تكرار سيناريو العدوان على العراق الهدف السوري على الدريئة الأمريكية
دون اكتراثٍ منهم بمعارضة كولن باول، يحضّر الصقور المرحلة القادمة من إعادة تشكيل الشرق الأوسط: «لبرلة» لبنان والهجوم على سورية. وقد بدأوا بإعداد ملف الاتهام لتبرير هذه العمليات باستخدام نفس الكلام الذي استخدم لتبرير العدوان على العراق، أي مساندة «الإرهاب الدولي» وامتلاك أسلحة الدمار الشامل. ويعلم البنتاغون بأنّه يستطيع الضغط على الجنرال شارون، الذي يتشوق كثيراً لإقامة دولةٍ مارونية في لبنان ولإنهاء المقاومة الفلسطينية. وأن الترتيبات العسكرية ستكون قابلةً للتنفيذ في حزيران 2004.
بعد أفغانستان في تشرين الأول 2001 والعراق في آذار 2003، خطّط الصقور في الولايات المتحدة لنقل حربهم التي يعتزمون القيام بها في منتصف عام 2004 إلى سورية أو لبنان. كما سينتهي في حزيران استبدال القوات الموجودة في العراق بفرق عسكرية جديدة، ونشر وحدات جديدة في المنطقة وتحديث القوات البحرية في البحر المتوسط وبحر العرب.
تتابع واشنطن مشروعها الهادف إلى «إعادة تشكيل الشرق الأوسط»، الذي أعاد الرئيس بوش التأكيد عليه في خطابه عن حالة الاتحاد. وهذه الاستراتيجية تهدف إلى السيطرة على احتياطي الطاقة في دول الخليج والاستيلاء على أسواق جديدة، بالاستناد إلى إسرائيل بصفتها صلة وصلٍ إقليمية.
يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على التبعية المفترضة للأردن وعلى سلبية معظم الإمارات. فبعد أن سيطرت على العراق، لم تعد الولايات المتحدة ترى سوى بعض القوى خارج سلطتها الإمبريالية، وتشكّل إيران وسورية ولبنان عقدتها المركزية. كما أنّ المملكة العربية السعودية، التي تؤكّد من جديد منذ سنة على ضعف نيّتها في الاستقلال، مهدّدة هي الأخرى...
... علاوةً على ذلك، وللتغلّب على حركات المقاومة الفلسطينية، يتوجّب على إسرائيل أولاً تدمير قواعدها الخلفية، وبالتالي الدخول إلى لبنان وسورية.
إن عقيدة «الحرب الوقائية» التي طورتها إدارة بوش، والتي تسمح بضرب أي تهديد يقال إنه يهدد، الولايات المتحدة، تسمح للصقور بتحديد هدفهم المقبل فيما بينهم. شريطة أن ينظّم الناطقون باسم مختلف الهيئات الحكومية الدعاية ويبرزوا وجود التهديد، بما في ذلك باستخدام التهديدات الوهمية التي تصادق عليها مختلف أجهزة الاستخبارات، الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية. وبعد الحملة على العراق، أصبحت المواضيع معروفة: فيكفي توجيه الاتهام بالإرهاب وبتطوير أسلحة الدمار الشامل لتبرير تدخّل عسكري شامل في بلد ذي سيادة، بعيدا عن أي نطاق حقوقي، وكذلك احتلال ذلك البلد ونهبه. إن تقديم لبنان بصفته بلدا تحتله سورية يسمح بـ «تحريره»، ثم بملاحقة «الغازي» إلى دمشق.
وكمقدمة للنزاع الجاري تحضيره، انتهك سلاح الجوّ الإسرائيلي المجال الجوي اللبناني في تشرين الأول 2003 ليقصف «معسكرات لتدريب الإرهابيين» في سورية...
... وقد وصفت واشنطن وتل أبيب، وكذلك الصحافة الغربية في مجملها، هذا الاعتداء بأنّه جزء من الحرب الشاملة على الإرهاب. أولئك الذين رأوا مناسباً حينذاك الإشارة إلى أنّ هذا الاعتداء غير الشرعي في نظر القانون الدولي نادرون، قد تزامن مع الذكرى الثلاثين لحرب تشرين وينبغي بالتالي تفسيره على أنّه إنذارٌ نهائي ببدء العمليات العسكرية القادمة.
في كانون الثاني 2004، عبرت جرّافةٌ تابعة للجيش الإسرائيلي الخطّ الأزرق الفاصل بين البلدين، قبل أن تدمّرها صواريخ حرب الله. وقد أثار هذا الاختراق على الفور تحذيرات إسرائيل والولايات المتحدة الموجّهة ضدّ سورية من جديد، فدعتها للتخلّي عن مساندة «الإرهابيين» ولتفكيك أسلحة الدمار الشامل لديها.
اتهامات سبق تكذيبها
ونظراً للسياق التاريخي الثقيل وللاضطرابات الإقليمية الأخيرة، فإنّ قلق القادة السوريين، أمرٌ مشروع. خاصةً أن خطاب واشنطن وتل أبيب الموجّه إلى سورية يبدو منسوخاً عن ذلك الذي برّر التدخّل في العراق في آذار 2003. وبالفعل، لا يمرّ أسبوع دون أن يتحدّث مسؤولٌ إسرائيلي أو أمريكي أمام لجنةٍ برلمانية متخصصة في الشؤون الخارجية عن التهديد الذي تمثّله سورية على استقرار المنطقة. وهكذا، ففي العشرين من حزيران 2003، أعلن كولن باول أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع أرئيل شارون بأن سورية لا تزال «مساندة للإرهاب»، وسوف تتحمل نتائج ذلك. وفي الخريف، سمح ملف تسلّل الإرهابيين إلى العراق من سورية لوزير الخارجية الأمريكي بالضغط مجدداً على دمشق. وفي 16 أيلول 2003، أعلن نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون مراقبة الأسلحة والأمن القومي أمام لجنةٍ برلمانيةٍ أمريكية بأنّ سورية تواصل السماح لأشخاص مصمّمين على قتل جنود التحالف بالمرور إلى العراق. إضافةً إلى ذلك، فقد أكّد بأنّ «سورية سمحت بمرور العتاد العسكري إلى العراق قبل الحرب وأثناءها». وذكر كذلك حصول نقلٍ للأسلحة، لكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة، من العراق إلى سورية. وقال إنّ صدّام حسين قد أخفى أسلحة الدمار الشامل العراقية في سورية عشيّة الغزو الأمريكي. لكّنه قال إنّه عاجزٌ عن تأكيد أقواله بأيّة واقعةٍ مادّية...
كما أن موضوع أسلحة الدمار الشامل ذو أهمية كبيرة، كما برهنت على ذلك التجربة العراقية في الربيع الماضي. كلّ شيءٍ يجري إعداده إذاً في الدوائر الأمريكية لإبراز وجود برنامجٍ سرّي للتسلّح لدى دمشق. وهكذا، فقد أسبغت كوندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، أهميةً كبرى في كانون الثاني 2004 على شهادة نزار نيوف التي تشير إلى الأماكن التي دفنت فيها أسلحة الدمار الشامل العراقية لإخفائها عن المفتّشين في العراق. وكانت صحيفة هآرتس قد كشفت في 15 كانون الأول 2003، غداة اعتقال صدّام حسين، بأنّ هذا الأخير يمكن أن يتمتع بحماية الجيش الأمريكي له في حال كشف عن معلوماتٍ حول أسلحة الدمار الشامل، وخاصةً امتلاكه أو عدم امتلاكه لها، وصرّح في الحالة الأولى إن كان قد أخفاها حقاً في سورية عشية الغزو الأمريكي.
لقد سمحت هذه «الحقائق» المفروضة دون أيّ دليل بتبني قانون محاسبة سورية، وهو نظام من العقوبات التجارية والدبلوماسية اتخذ ضدّ سورية، وتركت الإجراءات المتعلقة به لتقدير رئيس الولايات المتحدة، فهو وحده يستطيع وضع آليات تطبيقه. مع ذلك، وكما هي الحال بالنسبة لملف أسلحة الدمار الشامل العراقية، فقد كذّب العديد من المصادر الرسمية المبالغات وعدم التجانس في هذه الاتهامات. وهكذا، ففي 12 شرين الثاني 2003، أعلن تيودور قطوف، السفير الأمريكي السابق في سورية، رأيه القائل بأنّ سورية لم تسهّل إطلاقاً مرور المقاتلين الأصوليين إلى العراق منذ شهر نيسان، وهو التاريخ الذي أغلقت فيه حدودها مع ذلك البلد. أما بالنسبة للهجوم الجديد الذي قام به حزب الله ضدّ جرّافةٍ إسرائيلية عبرت الخط الأزرق، فلم يجر التنسيق له إطلاقاً مع سورية، وذلك وفق تصريحات ضابط ركن في الجيش الإسرائيلي لصحيفة هآرتس اليومية.
تحضيراتٌ قبل العدوان
الأحداث تتسارع منذ اعتقال صدام حسين، والاشتباكات مع حزب الله تزايدت على الحدود بين لبنان وإسرائيل. إنّه تصاعدٌ في التوتر تفاقمه أقوال دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي، الذي صرّح في 8 كانون الثاني 2004 إنّه ينوي إرسال قواتٍ خاصة إلى سهل البقاع اللبناني الخاضع للسيطرة السورية، «بهدف ضبط الإرهابيين». ووفق صحيفة لوريان لوجور اللبنانية اليومية، فإنّ نقطة الانطلاق لمثل هذه العملية «بحرية، أو ربما برّية انطلاقاً من العراق، وسوف تجري بطريقةٍ «بوليسية»، تهدف تماماً إلى إلقاء القبض على «إرهابيين» يتزايد البحث عنهم.»
وترى الصحيفة كذلك في التغلغل الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية في العشرين من كانون الثاني 2004 إشارةً إلى التصعيد الحربي في المنطقة. وهكذا، ففي 22 كانون الثاني 2004، أشار إميل خوري في افتتاحية الصحيفة إلى أقوال دبلوماسيّ أوروبي مقيم في بيروت ورد فيها أنّ «السيد شارون ربما تراوده نفسه استغلال فترة الحملة الانتخابية الأمريكية، التي بدأت فعلاً، لينطلق في مغامرةٍ عسكرية جديدة بحجة مكافحة الإرهاب. ومن هنا نفهم رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي استئناف المفاوضات مع سورية انطلاقاً من النقطة التي وصلت إليها...
إن خطّة زعزعة المنطقة تبدو جاهزةً إذاً، ويبدو مجال تطبيقها محدداً بسهل البقاع. ولم تخدع نشرة جينز إنتليجنس دايجست بذلك، فقد خصصت مقالاً يوم الجمعة 23 كانون الثاني للتصريحات الأخيرة الصادرة عن الإدارة الأمريكية والمتعلّقة بسورية، وكتبت أنّ دونالد رامسفيلد ينوي التحريض على حدوث مواجهة عسكرية مع سورية بمهاجمة قواعد حزب الله قرب الحدود السورية - اللبنانية. لكن سرعان ما ظهرت عوائق على الطريق إلى دمشق: ففشل اجتماع المعارضة السورية الموالية لأمريكا الأسبوع الماضي في فندق «هوليداي إن» في بروكسل يستدعي تأخر إقامة بديلٍ سياسيٍ خانع يتمتع بالمصداقية، كما كانت عليه الحال بالنسبة للمجلس الوطني العراقي بقيادة أحمد الجلبي. لكن الضربة الأقوى أتت من الولايات المتحدة، ففي منتصف كانون الثاني، استقال ديفيد كاي، رئيس فريق المفتشين الأمريكيين المكلّف باكتشاف أسلحة الدمار الشامل العراقية، مشيراً إلى أنّ برنامج التسلّح لدى صدّام حسين لم يستأنف بكلّ تأكيد منذ نهاية حرب الخليج الأولى. وهو تأكيدٌ اضطرّ لتوضيحه، بعد بضعة أيام، في تصريحٍ موجز لصحيفة سانداي تيليغراف، بل ذهب إلى الإقرار بأنّ «عناصر من برنامج أسلحة الدمار الشامل» في نظام الدكتاتور العراقي الأسبق قد نقلت بالفعل إلى سورية قبل الحرب، على الرغم من أنّ الأمر لا يتعلّق هنا «بكمياتٍ كبيرة من الأسلحة»، بل هي مجرّد بقايا برنامج تسلّحٍ جرى التخلي عنه منذ 13 عاماً. إنّ هذه الإشكالية، التي تأتي على لسان خبيرٍ رسميٍّ في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، تظهر معارضة تلك الوكالة للمحافظين الجدد، ورغبة مديرها جورج تينيت في حرمان البنتاغون من ذريعةٍ لا أساس لها.
أخيراً، يمكن أن نلاحظ بأنّ خطة الصقور، المعدّة منذ فترةٍ طويلة، تلاقي صعوبةً غير متوقعة. فتركيا، العضو في حلف شمالي الأطلسي والحليف العسكري لإسرائيل، قد أخلّت بتضامنها مع الولايات المتحدة أثناء الحرب على العراق. لقد رفضت المشاركة في تلك الحرب ومنعت التحالف من استخدام أجوائها، واضطر البنتاغون بسبب هذا التحوّل إلى إعادة تشكيل قواته قبل البدء بالعدوان، مما أدّى إلى زيادةٍ كبيرة في كلفة تلك العملية...
... لم تعد النظرية الهنتنغتونية القائلة بوجود محور شرٍّ شيعي (إيران وسورية ولبنان) تتوافق مع التحالفات الحالية.
غير إنّ حكومة أرئيل شارون ربما تستفيد من الحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة لشنّ عدوانٍٍ عسكريٍّ إقليمي. وربما تستخدم صلاتها المميزة مع «صقور» إدارة بوش من أجل دفع البنتاغون إلى حربٍ لا يزال البعض يتمنّون أن يكونوا قادرين على منعها.
■ بول لاباريك
● عن شبكة فولتير 27 كانون الثاني