لن نموت بلا ضجيج
فيما يلي نص خطاب - استغاثة محمد نشيد، رئيس جزر المالديف، الذي ألقاه في أوائل تشرين الأول الماضي، خلال اجتماع ضم ممثلي إحدى عشرة دولة يهددها التغيير المناخي. وينوي تقديمه إلى الوفود المشاركة في مؤتمر كوبنهاغن:
السادة السفراء، الضيوف المحترمون، أيها السيدات والسادة:
نجتمع اليوم في هذه القاعة، باعتبار أننا نمثل بعضاً من أكثر بلدان الأرض عرضة لتهديد التغيير المناخي. لأن آثاره تصيبنا قبل الجميع، وبقسوة.
نحن مهددون نظراً لتواضع إمكانياتنا في حماية أنفسنا من الكارثة الوشيكة. نحن مجموعة من البلدان المختلفة. لكن يجمعنا خصم واحد مشترك.
بالنسبة لنا، تغير المناخ لم يعد تهديداً بعيداً أو خطراً مجرداً؛ إنما هو خطر واضح حالي يهدد وجودنا. تغير المناخ يذيب جليد نيبال. يسبب الفيضانات في بنغلادش. يهدد بإغراق المالديف وكيريباتي. وفي الأسابيع الماضية، ضرب تنزانيا بالجفاف، وتسبب بإعصار في الفيلبين.
نحن دول الجبهة الأمامية في معركة التغيير المناخي.
أيها السيدات والسادة:
البلدان النامية ليست هي التي تسببت بأزمة المناخ. لسنا مسؤولين عن مئات السنين من الانبعاثات الغازية التي تطهو كوكب الأرض. ولكن الأخطار التي يحملها تغير المناخ لبلداننا تعني أنه لم يعد ممكناً اعتبارها مشكلة أحد آخر غيرنا.
لا يعرف الكربون حدوداً. شئنا أم أبينا، نحن في هذه المعركة سوية. واليوم، فإن التراخي وعدم فعل شيء ليس خياراً متاحاً لأحد منا. فما الذي يمكننا فعله؟ بالنسبة لي، أي فعل نقوم به، مهما يكن شكله، يجب أن ينطلق من الاستماع إلى نصائح علماء المناخ، لا إلى نصائح سياسيين، مثلنا.
فيما المفاوضون منغمسون في إيجاد الحلول، مع اقتراب موعد كوبنهاغن، من السهل الاعتقاد بأن قضية التغيير المناخي مثل أية قضية دولية أخرى. ومن السهل افتراض إمكانية حلها بتسوية سياسية عجولة بين الدول القوية. لكن الحقيقة الهامة هنا أننا لا نستطيع إبرام تسوية مع قوانين الفيزياء. لا يمكن أن نعقد صفقة مع أمنا الطبيعة. يتعين علينا تعلم العيش ضمن الحدود الكوكبية الثابتة التي تبلورها الطبيعة. ويتوضح لنا أكثر فأكثر أننا قد تجاوزنا تلك الحدود كثيراً.
يقول العلماء إن من الضروري تخفيض مستويات ثاني أوكسيد الكربون إلى ما دون 350 جزءاً بالمليون من الغلاف الغازي. ونعلم لماذا.
لقد أخطأنا سابقاً بتحديد نقطة الهبوط الآمن. وكانت النتيجة أن قمم الجليد أخذت تذوب. الغابات المطرية غدت مهددة. الحيود المرجانية تحت دائرة الخطر المباشر.
مجموعة الدول الثماني الكبار تعهدت بتخفيض حرارة جو الأرض بمقدار درجتين مئويتين! ورغم كل شيء رفضت الالتزام بتخفيض نسبة الكربون في الجو، بما يكفي لضمان تحقيق حتى هذا الهدف المتواضع.
بمقدار درجتين مئويتين فقط سنخسر الحيود المرجانية.
بمقدار درجتين مئويتين ستنصهر غرينلاند.
بمقدار درجتين مئويتين لن نستطيع البقاء على قيد الحياة.
لا يمكنني قبول هذا كرئيس. ولا يمكنني قبول هذا كفرد. وأرفض تصديق أن الأوان قد فات، ولم يعد بوسعنا فعل شيء. كوبنهاغن.. موعدنا مع المصير. فلنذهب إليه حاملين أفضل الخطط.
أيها السيدات والسادة:
عندما نطلّ على العالم اليوم، نرى دولاً قليلة تتحلى بروح القيادة الأخلاقية، بما يتعلق بالتغيير المناخي. فهناك الكثير من السياسيين المستعدين لتوجيه أصابع اللوم. لكن قليلاً منهم مستعدون لحل الأزمة التي ستلتهمنا جميعاً إذا بقيت مهملة. قليلة هي الدول العازمة على مناقشة مسألة تخفيض نسب الانبعاثات إلى الحد المطلوب لإنقاذ الكوكب.
كما تبعث على الأسى تلك الاقتراحات المقدمة لتبني خيار تقديم المساعدات للبلدان المهددة. علاوة على أن مبالغ المساعدات منخفضة إلى حد أنها تشبه ذهابنا إلى منطقة منكوبة بزلزال وليس بحوزتنا سوى ملقط وفرشاة! لا نريد أن نبدو جاحدين، إنما مبالغ المساعدات لا ترقى إلى مستوى الخطر الماثل.
نجتمع هنا اليوم لأننا البلدان الأكثر تعرضاً للخطر من تغير المناخ. المشكلة واقعة فوق رؤوسنا، ولا نملك سوى القليل لدرئها. يفضّل بعضهم أن نعاني بصمت، لكننا اليوم قررنا رفع صوتنا. لذلك أتعهد لكم منذ اليوم أننا لن نموت صامتين، دون ضجيج.
أيتها السيدات، أيها السادة:
إنني أؤمن بالإنسانية. أؤمن بقدرة الإنسان على الابتكار. أؤمن بأننا قادرون على إيجاد حل لهذه الأزمة، إذا احتكمنا إلى التفكير السليم.
في المالديف، نود التركيز أقل على مأزقنا، وأكثر على إمكانياتنا. ونود أن نقوم بما هو أفضل لكوكب الأرض. وما هو أفضل لاقتصادنا أيضاً. ولهذا أعلنا منذ أوائل العام خطط تحولنا إلى دولة خالية من الكربون. لنكف عن الاعتماد على النفط لمصلحة الاعتماد على الطاقة المتجددة، مائة بالمائة. وسوف نقلل ما أمكننا من التلوث الجوي إلى أن تتوفر وسائل نقلٍ جوي نظيفة من الكربون أيضاً.
واعتقد أن الدول التي تتمتع بالحكمة الكافية لتنظيف اقتصادها الآن، ستربح المستقبل. ستربح كامل القرن الحالي. هذه الدول الرائدة ستحرر نفسها من قيود أسعار النفط الأجنبي التي يصعب التنبؤ بارتفاعاتها. وسوف تتمتع باقتصاد المستقبل النظيف. وسوف تعزز موقفها الأخلاقي، مما يعني منحها المزيد من النفوذ السياسي على الساحة العالمية.
هنا في المالديف أقلعنا عن ادعاءات النمو المرتبط بالإنتاج العالي للكربون. ففي النهاية، ليس هدفنا إنتاج الكربون، بل التنمية. وليس الفحم غايتنا بل الكهرباء. وليس النفط ما نريده، بل النقل ووسائله. التكنولوجيا منخفضة الكربون أصبحت موجودة، توفر كل ما نحتاجه من خيرات وخدمات. فلنسعَ لتحقيق هدف استخدامها والاعتماد عليها.
أيها السيدات والسادة:
التقاء مجموعة من البلدان النامية المهدَّدة، إنما الملتزمة بتنمية خالية من الكربون، سيبعث رسالة صارخة تدوي في أرجاء العالم كافة. وإذا ما أعلنت الدول النامية التزامها بالخلاص من الكربون، لن يبقى لمعارضي التحوّل مكان يختبئون فيه. فإذا ما بدأ أولئك الذين لا يملكون سوى القليل القليل، ما عذر الأغنياء في مواصلة تراخيهم؟
نعلم أنها ليست خطوة سهلة، وقد تكون محفوفة ببعض المخاطر. لكننا نريد إضاءة شمعة، لا أن نطلب من الآخرين أن يغرقوا أولاً في الظلام. لذلك نرغب اليوم مشاركتكم بإستراتيجيتنا للتخلص من الكربون. ونناشدكم أن تفكروا بالتخلص من الكربون. وأعتقد أن قيام جبهة من الدول النامية اللاكربونية كفيل بتحقيق نتائج كبيرة في مؤتمر كوبنهاغن.
في هذه الآونة، تسعى كل الدول المتفاوضة إلى الحفاظ على نسبتها العالية من انبعاثات غاز الكربون. ولا تلتزم أبداً بأي اتفاق، قبل أن يلتزم به غيرهم. إنه منطق مشفى المجانين، وضمانة الانتحار الجماعي.
نحن لا نريد اتفاقية انتحار عولمية. ولن نوقع على معاهدة انتحار عولمية، لا في كوبنهاغن ولا في غيرها. لذلك أتوجه اليوم إلى أكثر بلدان العالم تضرراً، بالدعوة للانضمام إلى إبرام اتفاقية نجاة عالمية.
جميعنا واحد في هذه القضية. نصمد سويةً أو نسقط سويةً.
كلي أمل بأن تنضموا إلي باتخاذ قرار وقفة الصمود.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 430