زمن القهر العربي..
-1 كم سيطول زمان قهرك ياأخي العربي المعاصر وأنت تحملق عبركل الشاشات ولاترى إلا الهزائم العربية،
هزيمة جديدة تتلو هزيمة سابقة وتقدم لهزيمة لاحقة من نكبة فلسطين 1948وحتى نكبة الانفصال 1961 وحتى نكبة حزيران 1967 وما تلاها من نكبات عديدة كنكبة كامب دافيد وأختها المسماة نكبة وادي عربة اللتين تم فيهما إخراج دولتين عربيتين من دول الطوق من خندق المواجهة مع العدو إلى فك الحصار الجغرافي والاقتصادي عنه، لابل لدعمه بالمجال الحيوي اللازم له ومده بالبترول والغاز والأسواق المفتوحة وحرية السياحة التجسسية، وحرية نقل الأمراض الجنسية القاتلة لأوساطها، وكل ذلك تحت لافتة السلام الذي نراه يبتعد أكثر فأكثر بسبب تشدد التعنت الإسرائيلي المقوّى بالدعم الأمريكي والانفتاح العربي ..الخ
-2 أيها العربي المقهور كم سيطول ويتعاظم قهرك وأنت تنظر إلى العدو يقلع يوميا أعيننا عشرات المرات باقتلاع أشجار البرتقال والتين والزيتون والعنب، ويقلع البيوت من أساساتها العميقة، وبالتالي قلع السكان الأصليين من جذورهم لرميهم في العراء أمام حراب الجنود وتحت رحمة الحر والقر ونظرات الشفقة وحسرات الضعفاء والمظلومين المتفرجين عليهم عبر الشاشات، ورؤية سمائهم تمطر عليهم ليس منا وسلوى ورحمة وحنانا وعدالة كما يرجى، ولكن قنابل وصواريخ ونابالم
-3ويزداد قهرك ياأخي العربي عندما تعرف أن كل الدبابات المعادية الزاحفة والطائرا ت المحلقة فوق الأراضي العربية تتمون بوقود عربي رخيص الثمن، وإن سور إسرائيل العازل يبنى بأيد عربية فقيرة تبحث عن ثمن الخبز، وبإسمنت عربي سوّقته شركات عربية جشعة، وإن قلنسوات المتعصبين الصهاينة حاكتها أيدي نسوة عربيات فقيرات ليبعنها بدافع الحاجة الماسة جدا …الخ
-4 وتتراكم النكبات في الوطن العربي عليك ياأخي العربي المتتبع لما يجري على أرض الوطن العربي من موريتانيا غربا حيث التعامل العلني مع العدو رغم بعده عنه، وحتى العراق الذبيح شرقا بيد الأعداء والأبناء معا، مرورا بمغرب الصحراء وجزائر المتأسلمين، وصومال الفوضى ،وسودان التمزق والضياع، ويمن الجنوب والشمال والحوثيين، والتفجيرات في أراضي الحرمين الشريفين، وتمركز أساطيل العم سام وأذنابه في قلب كل الخليج العربي و..و..و..الخ.
-5 ويتراكم القهر العربي ياأخي العربي عندما ترى الأرواح العربية تزهق بالمجان وفي كل مكان في حين تدفع المليارات من قبل بعض ذوي القرار العربي عن يد وهم صاغرون إلى دول ضحايا هناك وهنالك اتهمت العرب في نكباتهم فيدفع لها فقط لأخذ شهادة حسن سلوك والسماح بالبقاء على كراسي الذل النخرة لسنوات أطول.
-6ويصبح الجرح أكثر عمقا ودائرة القهر أكثر اتساعا عندما تتمعن ياأخي العربي بالكوارث الطروادية في العراق الذبيح الذي ذبح عدة مرات من أيام الحجاج إلى استلام طاغوت العصر وحربه البسوسية ذات الثماني سنوات مع إيران، ثم مع هيئة الأمم المتحدة على أرض الكويت، بالإضافة إلى حربه مع شعبه حيث قطع الآذان وجدع الأنوف والقبور الجماعية لتملأ وادي الرافدين، وأخيرا خلق التبرير للعدو الأمريكي اللدود للقدوم تحت وهج دخان البارود الملون المختلط مع ضباب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ليهدم ويسرق ويدمر كل ماورّثه حمورابي ونبوخذ نصر وخلفاؤهما، وليعصر التراب العراقي ويشفط كل مافيه من خيرات ويصبها في حوضه المتسع الذي لاقعر له.
-7 ويزداد الألم ويعتصر القلب أكثر عندما ترى ياأخي العربي نزيف الدم العربي بأيدي العرب والأعداء معا في العراق وفلسطين واليمن والجزائر وقبلا كان في لبنان .. الخ ليشكل النزيف العربي شلالات من الدماء الشابة تسفح بالمجان نتيجة السياسات الرعناء الطائشة واللاعقلانية والإدارات العقيمة والعقول السقيمة المتربعة على كراسي سلطوية نخرة مدعمة بعظام الفقراء والأبرياء من أبناء البلاد ليجلس عليها الكثيرون ممن لايستحقونها، محاطون بالمفسدين من المنافقين والمنتفعين مما جعل الفساد يتغلغل حتى النخاع، مبررا كل فاسد لفساده بالخوف من المستقبل ونشدان الخلاص الفردي لنفسه بدون أن يدري أنه بفساده ذلك يقطع الغصن الذي يقف عليه الجميع المتمثل بعمران بلده الذي لامأوى له بغيره في هذا العصر.
-8 ويطّلع ياأخي العربي من يعرف القراءة من العرب ويرغب بها على ماتكتبه عن العرب الصحف العدوة وكذلك الصديقة، وعلى ماورد في تقريري التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002و2003 وعلى مايرد في غيرها.. الخ عن الوضع العربي المتردي من الفقر والقهر وضيق الصدر وجور الحكام واضطهاد المرأة العربية وغياب مايسمى بحقوق الإنسان والأمية المفزعة والبطالة المرعبة والمديونية المرهقة.. الخ.. الخ رغم الإمكانيات العربية اللامحدودة المهدورة وسيئة الاستغلال، في عصر تعلم فيه الآخرون وأبدعوا واخترعوا وطوّروا وتطوروا وشبعوا وترفهوا وغزوا الفضاء وصعدوا إلى القمر والمريخ وعطارد… الخ، مما يجعل العربي ياأخي العربي يخاف من الاستمرار في القراءة فيهرع إلى أقرب مقهى أو مطعم يقدمون له فيه الشيشة أو النرجيلة بكل أنواعها المسلطنة ليسطل نفسه بها ويغيب عن وعي الحقيقة المرة جدا جدا.
-9 ويزداد قهرك ياأخي العربي عندما تسمع وسائل الإعلام الغربية المتصهينة، وتركيزها المكرر على مايسمى بالإرهاب العربي والإرهابيين العرب كالجانجويد، والمتأسلمين الجزائريين، والطالبان، والمتشددين من خوارج العصر.. الخ واعتبارهم نماذج عربية عامة لكل العرب، والتهويش عليهم لدرجة انتشار عبارات صهيونية مثل (إدفع دولارا تقتل عربيا، العربي الجيد هو العربي الميت، وإن الرب ندم لأنه خلق العرب، وتأليف الأغاني في أمريكابعنوان kill an arab …الخ) وإن إسم العربي المعاصر في بعض الدول الأجنبية أصبح مقرونا بصفة إرهابي أو متشدد أو مهرب أو مهاجر غير نظامي فيفتش وتنبش أغراضه في المطارات العالمية بكل لاإحترام وتؤخذ بصماته ويوضع في قائمة المتهمين رغم كونه قد يكون طبيبا أو عالما أو باحثا ..الخ بدون الإشارة إلى طيبة الإنسان العربي المقهور والمظلوم المكتوي بنيران الاستعمار القديم والجديد وظلم ذوي قراره ومستغليه، وأيضا معاناته وتألمه من المتشدد ين والإرهابيين والمتعصبين المتخلفين في كل زمان ومكان، في حين تتجاهل تلك الوسائل كل ماقامت وتقوم به إسرائيل من أعمال الإبادة للشعب الفلسطيني جهارا نهارا متحدية لكل القرارات الدولية والإدانات العالمية.
-10 ومن كل ماتقدم يهرب المواطن العربي ياأخي العربي إلى الشاشة الصغيرة عله يجد في زواياها بعض الراحة والتنفس بهدوء، إلا أنه ولسوء حظه لايسمع ولايرى غير الأخبار النكدة المسموعة والمصورة منها، حيث الاعتقالات للعرب بتهمة الإرهاب في كل مكان في العالم من اعتقالات غوانتانامو الأمريكية، والمعتقلات الإسرائيلية، وحتى الاعتقالات على الأراضي اليعربية، وجعل السجون العربية تغص بما فيها من الجثث المتنفسة، … الخ، ويالتنقل عبر الفضائيات بحثا عن إبداع أو اختراع أو نصر عربي حتى ولو بألعاب الكرة ولكنه لايرى إبداعا يتجاوز أفلام الخمسينات، ولا نصرا يتجاوز الانفجار الديمغرافي المخيف، ويهرب أخيرا إلى ماتسمى بقنوات الشباب فيصطدم بقطعان السوبر ستار والستار أكاديمي الضائعة في وادي التيه الكليبي والرقص الجنسي شبه المتعري والخلاعي، وأغاني اللامبالاة والتسطح والهبوط،لدرجةالانحطاط لإيقاظ الغرائز البهيمية التي يسميها البعض مشاعر الحب والغرام.
-11 وبعكس كل شعوب الأرض الذين ينشدون الخلاص الجماعي، نرى العربي وحده ياأخي العربي ينشد الخلاص الفردي الذي يشبه خلاص بقرة النو النافرة من جسم القطيع تبغي الخلاص من زحمته، ولكن لتتعاورها أنياب السباع والضباع والذئاب والكلاب المتوحشة، ولو مُنِحت تلك الأبقار العقل والحكمة ونظمت نفسها واستدارت كلها معا لتواجه الوحوش المطاردة لها وشكلت حلقة موجهة قرونها الحادة نحو الوحوش الكاسرة المطاردة لها والمتربصة بها لما جرأت تلك الوحوش على مجابهتها ولما استطاعت الانفراد بكل منها على حدة.
-12ولو تأمل العرب تلك المشاهد ياأخي العربي، ورأوا ووعوا إن ضعف الضعفاء يكمن في تفرقهم وأنانيتهم الفردية وإن قوة الأقوياء تكمن في وحدتهم وتضامنهم وحسن تنظيمهم وتنسيقهم ابتداء من معسكرات النمل وخلايا النحل وقطعان الذئاب وحتى تكتل وتوحد الأقوياء والأغنياء من الأذكياء، لتعلموا منهم واستفادوا من تجاربهم، ولوحدوا 22 دولة ودويلة في دولة عربية عظمى واحدة، وإن لم يتم ذلك سياسيا فليتم اقتصاديا أو تجاريا على الأقل.
■ أ. د. اسماعيل شعبان
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 227