بعد عام على الاحتلال الأمريكي للعراق المقاومة تتصاعد.. التحالف يهتز.. المارينز ينتحرون
مر في السابع عشر من آذار الجاري، عام على الغزو الأمريكي ـ البريطاني للعراق الشقيق واحتلاله، ومن المعروف أن المعتدين، ادعوا زوراً وبهتاناً أنهم ماجاؤوا إلا لتخليص الشعب العراقي من حكم صدام حسين الدموي وإشاعة الديمقراطية في العراق، كما أنهم استندوا إلى أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل، والتي تبين بطلانها، كل ذلك لإخفاء هدفهم الحقيقي وهو وضع اليد على النفط العراقي ونهبه لصالح الاحتكارات النفطية الأمريكية الكبرى.
وقد تبين فيما بعد أن ما تذرعت به إدارة بوش لاحتلال العراق كان كذباً في كذب، وأن النية كانت مبيتة للعدوان على هذا البلد العربي حتى قبل أحداث أيلول عام 2001، وأن هذه المسألة قد طرحت في أول اجتماع عقده بوش مع وزرائه. بل أبعد من ذلك فإن هذا المخطط كان موجوداً منذ عهد الرئيس الأمريكي السابق كلينتون.
هل تحققت أهداف العدوان؟
إن من يتابع أحداث غزو العراق واحتلاله يجد أن عقبات كبرى اعترضت تحقيق أهدافه:
● فمنذ اليوم الأول للاحتلال برزت المقاومة العراقية، وأخذت تكيل لقواته ضربات متواصلة ومتصاعدة موجعة، ومع مرور عام على الاحتلال تصاعدت هذه المقاومة بشكل كبير، محدثة شرخاً في جدار الوضع الأمني المتردي أصلاً، حتى أن الزيارة المفاجئة التي قام بها باول للقوات الأمريكية في العراق كانت محاولة منه لطمأنة جنود بلاده، وقد اعترف باول بأن أياماً صعبة تنتظر القوات الأمريكية هناك.
● نتائج «التحرير» الأمريكي
ومن جهة أخرى لم يجد العراقيون مايحتفلون به بعد «تحريرهم» من حكم صدام حسين الديكتاتوري الدموي، فقد رافق هذا «التحرير» المزيف، دمار وقتل بنيران «المحررين» الأمريكيين أثناء الغزو وما بعده، ومما حملته الأشهر الماضية من مجازر شملت العراق من شماله إلى جنوبه، مروراً ببغداد، وهذه الذكرى مرت عليهم والاحتلال جاثم على صدورهم: فالأمن مفقود، والسيادة مغيبة، والعملية السياسية في مأزق، والاقتصاد العراقي حدثت فيه انتكاسة حيث زادت الإفلاسات، وتراجعت القوة الشرائية للمواطنين وساءت أوضاع المشافي وغيرها وغيرها.
● عودة شعار «الوحدة الوطنية»
وبعد أن تبين للشعب العراقي ولقواه الوطنية والإسلامية الأساليب الماكرة التي يستخدمها المحتلون لتـأليب الناس على بعضهم، ودفعهم للاقتتال فيما بينهم، باسم الطائفية والمذهبية الدينية أو القومية، عادت راية «الوحدة الوطنية» لترتفع من جديد، وقد برز ذلك يوم 19 آذار الجاري حين نزل آلاف العراقيين من شيعة وسنة وقوى وطنية، إلى شوارع بغداد، منددين بالاحتلال الأمريكي ومطالبين بإنهائه..
● قتلى وهروب وانتحارات
لم تحسب القيادة الأمريكية حساب ما سيجري بعد الاحتلال، ولم يخطر في بالها أن المقاومة ستنشأ مباشرة بعد دخول القوات الأمريكية، بل هناك أنباء تقول بأن المقاومين العراقيين كانوا قد أعدوا أنفسهم قبل الغزو، وكانوا على أهبة الاستعداد لاستقبال جنود الاحتلال وإلهاب الأرض تحت أقدامهم وتكبيدهم خسائر في الأرواح والعتاد، وقد طورت هذه المقاومة أساليبها، واستخدمت تكتيكاً جديداً، وذلك بوضع قنابل عدة إلى جانب الطرق، حيث تمر القوافل العسكرية الأمريكية، مع القدرة على توقيت التفجيرات، أو التفجير من بعيد باللاسلكي، كل ذلك زاد في عدد القتلى الأمريكيين وجرحاهم، وتفيد الأنباء أن في الكويت نصبت خيام تستخدم كمشرحة لجثث الجنود الأمريكيين، فضلاً عن مئات من حالات الفرار من الخدمة في العراق، وذلك برفض العودة بعد انتهاء الإجازة، إضافة إلى حالات الانتحار بين الجنود الأمريكيين والتي بلغ عددها 22 جندياً في السنة الماضية، وانتحار عدد آخر هذا العام تحت ضغط الخدمة في بيئة معادية جداً لها.
● في العالم العربي:
وإذا كان الحكام العرب قد أبدوا من التخاذل والهوان أمام المحتلين الأمريكان لدرجة أصبح من الصعب البرء منه، فإن الشعوب العربية وقواها الوطنية والإسلامية قد ازدادت غضباً وحقداً على المستعمرين وأزلامهم من الحكام العرب المتخاذلين، وسيأتي يوم ليس ببعيد ستطيح فيه الشعوب العربية بهؤلاء الحكام كما جرى بعد نكبة فلسطين عام 1948. فالمستقبل للشعوب التي لديها كل الاستعداد لمقاومة الظلم والعدوان.
● عزلة أمريكية ـ بريطانية في الخارج.
وفي الذكرى الأولى للعدوان على العراق، برزت على النطاق الدولي حقيقة أن الولايات المتحدة وبريطانيا يزداد نطاق العزلة حولهما ومن أبرز المستجدات:
■ سعي حكام واشنطن المستميت لإِشراك مجلس الأمن والأمم المتحدة في معالجة الوضع في العراق، الذي خلق وضعاً صعباً لهم ولتحمل قسم من العبء الباهظ الثمن الذي تنوء به قوات الاحتلال.
■ دعوة كثير من البلدان، بالترغيب أو الترهيب، للمشاركة مع القوات الأمريكية أو الغوص معها في المستنقع العراقي.
■ رفض البلدان الأوروبية الهامة، كفرنسا وألمانيا وغيرهما المساهمة بأي عمل مع حليفتهم الكبرى التي رفضت السماع لنصائحهم، وتركوها لتتحمل الوزر وحدها، بل قالوا علناً بأن الوضع الأمني في العراق لن يستبب إلا بإزالة الاحتلال أولاً.
■ تخلخل التحالف المعادي:
وكانت الضربة القاسية التي وجهت إلى التحالف المعادي هو تصريح رئيس الوزراء الأسباني ثابايترو بأن بلاده ستسحب قواتها من العراق في أواخر حزيران القادم إذا لم تتدخل الأمم المتحدة وتضع الأمر في يدها، وأن هذا القرار حاسم لا رجعة عنه، مما أحدث شرخاً في صفوف المعتدين، ثم اتسعت دائرة الانتقاد للإدارة الأمريكية إذ وجه الرئيس البولوني الكسندر كفاشينفسكي انتقاد للولايات المتحدة وبريطانيا، حين قال: إن بلاده خدعت بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وأضاف: لقد تعرضنا للخداع وتم جرنا، كما أن الكوريين الجنوبيين رفضوا إرسال قواتهم إلى الشمال للقتال إلى جانب القوات الأمريكية وفضلوا البقاء في أماكنهم. وهذه الحال تنطبق على جميع البلدان التي أرسلت قوات إلى العراق بخلاف إرادة شعوبها، وإن هذه الشعوب ستعاقب حكوماتها كما عاقب الشعب الأسباني حكومته التي شاركت في العدوان على العراق، وسيأتي يوم سيجد فيه حكام واشنطن أنفسهم وحدهم في مواجهة الشعب العراقي والعالم، ولن يبقى في الميدان «إلا حديدان» في موقف لا يحسد عليه.
مظاهرات ضد الاحتلال:
وأخيراً التظاهرات التي جرت في مختلف أنحاء العالم، والتي شارك فيها مئات الألوف من الناس بالذكرى السنوية الأولى للعدوان، وطالب المتظاهرون بخروج الاحتلال من العراق وإحلال السلام في الشرق الأوسط وعبروا عن دعمهم للشعب الفلسطيني.
الالتفات إلى سورية
وهكذا وجدت الإدارة الأمريكية نفسها في موقف صعب لا تحسد عليه:
فشل في داخل العراق، وعزلة دولية في اتساع خارجه، ولذلك ليس مستغرباً أن تندار نحو سورية لتشديد الضغط عليها باسم تنفيذ قانون محاسبة سورية، وإن ما جرى في لبنان أولاً باسم المطالبة بخروج القوات السورية، إلى الأحداث التي جرت في سورية إلا بمثابة الحنجلة التي تسبق الرقص، وإنهم سيتابعون تآمرهم لأخذ سورية من الداخل، وهذا يتطلب تصليب الوضع الداخلي وذلك بإيجاد تحالف وطني كبير، وإلغاء كل ما يقيد حرية المواطن، وكرامته ومعيشته وإبداء اليقظة والاستعداد لمقاومة أي عدوان.
المقاومة هي الطريق
إن عاماً من الاحتلال الأمريكي للعراق لم تتحقق فيه الأهداف التي جاء المعتدون من أجلها، بل زادت الأمور تعقيداً، ولا توجد أي آفاق لحلها، وأن القيادة الأمريكية مازالت تصر على مواقفها، ولذلك فإنه ليس أمام الشعب العراقي إلا طريق النضال وتصعيده حتى طرد المحتلين، مهما بلغت التضحيات ومهما كان الثمن لأنهم لم يأتوا إلى العراق ليخرجوا منه بخفي حنين، وخاصة بعد أن أخذت موجات الانضمام إلى المقاومة تتسع، وسيرغم الشعب العراقي جميع القوى الوطنية والإسلامية لا لأن ترفع شعار إنهاء الاحتلال بالطرق السياسية فقط، بل أن ترفع شعار المقاومة بجميع الوسائل بما فيها المقاومة المسلحة.
■ وحيد الشامي