قراءة في آلية النفط العالمي.. هل ستنتصر إرادة «الأوبك»... على جشع العالم المتقدم؟
عندما نتحدث عن منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» فنحن نتكلم عن منظمة تمثل اكثر من ثلث الإنتاج العالمي من النفط، وتستحوذ على أكثر من نصف الاحتياطي العالمي من الذهب الأسود، المحرك الأساسي لدوران ماكينة النشاط الاقتصادي العالمي.
سياسة سحب البساط
من هذا المنطلق، من المفروض أن تتمتع هذه المنظمة بالسيطرة الفعلية على السوق النفطية، إلا أن الأهمية الواضحة لسلعة النفط على اقتصاديات البلدان المتقدمة، جعل هذه البلدان تسحب البساط من تحت أقدام الدول المصدرة (النامية(، لتحاول بشتى الوسائل التحكم في وضع أساسيات السوق النفطية بتحديد العرض والأسعار.
إن طبيعة العلاقة التاريخية بين عالم متقدم وعالم نام، هي التي رسخت التعامل بين البلدان المنتجة للنفط والبلدان المستهلكة له، ولتـأتي أهمية هذه السلعة الاستراتيجية لتزيد من سيطرة وتحكم العالم المتقدم بأسس هذا التعامل، الذي لم يخل في أي من أوقاته من لهجة التهديد المباشر.
وما العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على ليبيا وإيران والعراق، سوى إحدى هذه التهديدات المباشرة على ثلاثة أعضاء أساسيين في منظمة الأوبك، وما حرب الخليج الأولى سوى استمرار في الاستراتيجية المتبعة مع بلدان الأوبك، لاستنفاد قواها من الداخل، ولخلق بؤر التوتر الدائمة فيها، ولتأتي أخيراً حرب الخليج الثانية كتنفيذ كامل للاستراتيجية من خلال إيجاد منطقة قوات دائمة في قلب الخليج تضع أيديها على مفاتيح أهم مستودع نفطي في العالم.
وسنحاول بتحليل بسيط شرح الآلية الجديدة التي اقترحتها الأوبك ونفذت منذ شهر آذار من العام الماضي لنقيِّم بعد ذلك هذه الآلية ونحدد الأسباب التي دعت إليها.
آلية تثبيت الأسعار
لقد توصل أعضاء الأوبك إلى إيجاد حزمة أسعار لسلة أوبك إذ تم وضع سقف أدنى لها بـ 22 دولاراً وسقف أعلى بـ 28 دولاراً للبرميل يجب عدم تجاوزهما.وإذا ما فرضت السوق أسعارا ًتتجاوزهما فتقوم أوبك بالآلية التالية:
1 ـ يتم احتساب السعر بشكل متوسط لـ 200 يوماً، ومن ثم يدرس مدى مطابقته مع حزمة الأسعار.
2 ـ في حال تجاوز أسعار النفط حد الـ (28) دولاراً يتم رفع الإنتاج، بشكل آلي، وبدون الحاجة إلى اجتماع وقرار على مستوى وزاري، وذلك بمقدار (500 ألف برميل في اليوم(.
3 ـ وفي حال تقلصت الأسعار إلى ما دون مستوى الـ (22) دولاراً، فيتم خفض الإنتاج بالآلية نفسها وبكمية تقدر بـ (500 ألف برميل في اليوم).
تقييم آلية تثبيت الأسعار في ظل توقعات الطلب العالمي على النفط
إذا ما تكلمنا بشكل علمي، فإنه من المعلوم بأن قوانين العرض والطلب في السوق تجعل زيادة الطلب العالمي على سلعة ما، يؤدي دورها المباشر في زيادة سعر هذه السلعة مما يخلق المجال المناسب لزيادة الإنتاج منها (العرض)، فنحصل بالنتيجة على نقطة توازن جديدة عند العرض والطلب الجديدين، وبسعر أعلى من النقطة السابقة.
زيادة الطلب.. وزيادة الأسعار
وإذا ما نقلنا هذا التحليل على سلعة النفط، وأضفنا في اعتبارنا أنها سلعة تخضع للنضوب والانتقاص مع مرور الزمن، لوصلنا إلى نتيجة أكيدة مفادها أن زيادة الطلب العالمي على النفط سيؤدي دوره المباشر في زيادة الأسعار.
ومن دراسة قامت بها وزارة الطاقة الدولية (IEA)، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) يمكننا توقع حجم الطلب العالمي على النفط في الحقبة القادمة، إذ جعلت الدراسة معدل النمو الاقتصادي في العالم الأساس في تغيير معدل نمو الطلب العالمي على النفط وبمرونة تقدر بـ (67%) وبذلك وصلت الدراسة إلى ما يلي:
وتوقعت (IEA) زيادة سنوية من عام 1990 إلى عام 2015 في النمو الاقتصادي 3.10% وفي نمو الطلب على النفط 2.15% بينما توقعت (IEA) زيادة سنوية من عام 1993 إلى عام 2010 في النمو الاقتصادي 3.10% وفي نمو الطلب على النفط 2.10%
حجم الطلب العالمي
وعلى أساس هذه الدراسة، سنتوقع زيادة طلبية على النفط بمقدار 2.10% سنوياً خلال الحقبة القادمة، وبالاشتقاق عن حجم الطلب العالمي على النفط الموثوق في الربع الأول من العام 2000 والبالغ 75.9% مليون برميل يومياً (والمتوقع في خلال الأرباع الثلاثة الباقية) نصل إلى النتيجة التالية:
في سنة 2000 الطلب النفطي 75.9%
في سنة 2005 الطلب النفطي 83.85%
في سنة 2010 الطلب النفطي 91.8%
إن الوصول في غضون عشر سنوات إلى زيادة كلية في الطلب بمقدار (20.9%) عن العام (2000) لن يعني سوى زيادة أكيدة وفعلية في الأسعار خلال الفترة ذاتها، إلا أن آلية التسعير الجديدة، قد فرضت حدوداً قسرية للأسعار لا تزيد في أي حال عن حائط الـ (28) دولار أبداً.
بعيداً عن المنطق
عند وقوفنا على هذه الحقيقة، لا نتوقع أن يكون أعضاء أوبك قد أغفلوا التطورات المرتقبة في الطلب العالمي على النفط، إلا أن طبيعة العلاقة بين بلدان متقدمة بيدها زمام الأمور العالمية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبين بلدان نامية تبحث عن مكان تبتعد فيه عن شرور البلدان المتقدمة، لا يمكن أن تسمح بأي حال من الأحوال للمنطق أن يفرض نفسه. فسياسة المكاييل لا تلغى وفكرة تبعية البلدان النامية للبلدان المتقدمة لا تنتهي، لذا رضي أعضاء ا لأوبك بالإجماع عن السياسة الجديدة، أملاً في أن تلغي التقلبات غير المتوقعة في الأسعار النفطية، ولو كان ذلك على حساب التضحية بالأسعار الفعلية، وهذا لا يمثل سوى اعتراف صريح وواضح من الأوبك بعدم إمكانية السيطرة على السوق النفطية، وإذا ما أضفنا إلى كل ما ذكرناه تآكل القيم الحقيقية لأسعار النفط نتيجة لتغيير قيمة الدولار مع الزمن، وارتفاع حصة الدول المستهلكة للنفط من الريع النفطي نتيجة لتزايد الضرائب المعروضة على الاستهلاك، نرى أنفسنا مستغربين من المخاوف التي تطرحها الدول المستهلكة للنفط في سياسات أوبك الإنتاجية، ونرى أنفسنا مستغربين أكثر من تخوفهم من ارتفاع الأسعار التي لا تزيد بأي شكل من أشكالها عن أسعارها الحقيقية في السبعينات على الرغم من ازدياد الطلب في حينها بأكثر من (28) مليون برميل في اليوم، وإذا ما أردنا كشف (اللعبة)، فما علينا سوى مقارنة ما تدافع عنه الدول المتقدمة في تحرير التجارة وتطبيق اقتصاد السوق الحر، وإرغام الدول النامية على ذلك، مع رفضها القاطع لتنفيذ الآلية نفسها في تحديد أسعار سلعة استراتيجية هي النفط، ومع رفضها الأكيد إدخال النفط في اتفاقية منظمة التجارة العالمية (WTO).
وفي نهاية البحث لا يمكننا سوى الوقوف عند استنتاج الحقيقة القائلة: بأن لغة المنطق والعقل لا يمكن أن يسمح لها بتجديد أسس التعامل بين ببشر من عالم نام، وبشر من عالم أخر.