الآفاق الخمسة المسدودة... للسياسة الأمريكية

تعاني السياسة الأمريكية من خمس مشكلات كبيرة وشاملة.. وهي:

 1.تباطؤ النمو الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية واحتمال تدني مستوى الإنتاج.

2.احتمال تقارب روسيا والهند والصين.

 3.احتمال تصاعد التناقضات بين الولايات المتحدة وأوربا.

4.التوتر في الشرق الأوسط، وهنا يركز المحللون على الأوضاع الداخلية في بلدان المنطقة المنتجة للنفط ويصل المحللون إلى استنتاج غير متوقع وهو إن البلدان التي كانت تعتبر الأغنى من حيث ملكيتها للبترودولار تقف على حافة أزمة اقتصادية سيرافقها هبوط حاد في مستوى المعيشة بالتالي احتمال عدم الاستقرار السياسي فيها.

5.الوضع في روسيا الذي يعدد باهتزازات كبيرة يمكن أن تؤثر على دول عديدة. وسنتناول هنا الوضع في الشرق الأوسط بالتفصيل:

الجديد - القديم

إن الحديث عن النفط في الشرق الأوسط والبلدان المنتجة له ليس جديداً، ففي أوائل القرن العشرين لعبت روسيا دور خزان النفط العالمي حيث تمركز فيها روكفلر روتشيلد ونوبل بشكل عميق وجنوا نقوداً كثيرة من نفطها وقد كتب لينين في حينه عن الجوع النفطي الذي يصطنع لجني أرباح خيالية. إن كلمات لينين هذه لها أهمية راهنة، واليوم عند الحديث عن التغير في أسعار النفط وما يرافقه من ظواهر اجتماعية سياسية، يجب أن نتذكر الشيء الأساسي وهو: أنه بين البلدان المنتجة للنفط وبين المستهلكة، يقف وسطاء كبار هم الشركات النفطية الملتفة حول الشركات العملاقة الكبيرة المسماة «بالأخوات السبع» إن هذه الاحتكارات هي المشتري الأساسي من المنتجين والمسوّق الأساسي للمستهلكين. ومنذ اتفاقية «أشناكاري» في 1928 تحدد هذه الاحتكارات الأسعار العالمية للنفط، إن مستوى الأسعار هذا يتوافق دائماً مع مصالح الشركات العالمية. إن المحللين الفرنسيين الذين تابعوا سياسة الشركات النفطية ما فوق القومية حللوا عبر الكمبيوتر قاعدة بيانات إحصائية كبيرة ووصلوا إلى نتائج مدهشة: كل شيء يبدأ بأسعار مخفضّة للنفط، أسعار تحفّز المستهلك على استخدام مصادر أخرى للطاقة، وفي هذه الحالة تعمل بكل طاقتها صناعة آليات الطاقة، وتُنتج أدوات النقل الضرورية (وخاصة ناقلات النفط) وتتكوّن البنية التحتية الضرورية لذلك من موانئ ومستودعات وأنابيب ضخ.

الارتفاع الحاد للأسعار

بعد ذلك ترتفع الأسعار بشكل حاد. طبعاً لا يستطيع المستهلكون في هذه الحالة تغيير التجهيزات والبنية التحتية، ويضطرون لفتح محافظهم النقدية أكثر فأكثر، فهم مضطرون للخضوع لشروط شركات النفط. من الناحية الإحصائية يؤكد ذلك تجربة أزمة (1971)، إذ ارتفعت أسعار النفط في حينه (400%) وانخفض الطلب بحدود (1%) فقط وازداد رقم أعمال عمالقة النفط (1000%)!!

إن الأرباح الطائلة التي ضخت نتيجة هذه العملية وظفت في مصادر أخرى للطاقة، فحم، محطات كهرذرية، محطات هيدروليكية. وبهذه الحالة تحصل صناعة الآليات المرتبطة بالطاقة على طلبيات جديدة وتتكون بنى تحتية جديدة، وبالتالي ينخفض الطلب على مشتقات النفط، إذ تبدأ بمنافستها مصادر الطاقة الأخرى.

وهنا تنخفض مرة أخرى بشكل حاد الأسعار على النفط وينتعش السوق النفطي، ويبدأ كل شيء من جديد.. يجب أن نلاحظ أن تغيرات وقفزات كهذه تحمل في رحمها خطر هزات سياسية.

من أجل أرباح أعلى

يعتقد المحللون الفرنسيون أن الشركات الكبرى لا تعتمد فقط على النفط، وإنما أيضاً على صناعة الآلات المرتبطة بالطاقة الذرية وعلى موارد الفحم واليورانيوم وعلى بناء آلات الطاقة الهيدروليكية وصناعة السفن، وتستخدم كل ذلك بشكل ماهر للحصول على الربح الأعلى من سوق الطاقة.

إن مخطط الطاقة العالمي يكشف قفزات لفوق ولتحت في هذه الفروع المختلفة، ولكن المحدد لكل ذلك هو عمالقة النفط.

الصحافة «الحرة».. وشيوخ الشرق

ولكن أين هي البلدان المنتجة للنفط؟! إن البلدان المصدرة تحصل على حصتها من المستهلكين ولكن هذا مقابل أنها تتحمل مسؤولية تغير الأسعار النفطية.

فعندما ترتفع الأسعار، تبدأ الصحافة «الحرة» بالصياح بأن شيوخ الشرق أعلنوا الحرب على الحضارة الغربية، ولا تنبس ببنت شفة حول الاحتكارات النفطية التي تتحكم فعلياً بالسوق وتحصل منها على النصيب الأكبر. طبعاً هناك اختصاصيون في البلدان المنتجة للنفط وحسب تقديراتهم فإن البلدان المصدرة تحصل على (13%) لا أكثر من سعر مواردها النفطية، أما الباقي فيحصل عليه أولئك الذين يكررونه وينقلونه ويبيعونه.

تحويل النفط إلى سلاح سياسي

 هذا الوضع لا يعجب طبعاً الكثيرين في البلدان المصدر المنتجة للنفط، وليس الكل مستعداً لأن يوافق على ذلك مدة طويلة، إذ أن هنالك قوى مستعدة أن تحول النفط إلى سلاح سياسي. هكذا حصل في 17 تشرين الثاني 1973 عندما قررت المنظمة العربية للبلدان المصدرة للنفط (أوابك) أن تفرض حظراً جزئياً على النفط العربي بسبب الحرب. وكان رد فعل السوق العالمية ارتفاع حاد لأسعار النفط، واهتز آنذاك كل شيء لأن الطاقة تدخل في قيمة كل مُنتج، وانطفأت الإعلانات وبردت البيوت. وقد نشرت إحدى الصحف الأمريكية صورة لزوجين شابين يستحمان على ضوء الشموع، وبدا أنه بعد قليل سوف تضمحل الحضارة الغربية.. ولكنها لم تضمحل.. ولكن الذي حصل أن مستهلكي البنزين والمازوت قد أُفرغت جيوبهم على حساب الشركات الكبرى التي انتفخت أرباحها، وكأن الأمر انتهى هكذا، ولكن لا.. إذ كما لاحظ مختصون ضليعون أن البلدان المنتجة قد عرضت عضلاتها، ومع أنها لم تحصل على النتيجة المطلوبة، ولكن رسالتها وصلت في أنه يجب أن تؤخذ مصالحها في عين الاعتبار.

كارتل «الأخوات السبعة»

إن التحليل يبين أن الوضع في العالم النفطي قد تغير في النصف الثاني من القرن العشرين، فكارتل الأخوات السبة قد فقد بعض مواقعه، فأطرافه أصبحت إما مشترياً أو وسيطاً في أكثر البلدان المنتجة للنفط، وإما مساهماً في الشركات المشتركة، ولكن الكارتل حافظ على مواقعه وعززها في عملية تكوين الأسعار مستخدماً مواقعه في سوق التصريف. لقد ناور بشكل ماهر باحتياطاته من المحروقات السائلة ونظم مضاربات كبيرة في السوق الحرة روتردام «هولندة» إما مصعّداً وإما مخفضاً الأسعار.

مساومات...

مع ذلك يعتقد المختصون أنه يجب عدم إغفال فعالية التنسيق بين البلدان المصدرة للنفط (أوبك) فالغرب تابع لمصادر النفط التي تتحكم فيها الأوبك، ولكن الأوبك بدوره تابع للطلب على النفط وتابع للتجهيزات والتكنولوجيا الغربية لذلك فإن سعر النفط في كل لحظة هو إلى حد ما مساومة بين الشركات الغربية وبين الأوبك آخذاً بعين الاعتبار عوامل عديدة اقتصادية وسياسية، وإذا استخدمنا الطريقة الماركسية في التحليل فيمكن أن نؤكد أنه تجري بشكل دائم عملية لي الذراع بين رأسمالية الدولة الاحتكارية الغربية وبين الدول البرجوازية المنتجة للنفط. إذ تكوّنت هنا مجموعة تناقضات معقدة تتجلى على السطح بمساومات غير مبدئية وألعاب سياسية. إذاً البلدان المنتجة للنفط استخدمت نهوض حركة التحرر الوطني وحاجة الغرب للنفط من أجل أن تحصل على تنازلات في هذا الصراع المعقد من قبل المنافسين ـ الشركاء الغربيين.

»جنة».. المراحيض الذهبية

يجري تصوير بلدان الأوبك الآن في النشرات السياحية وكأنها جنة الله على الأرض، فنادق، شواطئ، هواء نظيف وبحر صافٍ.. وإذا أضفنا إلى ذلك البنية التحتية المتطورة وخاصة في مجال النقل ومستوى الحياة المرتفع والمراحيض الذهبية في بيوت الأمراء المحليين، يظهر أن الوضع هناك جيد جداً.. ولكن هل سيبقى كذلك لمدة طويلة؟!

حسب تحليلات الخبراء الأمريكيين التي بدأت منها هذه المادة، فإن طول مرحلة الرفاه في هذه البلدان مشكوك بأمرها. فالنفط في السوق العالمية يصبح أكثر وأكثر.. وهنالك نفط أوروبا الشمالية الآلاسكا وبحر قزوين إذا لم نأخذ بعين الاعتبار الاحتياطات المدفونة في تركمانية.

إن الشركات الغربية ستجد الوقت الملائم للضغط على بلدان الأوبك للتخفيض الدوري للأسعار.

ويجب أن لا ننسى الميل الواضح اليوم لانخفاض وتيرة النمو في الولايات المتحدة نفسها التي تجر وراءها العالم الغربي كله. وكما يكتب الصحفيون الألمان: أن القاطرة الأمريكية تتباطأ!!

لذلك في هذه الظروف من المحتمل جداً أن يزيد فائض النفط في السوق وأن ينخفض الإنتاج في البلدان المصدرة، وبالتالي سينخفض مستوى معيشة سكانها. إن الانقلابات لا تحدث عادة عندما يعيش الناس بشكل سيئ وإنما عندما يعيشون اليوم أسوأ من البارحة.

المشكلة.. من سيجلس على....

إن التطور الحاصل سيدفع إلى أمام الساحة السياسة بقوى سياسية جذرية ومن الصعب التنبؤ من سيجلس على المراحيض الذهبية قريبا!! ومن الطبيعي أن يشكل عدم الوضوح هذا مشكلة للسياسة الأمريكية بسبب عدم وضوح آفاق المستقبل.

 

* إعداد «قاسيون» نقلاً عن صحيفة «غلاسنست» جريدة الحزب الشيوعي السوفييتي عدد رقم /2/2001