامي لبقاء إسرائيل في أمن وسلام، وبعد ذلك يمكن إرسال قوات دولية بموافقة الطرفين.
وحول اتهام «باول شبيجل» رئيس المجلس المركزي اليهودي في ألمانيا له بأنه يضع حق إسرائيل في الوجود موضع التساؤل قال:
«.. اشعر بأن من واجبي أن أرفع صوتي بالنقد للسياسة الإسرائيلية، وأن أصف ما هو إجرامي بأنه إجرامي، وأنا من الذين يقولون: إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي أي شارون يتصرف بطريقة إجرامية، وإن زيارته للمسجد الأقصى كانت استفزازاً متعمداً يستحق الإدانة».

معلومات إضافية

العدد رقم:
165