جيل بونافي جيل بونافي

إيران وباكستان وبلوشستان

يستند مجتمعنا، مجتمع المشهد، إلى دعامةٍ أساسية: وسائل الإعلام. وتبرهن الشبكة العنكبوتية يوماً إثر يومٍ على أنّ ما يدعى بالمعلومات التي نتلقاها ليست لها أدنى علاقةٍ مع الواقع. لقد أتى الوقت للانكباب على حالةٍ معينة، هي حالة إيران.
سبق لي أن أكّدتُ مؤخراً أنّ الحرب ستندلع قريباً ومن المناسب هنا إجراء تحليلٍ دقيق (ومدعم بالمصادر) لكلّ ما يتّصل بنشوب تلك الحرب العالمية الثالثة.

ترجمة قاسيون

بدايةً، فلتعلموا أنّ الحقيقة أشبه بالدمى الروسية. وبالفعل، فوراء كل «سرٍّ» يختفي غالباً سرٌّ آخر، أكثر أهميةً بكثيرٍ من سابقه. هكذا، ينبغي أن يتم فهم مشكلة إيران وفق محورين، المحور الذي يتراءى لنا: مشكلة النفط، لكن كذلك المشكلة الأكثر سرّيةً، والتي تتمثل في النظام العالمي الجديد.
كبدايةٍ، من المناسب تحديد أنّ إيران تمتلك  بالمائة من الاحتياطيات النفطية العالمية المثبتة (المرتبة الثالثة عالمياً) وكذلك  بالمائة من احتياطيات الغاز العالمية (المرتبة الثانية عالمياً). من أجل إحاطةٍ أفضل بهذه المشكلة، أنصحكم برؤية شريط الفيديو المعنون: «التفكير في أحداث الحادي عشر من أيلول» على موقعي الشخصي. هذا الشريط محاضرة لدانييل غانسر، وهو مؤرّخٌ (ذائع الصيت) متخصص في مسائل الإرهاب والنفط.

سواءٌ أكانت إيران ديمقراطيةً أم لم تكن كذلك، فهي محكومةٌ بأن تخضع لنير الإمبراطورية الأمريكية. وإذا أردتم أن تفهموا على نحوٍ أفضل السياسة الأمريكية في العالم، أنصحكم أيضاً بمشاهدة تسجيل الفيديو الممتاز لعمر أكتوف (على موقعي الشخصي أيضاً). من أجل مشاهدة المشكلة، من المناسب النظر إلى الخرائط. وقد قمت بنشر خريطة صحيفة القوى المسلحة الأمريكية في حزيران  على الشبكة العنكبوتية، وهذه الخريطة لم تخرج من مخيلة ألمعي (مع أنّ...)، بل هي بالفعل حقيقةٌ أنوي أن أبرهن عليها هنا.
قبل كل شيء، من المناسب أن نتفحص جيداً هذه الخريطة (على موقعي: إيران، الساعة حانت! أدناه) وسوف تلاحظون أنّ العراق ينقسم إلى ثلاث مناطق متمايزة:

- إقليم كردستان المستقل
- العراق السني
- العراق الشيعي

الأكثر إثارةً للأهمية يخصّ هذا الجزء الأخير، الذي يحتل كما يمكنكم أن تلاحظوا الجزء الغربي من إيران الحالية. والحال أنّه يكفي للفهم أن ننظر إلى موقع احتياطيات إيران النفطية (خريطة إيران: النفط والغاز، أدناه) ومعظمها يقع في هذه المنطقة. تكاد خريطة العراق الشيعي تتطابق بصورةٍ لا تصدق مع خريطة مكامن النفط والغاز الإيرانية. وإذا ما بترت من إيران ثرواتها الطبيعية، تهبط رغبتها في القوة إلى العدم. باختصار، تتم سرقتها وتدميرها في الآن ذاته!
لكن هنالك سرٌّ آخر وستفهمون بالمناسبة نفسها ما نفعله في أفغانستان. هنالك بالفعل مشروع أنبوبٍ لنقل الغاز (النفط) يدعى تاب TAP ويربط تركمانستان بباكستان مروراً بأفغانستان ويهدف لنقل نفط وغاز بحر قزوين إلى المحيط الهندي. كما يوجد مشروعٌ لمد أنبوب نقل الغاز (النفط) بين إيران وباكستان مروراً بغوادار. بإمكانكم العثور على برهانٍ على ذلك (خريطة) على موقع الجمعية القومية (المصدر: http://www.debats-parlementaires.fr//rap-dian/dian-.asp) أو أدناه: مشروع تاب وبلوشتسان. ولأولئك الذي لا يزالون يعتقدون بأنّ كلامي مجرد هراء، إليكم تحديثاً بسيطاً.
والحال أنّ هذا المشروع، كما يمكنكم أن تشاهدوا، يمرّ عبر باكستان، وهي منطقةٌ بالغة الاضطراب ستصبح قريباً منطقةً متفجرة بالكامل. هنا أيضاً، تساعدنا خريطة صحيفة القوات المسلحة للعام . وبالفعل، نلاحظ استحداث دولةٍ جديدة: بلوشتسان الحرة. وكما لو «بمحض الصدفة»، تتم اعتداءاتٌ عديدة في هذه المقاطعة (في مقاطعة ستسان بلوشستان الإيرانية، إذا توخينا مزيداً من الدقة).

بدأت هذه الاعتداءات التي يتسبب بها جند الله (مجموعة مسلحة من البلوش السنة) منذ خمس سنواتٍ مع اغتيال ضابط في الحرس الثوري، ولاسيما محاولة اغتيال محمود أحمدي نجاد في  كانون الأول . في  شباط ، هاجموا حافلةً للحرس الثوري، ما أدى إلى سقوط  قتيلاً، وتبع ذلك هجومٌ انتحاري على أركان الجيش في زرفان في كانون الأول . أصبح الهجوم على المساجد الشيعية تخصص جند الله، كالهجوم على زهدان في  أيار . (المصدر: لوبوان، جند الله، سنة يقاتلون طهران منذ العام ...)

وقد تمت كتابة مقالة جدية على هذا المستوى تستطيعون مراجعتها على الرابط التالي: http://contreinfo.info/article.php■id_article=

لديكم أيضاً المقالة الممتازة التي كتبها جان ميشيل فرنوشيه، الاختصاصي في العلاقات الدولية الذي يقدم معلوماتٍ حقيقية (وهذا أمرٌ شديد الندرة!)، وتحمل عنوان: «الاعتداء في سيستان بلوشستان... عملٌ حربيٌ حاسم...» تجدونه على الموقع التالي: http://www.geostrategie.com/

وبالفعل، فالبلوش مسلمون سنة لديهم مشاعر متفاقمة ضد الفرس وضد الشيعة يعيشها ثلاثة أرباع سكان المقاطعة. إذن، عقيدة سون تسو (فن الحرب) مطبقة حرفياً ويتم الانقسام دائماً وفق محورين: المحور الديني والمحور العرقي. وقد درست وكالة ستراتفور، وهي مركز أبحاث أمريكي (مؤسسة خاصة) متخصص في الدراسات الإستراتيجية، المشكلة دراسةً جيدة، وكذلك فعلت شركة هيكس وشركاه التي كلفها الجيش الأمريكي بإجراء أبحاث حول المشكلة العرقية في المنطقة بهدف التمكن من إعداد استقلال بلوشتسان. هكذا تجري الأمور!
سيستان بلوشستان أكبر مقاطعات إيران ( بالمائة من البلاد)، لكنها بصورةٍ خاصة مفتاح النفاذ إلى المحيط الهندي بوجود ميناء غوادار الواقع في باكستان. دعونا لا ننسى أنّ غوادار تمتلك أيضاً مطاراً دولياً، وميناءً عميق المياه ومنفذاً نفطياً. ستصبح هذه المدينة إذن المدينة الأكثر أهميةً في هذه الدولة وستكون المصب النفطي لمشروع تاب TAPالذي ستعاد تسميته ليصبح TAB (تركمانستان ـ أفغانستان ـ بلوشتسان).

غير أنّ هذه الأهداف لوضع اليد على نفط الشرق الأوسط تخفي هدفاً آخر: «تقسيم العالم إلى مناطق». وبالفعل، وقد أظهرت ذلك سابقاً في المقالة التي كتبتها بعنوان «أزمة شاملةـ الحلول (رقم : مناطق وعملات تكميلية)»، فبناء النظام العالمي الجديد يمر بمرحلةٍ أساسية، هي تدمير الأمم، وبالتالي التحويل إلى مناطق (انظر مقالة «مناطق وعملات تكميلية» على موقعي الشخصي). لن يفلت العالم العربي هو أيضاً، ويمكن نسب «تقسيم» العراق وقريباً باكستان وإيران إلى هذه الإستراتيجية الكبرى.
تصبح القطيعة بين المعلومات على الشبكة العنكبوتية وبين المعلومات في وسائل الإعلام الرسمية شديدة الوضوح. بإمكان آلان فينكيلكراوت أن يصف الشبكة بأنها سلة مهملات، لكنني أطرح من جانبي نظريةً أخرى: أليست وسائل الإعلام الرسمية آلةً واسعةً لفرمتة الأذهان؟ كل هؤلاء الأشخاص الذين يتم الزعم بأنهم أحرار ليسوا سوى أتباعٍ لنظامٍ لا يفهمون شيئاً منه، ويتسمون بجبنٍ لا يثير الانتباه، جبنٍ عادي كان يدفع الجنرال ديغول للقول: «عموماً، الأشخاص الأذكياء ليسوا شجعاناً والأشخاص الشجعان ليسوا أذكياء».
كان زولا قد اختصر كل شيءٍ في كتابه «فخامة أوجين رونيون» الذي نشر في العام : «الصحافة هي الأمر المحترم في كلّ التخمرات المثيرة للغثيان. إنها تخمّر الثورات، وتبقى البؤرة المتأججة التي تشتعل فيها الحرائق. لن تصبح الصحافة مفيدةً إلا حين يمكن ترويض قوتها واستخدامها كأداةٍ حكومية!»

بعد أن أصبحت الصحافة «مروضة»، الشبكة العنكبوتية موجودة. لكن إلى متى؟

 
 أستاذ ومحلل اقتصادي
http://gillesbonafi.skyrock.com/

معلومات إضافية

العدد رقم:
430