روسيا: الانتخابات الرئاسية حقيقة أم وهم؟

نعتقد أن روسيا كانت ولاتزال المفتاح الرئيسي لتغيير العالم ومن خلال تلك الحقيقة الموضوعية فإن قوى الثالوث العالمي لن تسمح بعودة الشيوعيين للسلطة مرة أخرى حتى عبر الانتخابات الديمقراطية، فهذه القوى استخدمت وسوف تستخدم كل مالديها من رأس مال وإعلام وسلطة من أجل منع فوز مرشح الشيوعيين وخاصة الرئاسية، لأن الرئيس الروسي وحسب الدستور البرجـــوازي الذي حـــصل على 36% من الأصوات قد منح الرئيس الروسي يلتسين وبوتين صلاحيات واسعة ومطلقة تفوق صلاحيات قيصر روسيا قبل ثورة أكتوبر 1917.

ولو أخذنا، على سبيل المثال، الانتخابات الرئاسية لعــام 1996 والتي عكســـت وبشـــكل واضح الممارسة اللاديمقراطية وعدم النزاهة والعدالة والتكافؤ بين مرشح اليمين المتمثل بيلتسين وبين مرشح القوى الوطنية اليسارية المتمثلة بغينادي زوغانوف، وباعتراف كبار المسؤولين من «الإصلاحيين ـ الديمقراطيين» الروس فإن شعبية يلتسين عشية الانتخابات تراوحت مابين 2 إلى5 % في حين كانت شعبية زوغانوف أكثر من 40%!!

وليس من باب الصدفة أن يأتي وفد أمريكي إلى موسكو عشية الانتخابات 

الرئاسية عـــام 1996 متخصـــص فـــي عمليـــة سيـــر الانتخابات «الديمقراطية» وبارع في التزوير والتضليل الإعلامي ويقدم عدة مقترحات إلى يلتسين منها عدم الموافقة على إجراء المناظرة السياسية مع زوغانوف عبر التلفزيون، وشن حملة صليبية على الشيوعيين وعبر كافة وسائل الإعلام، وكان ثمن «فوز» يلتسين هو أنه تم إنفاق 50 تريليون روبل (أي ما يعادل 15 مليار دولار) وحتى البنوك العربيــة والإسلامية  ساهمت في «فوز» يلتسين؟!

أما الانتخابات الرئاسية في عام 2000، حيث قام بوريس يلتسين بتعيين فلاديمير بوتين رئيس جهاز الأمن، ثم تمت ترقيته إلىمنصب رئيس الوزراء، ثم إلىرئيس بالوكالة وكان وراء كل ذلك الملياردير اليهودي بوريس بيرزوفسكي، إذ أعلن ولأكثر من مرة على أنه كان وراء «فوز» بوتين في عام 2000 بالرئاسة!! ولم يستطـــع زوغانوف وفريقه أن يحققوا أي شيء أمام جبروت رأس المال والإعلام اليهودي في روسيا. والدعم المباشر من قبل أمريكا «رائدة الديمقراطية» ومؤسساتها المالية والاقتصادية الدولية بهدف فوز بوتين برئاسة روسيا!!

واليوم تخوض القوى السياسية في روسيا «المسرحية الجديدة» ألا وهي الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في 14/3/2004 حيث وصل عدد المرشحـــين إلى7 مرشحـــين وهم فلاديمير بوتين، وسيرغي ميرونوف (رئيس المجلس الفيدرالي حالياً)، وأرينا خاكامادا ممثلة قوى اليمين الروسية (بالرغم من أنها تدعي أنها مستقلة)!!، ورئيس حماية فلاديمير جيرنوفسكي المدعو إليك ماليشكين الأكسندورفيج، وسيرغي غلازوف، وإيفان ريبكين، وممثل الحزب الشيوعي الروسي نيكولاي خاريتونوف!!

إن هذه الانتخابات الرئاسية لن تختلف لامن حيث شكلها ولا من حيث مضمونها عن الانتخابات الرئاسية السابقة، فهي لا تتصف لا بالنزاهة ولا بالعدالة ولا بالتكافؤ، حيث تعمل السلطة التنفيذية، وجهاز ديوان الرئاسة والسلطة التشريعية بكل ثقلها المالي والإعلامي لصالح فوز بوتين، وكما يلاحظ فإن جميع المرشحين من حيث الجوهر هم مساندون لبوتين، وكما يقر ويعترف جميع المحللين السياسيين وحتى المواطنين البسطاء، بأن نتيجة الانتخابات الرئاسية محسومة مسبقاً لصالح بوتين ولايستبعد فوزه  بالجولة الأولى، وأن هذه الانتخابات ماهي إلا سبكتاكل تم إعداده بشكل جيد، وإن عدم جدية هذه الانتخابات يعكسها مستوى المرشحين المتمثلة برئيس حرس جيرنوفسكي «المنافس» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟!

وكما تفيد المعلومات فإن فوز بوتين لا شك فيه، وبعد فوزه سوف يقدم على اتخاذ إجراءات وتغييرات في الحكومة لصالحه ولصالح «حزبه» الحاكم وستحظى عشيرة اللينينغراديين بحصة الأسد في الحكومة الجديدة، وكما سيعمل بوتين خلال رئاسته الثانية على تهيئة البديل من عشيرة اللينينغراديين لعام 2008، وبنفس الوقت فإن قوى اليمين الروسية لم تشارك في هذه الانتخابات الرئاسية وبدأت تعمل اليوم للانتخابات البرلمانية القادمة لعام 2007 والرئاسية في عام 2008!!

لقد رفض فلاديمير بوتين إجراء المناظرة السياسية والفكرية مع جميع المرشحين لرئاسة روسيا، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم إعطاء أي أهمية ووزن ودور لهؤلاء المرشحين وهذا يعد خرقاً حتى للعرف البرجوازي المعمول به والمتعارف عليه في الأنظمة البرجوازية بما فيها أمريكا.

وقد، كان الأجدر بقيادة الحزب الشيوعي الروسي ـ زوغانوف أن لاتشارك في هذه المسرحية، ولديها قناعة كاملة وتجربة مريرة بعدم نزاهة وعدالة الانتخابات وأن النتائج معدة ومحسومة مسبقاً وخير دليل ما حدث في كانون الأول عام 2003 في الانتخابات البرلمانية، إن مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة بها ماهو إلا شكل من أشكال النضال السلمي وهو بنفس الوقت يعبر عن الاحتجاج على أسلوب هذه الانتخابات «الديمقراطية» ومن حق أي حزب سياسي أن يتخذ هذا الموقف السليم والموضوعي، ولكن يطرح السؤال على قيادة الحزب الشيوعي الروسي ـ غينادي زيوغانوف: ماهو الهدف من المشاركة في ظل نتائج محسومة مسبقاً؟

هل تريد قيادة الحزب الشيوعي الروسي في مشاركتها إعطاء الشرعية والتزكية للنظام الأوليغاركي في روسيا؟ وهناك أسئلة كثيرة بخصوص ذلك!!

نعتقد، أن استمرار قيادة الحزب الشيوعي الروسي ـ غينادي زوغانوف وفريقه على هذه السياسة غير الواضحة والتي يمكن أن يطلق عليها سياسة اللا سلم واللا حرب مع النظام البرجوازي الحاكم سوف تؤدي إلى انقراض هذا الحزب أو جعله حزباً ضعيفاً غير مؤثر في الحياة السياسية في أحسن الأحوال.

إن الحل الجذري يكمن في وحدة الحركة الشيوعية في روسيا على أساس النظرية الماركسية ـ اللينينية، والأممية البروليتارية، وأن يكون الهدف واضحاً للشعب وهو بناء الاشتراكية والشيوعية ولا حياد ولا تراجع عن ذلك.

فالمستقبل القريب هو الكفيل بإعطاء الجواب السليم والصحيح

موسكو 25/2/2004

 

■ د. نجم الدليمي