الديمقراطية الأمريكية في سراديب «أبو غريب»

تتوالى هذه الأيام، بشكل متواتر ومتسارع. اعتذارات المسؤولين الأمريكيين، بدءاً من الرئيس بوش ووزير دفاعه رامسفيلد وانتهاء بأصغر مسؤول أمريكي، على ما ارتكبته قواتها من أعمال إجرامية ومشينة تهدر حقوق الإنسان وكرامته في سجن أبو غريب، بعد أن أخذت صور التعذيب والوسائل البربرية بحق المساجين تنتشر في العالم أجمع، وبعد أن سعت القيادة الأمريكية جاهدة إلى التستر عليها وإبقائها طي الكتمان زمناً طويلاً، ولكن كما يقال، فإن حبل الكذب قصير وقصير جداً.

لقد أنزلت أعمال التعذيب ضد المساجين العراقيين والأعمال الشائنة ضدهم، أنزلت سمعة الولايات المتحدة عند الشعب العراقي المبتلى بالاحتلال وفي العالمين العربي والإسلامي إلى الدرك الأسفل، ولم يعد أحد، يجد في نفسه الشجاعة للدفاع عن هذه الدولة الاستعمارية الأولى في العالم.

فلقد تبين أن الدولة التي كانت تتبجح بأنها واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم هي أول من ينتهك بفظاظة لاحد لها الديمقراطية وحقوق الإنسان وأنها فقدت مصداقيتها أمام أصدقائها قبل أعدائها.

وذكرت صحيفة «الواشنطن بوست» أن وزارة الخارجية الأمريكية تلقت تقارير مزعجة للغاية من سفاراتها في جميع أنحاء العالم تضمنت إدانات الحكومات المختلفة والتعليقات الغاضبة للمحللين وافتتاحيات الصحف.

رد التهمة عن القيادات

إن محاولات رد التهمة عن قيادة الاستخبارات الأمريكية الـ سي.آي. إيه أو الاستخبارات العسكرية وإلقاء مسؤوليتها على تصرفات شخصية وفردية لم تجد نفعاً، كما أن محاولة إلقاء طرف مسؤولية ماجرى في سجن أبو غريب على طرف آخر، لايعفي أحداً، فالممارسات غير الإنسانية قد نفذت بأمر من أجهزة الاستخبارات وتحت إشرافها ولانتزاع المعلومات بجميع الوسائل التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر على باله، وما تسرب من قاعدة غوانتانامو نموذج على هذه الأساليب الإجرامية.

وزارة الخارجية تؤجل تقريرها السنوي

إن الأضرار التي حلت بسمعة الولايات المتحدة في العالم أجمع قد أنزلت هيبتها ومصداقيتها إلى الحضيض لدرجة أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تجرؤ على إصدار تقريرها السنوي حول جهود واشنطن «صيانة حقوق الإنسان» وقررت تأجيله بعد ما تبين أن الدولة التي جعلت من نفسها «معلماً» للديمقراطية ومدافعاً عن حقوق الإنسان هي أول من يدوسها.

تقرير تاغويا

وقد نشرت صحيفة «الحياة» اللبنانية فقرات من تقرير الجنرال أنطونيو تاغويا أكد فيه أن الانتهاكات التي جرت في سجن أبو غريب كانت «منهجية» بعكس ما أعلنه وزير الدفاع رامسفيلد، وأن كلمة «انتهاكات» تعني حسب المختصين بالقانون الجنائي جرائم.

غيض من فيض الانتهاكات

وعدد تقرير تاغويا مجموعة من الانتهاكات الصارخة داخل سجن أبو غريب من بينها:

1. تصوير معتقلين رجالاً ونساء، بالفيديو، وهم عراة.

2. إرغام معتقلين ذكور على ارتداء ألبسة نسائية داخلية.

3. تطويق رقاب معتقلين ذكور عراة بجنزير كلب و التقاط صور فوتوغرافية لهم.

4. إقدام عنصرين من الشرطة العسكرية الأمريكية على ممارسة الجنس مع إحدى المعتقلات، وهو انتهاك خطير تسترت عليه أجهزة الإعلام الأمريكية.

5. تجاوزت الانتهاكات الأحياء إلى الأموات، حيث صور جنود أمريكيون جثث القتلى العراقيين الذين ماتوا تحت التعذيب.

هذا غيض من فيض مما تحدثت عنه التقارير التي صدرت بعد ذلك والصور التي نشرت على نطاق واسع في العالم أجمع.

مكافأة المجرمين

والأكثر من ذلك فإن العناصر التي شاركت في تعذيب المعتقلين ـ كما ورد في تقرير تاغويا ـ قد تلقوا الثناء من رؤسائهم على ما اقترفت أيديهم، كما أورد التقرير أسماء عشرات الضباط والرقباء الأمريكيين إلى جانب بعض المتعاقدين المدنيين وعلى رأسهم «جون إسرائيل» ومن بينهم الميجر ديفيد دينينا الذي أشرف على رمي أحد المعتقلين من شاحنة استقلها جنوده.

مجلس الحكم متواطئ

خسرت أمريكا ثقة الشعب العراقي

وذكرت الصحف أن أعضاء مجلس الحكم الانتقالي في العراق كانوا على علم بما كان يجري في السجون من ألوان التعذيب وقد تلقى أعضاؤه تقارير عن ذلك ولكن أحدهم لم يحرك ساكناً مما يعتبر تواطؤاً قذراً من قبل أناس يطمعون أن يكونوا قادة للشعب العراقي وموضع ثقته.

إن الولايات المتحدة قد خسرت نهائياً ثقة الشعب العراقي بعد أن رأى هذا الشعب بأم عينه ماحل بأبنائه من تعذيب وإهانة لكرامتهم، وقد تساءل كثير من العراقيين: أي مال يمكن أن يعوض السجين على ما أصابه من إذلال وإهانة واغتصاب وموت؟

خسارة الرأي العام العراقي

وقد رأى الأستاذ محمد الوافي المحاضر في معهد الدراسات السياسية في باريس، في حديث مع صحيفة «الأومانتيه» الفرنسية، أن الإدارة الأمريكية قد خسرت معركة الرأي العام العراقي خاصة، والعربي والإسلامي عامة، إذ لم يعد بوسعها كسب القلوب والعقول والشيء المتبقي لها هو: إما القوة أو الفساد، وقد ظهرت آثار هذه الصور على المستوى السياسي حيث بدأت إدارة بوش بتقديم التنازلات وبشكل خاص للقوى السياسية التي لاتنضوي تحت راية مجلس الحكم الانتقالي.

 

■ عادل الملا