هل أنت سعيد؟ العولمة.. والوصفة السحرية للسعادة

بين هذين الرأيين يتنازع علماء العالم اليوم، لحل المعضلة القديمة الحديثة التي أرَّقت الإنسان دوماً.

هل أنا سعيد؟ كيف أصبح سعيداً؟ ما هي معايير السعادة؟ كيف يمكن للبشر جميعاً أن يصبحوا سعداء؟

بحثت فلسفات العالم وأديانه، ومازالت تبحث، من أجل الوصول إلى السعادة، بمفهومها الشخصي وبمفهوم سعادة الجنس البشري عموماً، ولكن يا ترى: ما هي السعادة؟

(ما هي السعادة؟)

يقول البعض: السعادة هي المال، فعندما أملك المال، أملك السعادة؛ لأنني أستطيع بذلك التفوق على من حولي وإظهار ممتلكاتي.

وآخرون يقولون: السعادة هي السلطة والسطوة والقوة لأنه دون ذلك لا يمكن إبراز المقدرات والتباهي بها أمام الجموع.

ويتنطح آخر للجواب قائلاً: بل هي في الديمقراطية، لأنني عندما أعبر عن آرائي بكل حرية وأحصل على احترامي بين الآخرين فأنا سعيد.

وينبري أحدهم ليعبر عن أن الأمر كله متعلق بالوراثة، فللسعادة إلى حد كبير أساس بيولوجي فنحن نحمل سعادتنا وتعاستنا في الجينات الوراثية ولا نختلف عن آبائنا إلا بمقدار ما تتنوع مورثاتنا.

(نواقل عصبية)

ولكن ـ يقول الأخير ـ لقد أثبت العلم أن الموضوع كله هو في الناقلات العصبية في الدماع فنقص هذه الناقلات (كالسيروتونين والنور بينفرين والدوبامين) يسبب الاكتئاب والتعاسة وإن تعويض ذلك ممكن بشكل بسيط فعقار البروزاك (وغيره) المنتج في نهاية الثمانينات من القرن العشرين أثبت فعاليته في إضفاء السعادة على حياة متناوليه.

نحن نولد جميعاً سعداء وفي داخلنا توق طبيعي إلى السعادة يظل معنا طوال العمر.

وكل شخص على وجه الأرض يمكن أن يكون سعيداً. السعادة هي إحساس بالغبطة الحقيقية الطويلة الأمد، هي درجة رضا الإنسان عن حياته، وهي ليست ضحكة طيبة أو لهواً قصيراً، أو سروراً زائلاً، ليست بضع لحظات هانئة نقضيها قبل أن نعود إلى الحياة القاسية. إن السعادة شيء مختلف، فهي لا تروح وتأتي بل باقية معنا بغض النظر عن الانفعالات اللحظية.

كلنا ننشد السعادة، فالسعادة هدف نسعى إليه جميعاً. كل إنسان ـ أياً كانت ثقافته أو عمره أو درجة تعليمه أو وضعه المادي ـ يريد أن يصبح سعيداً.

رغبتنا في السعادة لا حد لها، توقنا العاطفي إلى أن نُحِب ونُحَب، دافعنا الجسدي إلى الجنس والطعام والشراب، نزعتنا إلى التعبير الفني أو العلمي، جوعنا الروحي إلى معرفة الحقيقة في عالم مشوش، كل هذه الرغبات تختلط وتمتزج، لتنتج عنها رغبة عارمة لا تقاوم فيما نسميه السعادة.

(ديمقراطية)

تقول الدراسات بأن مستوى سعادة المجتمع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بازدهار الديمقراطية وارتفاع مستوى الحقوق السياسية والحريات المدنية ولكن: أية ديمقراطية نعني وأية حقوق؟ إن الأمر ليس بهذه البساطة، فسعادة الشعب الروسي لم ترتفع مع الانتخابات «الحرة» عام 1991 بل انخفضت. ويبدو أن التدهور الاقتصادي والتغيرات الأيديولوجية والمعدل المرتفع للجريمة كان لها أثر على سعادة هذا الشعب أكبر من أثر التحرك نحو «الديمقراطية».

من ناحية أخرى نجد أن الصين قد تحركت قليلاً نحو اقتصاديات السوق دون تغيير شديد في نظامها السياسي والاقتصادي ورغم ذلك فمستويات السعادة فيها أفضل بكثير، من عدد من الدول الغربية.

(عولمة)

يروج الآن أن السعادة الحقيقية تكمن في العولمة لأن العولمة حسب رأي البعض لها أثر في زيادة الدخل. فهل هذا صحيح؟

كتبت لورا داندريا تايسون، المستشارة الاقتصادية القومية السابقة للرئيس كلينتون مؤخراً «في الوقت الذي زادت فيه كثافة العولمة، ازدادت الهوة بين دخل الفرد في الدول الغنية والفقيرة اتساعاً».

إن مستوى الرفاهية المتزايد في الدول النامية الأكثر انفتاحاً مُضِلل لأن الناس الأكثر فقراً يُتَركون في المؤخرة ولا تشملهم الدراسات. حيث ظهر أنه في الدول ذات الاقتصاد الأكثر انفتاحاً وعولمة وخلال العقود الأخيرة، ورغم ازدياد الدخل الوطني فإن ذلك الجزء الذي يذهب إلى الخُمس الأدنى من قياس الدخل لم يتغير، بل يعيش اليوم 1.2 مليار «إنسان» على ما يقل عن دولار واحد في اليوم.

(هل الياباني أسعد)

لو كانت السعادة تشترى بالمال لكان الناس في الدول الغنية أسعد ـ في المتوسط ـ من الناس في الدول الفقيرة، وربما كانت إحدى أفضل الدراسات عن هذه القضية هي التي تمت عبر بضع سنين في أواخر ثمانينات القرن العشرين عندما أُجري مسح على 170 ألف شخص في ست عشرة دولة صناعية باستخدام استمارات استبيان قياسية، اتضح فيها أن متوسط مستوى السعادة لا يتأثر إلا قليلاً بدخل الفرد. فدخل الألماني يبلغ نحو ضعف دخل الايرلندي، لكن الايرلنديين كانوا أسعد. كان البلجيكيون أسعد من جيرانهم الفرنسيين الأغنياء، أما اليابانيون وهم من أثرى شعوب العالم، فكانوا من بين الدول الأقل سعادة.

لكن هل الأغنياء في أية دولة أسعد من مواطنيهم الفقراء؟

يقول بحث أجري عام 1993: إن الأشخاص الأثرى يكونون في المتوسط أسعد، إنما بفارق ضئيل جداً. وقد أثبتت بحوث عديدة أجريت بعد ذلك صحة هذه النتيجة: إذا ما توافرت للإنسان متطلباته الأساسية (الملبس والمأكل والمسكن والصحة) فإن أية إضافة للدخل لا تضيف إلى السعادة إلا القليل جداً.

ومن ذلك يتضح أن العامل الحاسم الأول في السعادة هو الاكتفاء المادي والعامل الحاسم الثاني هو الحياة الروحية المتوازنة أي في العلاقات الأسرية والاجتماعية، ثم الحياة الثقافية والسياسية، وإن أية زيادة في الدخل عن هذا المستوى لا تلعب دوراً حاسماً في زيادة السعادة بل أنها قد تلعب دوراً عكسياً، حيث تعطي الإحساس بالرغبة في المزيد والمزيد، وتتغلب العقلية الاستهلاكية التي لا تشبعها كل الأموال ومهما زاد الدخل.

وبالتالي تعمل مفعولاً عكسياً مسبباً للتعاسة بسبب عدم الشعور بالاكتفاء والراحة، وبالتالي العودة إلى حالة الاكتفاء المادي وكأن الأمر يتطور بشكل حلزوني، فالزيادة لها مفعول وقتي، يزول بعد فترة ويعود المرء إلى مرحلة التعاسة وهكذا... إن ما يرتبط بالسعادة بعد الوضع المادي هو الروابط الاجتماعية المتينة، علاقات الحب الطويلة، الشعور بالتفاؤل والاستعداد الصريح للخبرات الجديدة، الانشغال بعمل ذي معنى، والتوحد مع قضية أو فكرة أكبر من ذات الفرد الواحد أي تحمل طابعاً جماعياً وإنسانياً.

موطن التعاسة

تدل الدراسات على أن الدول الفقيرة هي موئل التعاسة وأن الدول شديدة الغنى ليست بالضرورة موطن السعادة.

صديق = +60%

إن الصلات المتينة مع الأصدقاء وأفراد العائلة الواحدة أي الروابط الاجتماعية القوية والحميمية تساهم مساهمة قوية في تحقيق السعادة، تبلغ نسبة 60% بالمقارنة مع من لا يملك مثل هذه العلاقات.

حمى الترف

لماذا لا يتوقف الأغنياء عن السعي إلى المزيد من الأموال بعدما يحققون كل حاجاتهم وكل ما يحلمون به؟

الواقع أنه لا تتوقف أحلامهم وسعيهم وراء السعادة المنشودة، فإن كان لديك منزل فلتحلم بالفيلا، وإن كانت لديك سيارة فلتحلم باليخت أو الطيارة الخاصة، وإن كنت قد قمت بكل رحلات السياحة الممكنة فلم لا تذهب إلى القمر، هل يجلب هذا مزيداً من السعادة؟ الواقع أن الجواب هو «لا»، لأن المفعول هو دائماً لحظي بمعنى أن تسعد فترة قليلة جداً بما هو جديد حتى تعتاد عليه.

10 آلاف دولار أو خط السعادة

كما يوجد خط للفقر، يبدو أنه يوجد خط للسعادة يقع عند تخوم العشرة آلاف دولار سنوياً فهل أنت سعيد؟

قتلى...

يبدو أن الحروب والاضطرابات السياسية التي تسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والمجازر تجعل الناس أبعد ما يكونون عن السعادة رغم ما يروج من أن هذه الحروب هي في سبيل الديمقراطية كما يقول جهابذة الحلف الأطلسي...

ما علاقة شبكة الاتصالات؟

يرى علماء النفس أن شبكة الاتصالات الكونية تزداد بشكل كبير مما يجعل إمكانية المقارنة بين العالم الغني والعالم الفقير أكبر بكثير، وهذا له عواقب «وخيمة» لأنه سيؤدي قريباً إلى أن يعتري فقراء العالم إحساس قوي وجماعي إلى حد كبير بالحسد والسخط تجاه أغنياء العالم أجمعين.

الصراع الطبقي والعولمة

يتنبأ علماء الاجتماع البرجوازي اليوم بأن الصراع الطبقي على مستوى العالم سيصبح «فوق قومي» وسيكون أشد، ويحاولون منذ اليوم البدء والاستعداد للتصدي له.

تعساء التلفزيون

ألقى أحدهم باللائمة في التعاسة على التلفزيون لمساعدته فيما لحق من اهتراء بالنسيج الاجتماعي في الدول الصناعية، وتآكل كل شيء، من المشاركة المدنية، وحتى القيام بالنزهات.

إن الكثير من مشاهدي برامج التلفزيون تعساء إلى حد كبير، وإن كان السبب في ذلك هو أن التعاسة هي التي تقود الناس إلى مشاهدة التلفزيون.

Internet Cafe أو مقهى الانترنيت

لم تكن مقاهي الإنترنت جزءاً من البيئة الطبيعية التي نشأ فيها الإنسان العامل «Homo sapiens»

فالأمر الطبيعي أننا نحصل في الغالب على إشباع حاجاتنا الاجتماعية من الاتصال المباشر، وليس من خلال جمل على شاشة الكومبيوتر. بل يبدو أننا نشأنا في ظل مجتمعات صغيرة وحميمية كانت تتيح الفرصة للروابط الاجتماعية طويلة الأمد، فما نريده ليس مجرد «أصدقاء بمعنى «المعارف» أو حتى «الزملاء». رغم أن البريد الإلكتروني هو وسيلة اتصال على عكس التلفزيون وهو يعني بحثاً عن علاقات مع الآخر ولو كان في الطرف الآخر من هذا العالم.

عاطل

من تجربتي الشخصية، أدرك الآن أن واحداً من مقومات السعادة الأساسية في مستوياتها الدنيا هي أن تجد عملاً، قبل أن تفكر في مستوى الدخل، فلا سعادة لعاطل عن العمل، مهما قيل غن استمتاعه بأوقات فراغه المحسود عليها.