مقابل التنازلات: تصعيد اسرائيلي وصمود شعبي..

تصاعدت في الأيام الأخيرة، بشكل لا نظير له، الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، وبصورة خاصة في قطاع غزة الذي تدعي حكومة شارون أنها تنوي الانسحاب منه وتصفية مستوطناته أو معظمها.

ففي يوم 7 آذار الجاري قامت القوات الإسرائيلية باجتياح مخيمي النصيرات والبريج بقطاع غزة وارتكبت مذبحة يندى لها جبين الإنسانية سقط فيها 14 شهيداً فلسطينياً وما يقرب من 90 جريحاً..

 وقد جاء ذلك في أعقاب استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة عشرين بجروح في عملية استشهادية مزدوجة قرب معبر إيريز لم يكتب لها النجاح، نفذتها بصورة مشتركة كتائب شهداء الأقصى وكتائب القسام وسرايا القدس، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية للفلسطينيين التي تقوم بها القوات الإسرائيلية.

وكانت آخر مجزرة ارتكبتها إسرائيل حين قام المجرم شارون بزيارة استفزازية لمنطقة بناء جدار الفصل العنصري قرب القدس، وقد سقط خمسة شهداء من كتائب الأقصى عندما اعترضت وحدة عسكرية إسرائيلية سيارة كانت تقلهم في جنين وفتحت النار عليهم. 

الكلب المسعور

لقد أصبحت حكومة شارون كالكلب المسعور، أينما توجه يعض كل من يجده في طريقه، ويؤذي كل من يصادفه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن سياسة العدوان الإسرائيلية المنفلتة من عقالها ضد الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية لم تُجد نفعاً، بل انعكست سلباً على إسرائيل، أزمة اقتصادية وسياسية ومالية وفضائحية وأمنية في الداخل، وعزلة دولية في الخارج، وانكشاف أمرها كأخطر دولة تهدد السلم العالمي في عيون الأوروبيين، وفي قرار محكمة العدل الدولية الذي اعتبر بناء الجدار العنصري غير قانوني.

العدوان على الجولان

وفي هذا الوقت بالذات، قامت القوات الإسرائيلية بمداهمة أراضي المواطنين السوريين في الجولان المحتل، واقتلعت الجرافات 1800 غرسة كرز وتفاح وزيتون في كل من بلدة مجدل شمس وجباتا الزيت التي كانت إسرائيل قد دمرتها وبنت على أنقاضها مستعمرة إسرائيلية أطلقت عليها اسم «نفي أنيف».

كما لايمر يوم أو يومان إلا وتقوم القوات الإسرائيلية بالاعتداء على الجنوب اللبناني، وتحلق الطائرات الإسرائيلية فوق المدن اللبنانية بما فيها، العاصمة بيروت، مخترقة جدار الصوت، ومتحدية بذلك مشاعر اللبنانيين.

السلطة الغائبة

أما سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني وحكومة قريع، فإنها تبدو غائبة غياباً تاماً عن الأحداث المأساوية الجارية في الأراضي الفلسطينية وكأن الأمر لا يعنيها بتاتاً، فعوضاً عن الدعوة لرص صفوف القوى في الداخل لمواجهة البربرية الإسرائيلية، نجدها تسلك طريقاً آخر، وهي التركيز على التفاوض دون الاستناد إلى قاعدة صلبة تستند إليها في عملها السياسي.

■ فالأصوات داخل القيادة الفلسطينية الرسمية وفتح بالذات تتكاثر وتدعو إلى التخلص من الجناح العسكري، والتركيز على العمل السياسي فقط، وهذا ليس مطلباً خاصاً بالقوى اليمينية الفلسطينية بل يعد أولاً وأخراً مطلباً أمريكياً وإسرائيلياً.

■ وإذا ماقدر لهذا المخطط النجاح فلابد من الانتقال إلى المنظمات الفلسطينية الأخرى ومطالبتها بحل أجنحتها العسكرية مجاناً، والتي لعبت دوراً هاماً في تصليب النضال الفلسطيني وتكبيد العدو الإسرائيلي خسائر كبرى، وتصر على استعادة الحقوق الفلسطينية كاملة غير منقوصة.

■ إجراء مفاوضات مع الإسرائيليين دون أي عائق وتقديم تنازلات جديدة، تحقق الأهداف الأمريكية والإسرائيلية وقوى الرجعية العربية، وإدماج إسرائيل في المنطقة تحت الخيمة الأمريكية تحت اسم مشروع الشرق الأوسط الكبير!! وبمباركة من الحكام العرب المتواطئين مع الإمبرياليين الأمريكان، وكان آخر نموذج لهذه الخيانة المكشوفة ما أوردته وكالات الأنباء عن الدعوة التي وجهها وزير المواصلات القطري أكبر الباكر لوزير المواصلات الإسرائيلي أفيغيدور ليبرمان، المعروف بمواقفه العدائية الشديدة للفلسطينيين والعرب، لحضور مؤتمر المواصلات والسياحة والنقل العام الذي سيعقد في الدوحة بصفة شخصية، وأعمال مجلس الوزراء العرب لم ينته بعد ولم يجف الحبر الذي كتبت به قراراته.

■ إن التخلص من قوى المقاومة لن يؤدي إلا إلى إضعاف مواقع المفاوض الفلسطيني، لأن العدو آنذاك سيجد نفسه غير ملزم بتقديم أي شيء للفلسطينيين، لقد تبين سابقاً أنه مع وجود المقاومة كان شارون وحكومته يصمون الأذان عن مطالب الشعب الفلسطيني ويتعنتون في مواقفهم، فكيف إذا كان المفاوض الفلسطيني أعزل من أي سلاح، ومن أي دعم شعبي!!

إن الطريق إلى استعادة الحقوق لايمر عبر إضعاف قوى المقاومة وتصفية أجنحتها العسكرية، بل يمر عبر تصليب الموقف الفلسطيني الداخلي لمواجهة العدو بكل قوة وصلابة.

 

■ وحيد الشامي