إرضاء الاستعمار أصعب من إغضابه.. حصان الداخل المنيع وحده كفيل بجر عربة سياسات خارجية مشرفة

■ كتب محرر الشؤون الدولية:

في ذات اليوم الذي تقدمت به سورية ومجموعة دول عدم الانحياز بمشروع قرار إلى الأمم المتحدة يمنع إسرائيل من تنفيذ تهديدها بإبعاد رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات أو اغتياله، وهو القرار الذي قوبل كما كان متوقعاً بفيتو أمريكي رغم كون التحرك الإسرائيلي سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، كان الكونغرس الأمريكي، ومع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة وبهدف استمالة أصوات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة واسترضائها، يناقش ما يسمى بقانون محاسبة سورية وذلك تحت ذرائع إما مختلقة أو محرفة من شاكلة «تطويرها برامج أسلحة دمار شامل»، «دعمها لجماعات إرهابية» أي فصائل المقاومة، حماس والجهاد، وثالثاً «تهريبها عناصر مقاومة إلى الداخل العراقي».

ودون الخوض في تفنيد هذه المزاعم يبدو أن واشنطن باتت ترى أنه آن الأوان أمريكياً أمام سورية لتنفيذ المطلوب منها في التخلي عن جملة سياساتها الإقليمية التي تزعج واشنطن رغم كل «التلطيفات التكيفية» التي أدخلتها عليها، في حين أرادت واشنطن من خلال الفيتو فتح الطريق أمام تل أبيب لتنفيذ تهديدها ضد عرفات في أي لحظة. 

من جانب آخر، ولتحييد أي انتقاد دولي للتحرك الأمريكي المشبوه ضد سورية بغية ممارسة المزيد من الضغوط عليها، ولإظهار أن البيت الأبيض يقوم بـ «سياسات متوازنة»، عمدت الإدارة الأمريكية للتلويح بتجميد تقديم جزء من المساعدات الأمريكية المقدمة للكيان الإسرائيلي بسبب استمرار هذا الكيان ببناء المستوطنات والجدار العنصري الفاصل الذي يلتهم 58% من أراضي الضفة الغربية وأجزاءً واسعة من قطاع غزة، متجاهلة، أي الإدارة الأمريكية، دور بقية مساعداتها ودعمها العسكري والسياسي المتواصل فعلياً في تغذية الإرهاب الإسرائيلي المتواصل بدوره ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني.

اللافت في الأمر أن كلاً من تقديم مشروع القرار ومناقشة الكونغرس تزامنا مع زيارة مفوض الاتحاد الأوربي كريس باتن إلى دمشق ولقائه بالمسؤولين السوريين وعقده مؤتمراً صحفياً مع وزير الخارجية فاروق الشرع.

وفي هذا المؤتمر كان الأستاذ الشرع في رده على أسئلة الصحفيين واضحاً في أن إرضاء واشنطن صعب التحقيق، وأن سورية مستعدة لتعاون إيجابي وبناء معها في إطار الأمم المتحدة، وأن مسألة العقوبات التي يلوح بها الكونغرس ضد سورية هي مسألة تخص أصحابها، غير أن باتن الذي جاء بشكل رئيسي كما هو معلن لمناقشة آفاق توقيع اتفاق الشراكة بين سورية والاتحاد الأوربي سرعان ما علق مبدياً تخوفه من انعكاس القرار الأمريكي المحتمل والمندرج تحت بند القرارات والتشريعات الخارجة عن النطاق الإقليمي الأمريكي على الشركات الأوربية.

وسواء كان باتن صادقاً في تخوفه، بمعنى أنه يشير إلى أشكال أخرى للضغوط الأمريكية على الاتحاد الأوربي، أو كان هو الآخر يلوح بطلب المزيد من التعديلات التكيفية السورية لاحتواء التصعيد الأمريكي فإن موقفه يظهر أنه لا يمكن الاعتماد كلياً على قاطرة الدعم الأوربي الأعرج تحت تأثير منطق التحالف والتناقض مع واشنطن بحسب لعبة المصالح.

ومع توالي الوفود الأوربية والأجنبية عموماً التي تأتي إلى سورية منظِّرة حول المرونة والانفتاح السياسي والتحرير الاقتصادي بالوصفة الليبرالية، ومع ازدياد الضغوط الحقيقية على سورية وبروز التحديات أمامها يبرز السؤال عن الخيارات المتوافرة أمامها ويُطرح السؤال الأساسي: لماذا يكون الانفتاح قائماً على جميع الأطراف في الخارج وممثليهم في الداخل باستثناء الجماهير؟ وألا يمكن قيام انفتاح حقيقي يسترجع ثقة هذه الجماهير وخاصة في المسائل الداخلية المعيشية؟

وتزداد أهمية ذلك مع التحضير لإعلان حكومة جديدة في البلاد ليصبح السؤال: ماذا بخصوص تفكيك نظام آليات النهب والفساد في البلاد، دون الاكتفاء بملاحقة أفراد ضمن هذه الآليات؟ وهل سيتضمن التغيير الحكومي تغيير سياسات أم سيكتفي بتغيير وجوه لتبقى الأمور على حالها مع تعديل في وسائل النهب ومحاصصته، وليبقى اغتراب المواطن قائماً في وطنه؟ ألا يمكن، ومن خلال إعلان نوايا لبرنامج عمل وطني حقيقي وتراكمي يخدم الشرائح الأوسع في المجتمع لا أقليته اقتصادياً-اجتماعياً التي تغتني على حسابها، إطلاق حالة جماهيرية، تسهم بدورها في إطلاق حالة جماهيرية عربية؟ (وللتذكير هنا، فإنه وإبان التحضير للعدوان الأمريكي البريطاني على الشعب العراقي وفي مراحله الأولى التي سبقت سقوط بغداد شكّل الموقف السوري قاطرة فعلية لمواقف رفض الشارع العربي وتظاهراته التي خلقت حالة فرز عربية بين منطق المواجهة ومنطق الاستسلام ومنطق الحياد وهي ذات المواقف التي كادت في مصر مثلاً أن تُسقط نظام حسني مبارك مع ما ينطوي عليه ذلك من أهمية تجاه استمرار منطق المواجهة والصمود العربي).

قد يقول قائل: إن الهيجان الأمريكي القائم الآن لن يتوانى عن تنفيذ تهديده بضرب سورية… ولكن التساؤل المطروح: هل واشنطن قادرة على ضرب سورية وهي التي ترزح حالياً بين سندان عدم اكتمال مشروعها السياسي الاقتصادي الاجتماعي في العراق ومطرقة الخسائر المتلاحقة التي يمنى بها جنود الاحتلال على يد المقاومة العراقية المتنامية، مثلما باتت تتحسب من منطق المواجهة الذي اعتمدته بيونغ يانغ مع تهديداتها مثلاً؟

وفي كل الأحوال يبقى من الثابت في تاريخ تجارب الشعوب قديمها وحديثها أن حصان الداخل المنيع وحده كفيل بجر عربة سياسات خارجية مشرفة.

■ عبادة بوظو

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.