أكثر من 5000 ضحية.. ثمن قرع طبول الحرب الرأسمالية: حرب عالمية أمريكية ـ صهيونية ضد الشعوب
مصادر أمريكية: «البنتاغون» كان على علم مسبق بالضربة التي تلقاها!
في الحادي عشر من الشهر الجاري تعرضت الولايات المتحدة لعدة عمليات شبه حربية ودقيقة التخطيط والتنفيذ استهدفت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع في واشنطن وأوشكت على إصابة البيت الأبيض أو طائرة الرئيس بوش نفسه حسبما ذكرت محطات التلفزة الأمريكية ذاتها. وكانت وسائل الهجوم المستخدمة أربع طائرات قالت مصادر الإعلام والاستخبارات الأمريكية إنها اختطفت من المطارات الأمريكية. ونجم عن العمليات مقتل جميع الركاب المفترضين على متن الطائرات إلى جانب فقدان، وعلى الأغلب، مقتل أكثر من 5000 إنسان تحت ركام مبنى التجارة العالمي وقرابة 188 شخصا في مبنى البنتاغون ناهيك عن الدمار الهائل الذي لحق بالمباني المستهدفة كلياً أو جزئياً، والهزة الضخمة التي أصابت كبرياء العنجهية الأمريكية بعدما تكشف بشكل ما ولسبب ما ضعف بنيتها الأمنية في العمق.
اختلاق عدو وهمي
وفور وقوع العمليات، ورغم الذعر والهلع الذي ساد الشوارع الأمريكية وبعض عواصم العالم، سارعت وعلى نحو مباشر وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى والمعروفة باتصالها الوثيق بأوساط الاستخبارات المركزية الأمريكية وإسرائيل، وضمن عملية اختلاق العدو الوهمي الذي أصبح لونه، بعد«الأحمر» في فترة الحرب الباردة، «أخضر» مع بروز الحركات الأصولية في مناطق مختلفة في العالم، سارعت إلى توجيه أصابع الاتهام إلى العرب والمسلمين والشرق الأوسط ومحيطه، منتقيةً الأداة الجاهزة لديها والتي تم اصطناعها أمريكياً بالأساس والتي بات يجري استخدامها من قبل أوساط الاستخبارات والإعلام الأمريكي فور استهداف أي من المصالح والمنشآت الأمريكية في العالم، أي المليونير السعودي أسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه.
حرب.. بقيادة الإعلام
ومنذ تلك اللحظة بدأت وسائل الإعلام هذه بعرض الخطوط التي تبدو كسيناريو محكم الإعداد وبصيغة دفق سريع يجعل كبار سياسيي الولايات المتحدة بالكاد يلحقون أنفسهم بالإدلاء بذات التصريحات التي تذهب إليها التسريبات الإعلامية الأمريكية والغربية والتحليلات المبنية عليها.
بوش.. وغياب حنكته..
ويبرز على رأس هؤلاء المسؤولين الرئيس جورج بوش الابن الذي استغرق خمسة أيام بعد وسائل الإعلام في تسمية بن لادن «كمشتبه به رئيسي» وفي الحديث عن حرب أمريكا الجديدة التي تستهدف بؤر الإرهاب ورعاته في العالم ولاسيما في أفغانستان، ولكنها تهدف على السطح إلى امتصاص حنق الشارع الأمريكي ونقمته على إدارته وجيشه الكبير الذي لم يستطع حمايته لما كان العدو في الداخل.
مكاسب.. ثمنها الدم!
وبغض النظر عن أية فاجعة إنسانية لحقت بالشعب الأمريكي فإن معالم استثمار الحدث وتوظيفه لأهدافه المرجوة أساساً من قبل الأوساط الاستخباراتية والإعلامية الأمريكية والإسرائيلية والغربية وفي هذا الوقت بالذات بدأت تتضح، ولاسيما مع مواصلة حملة الاشتباه والإدانة المسبقة لجهات محددة وغض الطرف عن أي احتمالات أخرى، وإن ظهرت بعض الدلائل عليها وذلك بما يبتعد كلياً عما تقتضيه متطلبات التحقيق وكشف كامل ملابسات الهجمات وهي التي قد تستغرق سنوات طويلة في حالات كهذه، لاسيّما أن المحللين الأمريكيين أنفسهم يجمعون على أن منفذي العمليات أياً كانوا تلقوا بالتأكيد دعماً داخلياً قوياً وشديد التعقيد والتنظيم.
ومن الملاحظ أن هذه الهجمات، وعبر توظيف حجم آثارها بحق المدنيين، استخدمت حجة لقرع طبول الحرب ضد العالم أجمع.
محاولة وأد الانتفاضة
وكان الكيان الصهيوني أول من سارع إلى تقديم التهم المسبقة التي تؤلب الرأي العام العالمي على العرب والمسلمين وعلى رأسهم المنتفضين في الأرض المحتلة الذين يقتربون من سنتهم الأولى، بل إنه وسّع من عدوانه بحق الشعب الفلسطيني مستغلاً انشغال أنظار العالم.
ولا يغيبن عن البال هنا أن إحدى نتائج حرب الخليج الثانية في عام 1991 كانت وأد انتفاضة 1987 وهاهي محاولات خنق الانتفاضة الحالية تجري مع محاولات التهدئة والإعلان عما يسمى بوقف إطلاق النار، أي تثبيت الأمر الواقع حالياً وقيام إدانة دولية مسبقة لأية محاولة جديدة لمقاومته وتغييره حسب قوانين الشرعية الدولية، كون هذه المقاومة ستعد إرهاباً لأنها صادرة عن أطراف عربية وإسلامية مدانة مسبقاً.
وهكذا سارع مجرم الحرب شارون غداة العمليات في نيويورك وواشنطن إلى استنبات ثمار مباشرة عندما تحدث عن قيام /نقطة تحول في الحرب ضد الإرهاب/ ولكن هذه الحرب ستكون على طريقته وحلفائه بطبيعة الحال.
تضارب مصالح الأجهزة الأمريكية
وفي هذا الإطار تحديداً ورغم الحديث عن أن الولايات المتحدة لم تكن موحدة في تاريخها قط كما هي اليوم فقد بدأ يتفاقم بشكل شبه علني صراع أقطاب النظام الأمريكي مع تفاعلات الحدث بالنسبة إلى الأجهزة الأمريكية: فأوساط وزارة العدل وأجهزتها كمكتب التحقيقات الاتحادي الذي نشر 4000 من عناصره في نيويورك وواشنطن وغيرهما تتحدث عن «ضرورة تعديل القوانين الأمريكية وتجاوز وجود أمر قضائي مسبق في عمليات التصنت والمداهمة لأي مشتبه به إلى جانب ضرورة اعتماد المزيد من الأموال لدعم هذه الأجهزة»، أما وكالة الاستخبارات فتدعو إلى «التوقف عن ضخ الأموال إلى الجيش ودرعه الصاروخي المنشود لأن العمليات الأخيرة أثبتت عدم فاعلية الفكرة عندما يكون العدو في الداخل والمطلوب هو صرف مزيد من الاعتمادات على تعزيز عمل وكالة الاستخبارات وأذرعها في داخل الولايات المتحدة ولدى الحلفاء»، والجيش يتحدث عن «ضرب كل بنى الإرهاب في العالم»، حسب توصيف القواميس الأمريكية فوراً فيما تتحدث وزارة الخارجية عن «حرب طويلة الأمد وانتقائية».
غير أن جميع هذه الأطراف تتفق على أن أمريكا «بلد الديمقراطية» أصبحت «ضحية» وأنه يحق لها بالتالي استخدام كل وسائل الرد والقمع في حربها غير التقليدية التي تتضمن إحياء حرب الاستخبارات وعمليات الاغتيال السياسي.
تحضير ضحايا جدد
وقد يكون الأهم في هذا السياق هو أن هذه الأطراف مجتمعة، ومع ضربة بهذا الحجم، حضّرت الشعب الأمريكي لقبول مبدأ تقديم ضحايا في صفوف القوات المسلحة والمتطوعة لرد الاعتبار بعدما تناذرت على نحو كبير عقدة فيتنام لديه، حيث أظهر استطلاع للرأي أن 80% من الشعب الأمريكي يؤيد وقوع ضحايا أمريكيين جدد في أي حرب تشنها الولايات المتحدة مقابل 14% رفضوا ذلك وهي النتيجة التي تنسجم مع تصريحات بوش في أن حرب أمريكا الجديدة كما تصفها محطة الـCNN ستتطلب الكثير وأن إدارته ستواصلها بالرغم من كل شيء.
العمليات: تصدير للأزمة..
وفي الإطار الاقتصادي بشقه التنافسي يبدو أن الصراع بين القطاعات المختلفة ولاسيما بين النفطي والصناعي العسكري أخذ بعداً جديداً داخل الولايات المتحدة حيث بدأت الاستثمارات تتدفق على هذا الأخير الذي تملكه أو تسيطر على شركاته ومؤسساته العملاقة ذات الرساميل الصهيونية والإسرائيلية. وفي خارج الولايات المتحدة يبدو أن الكساد الناجم عن الصدمة والتخوفات من ضربات لاحقة في بلدان أخرى سيلحق بالدول المتعاملة مع الولايات المتحدة أكثر منها ذاتها. ويبرز ذلك مثلاً في قطاع السياحة الأوربي حيث سارعت شركات الطيران الأوربية إلى استغلال الامتناع المؤقت عن السفر لدى مواطنيها إلى الخارج تخوفاً، والخسائر الناجمة عن ذلك، وبدأت تتحدث عن ضرورة إجراء ترشيد في الإنفاق مع ما يعنيه ذلك من تسريحات عمالية بالدرجة الأولى.
وبذلك تتضح جلياً الكيفية التي تسهم فيها العمليات الأخيرة في وقف الانهيار الاقتصادي الأمريكي، أولاً عبر التدفقات المالية التي أفرجت عنها الصناديق الاتحادية والحكومية والاحتياطية بواقع 5.5 مليار دولار قيل إنها مخصصة لعمليات الإغاثة في نيويورك وثانياً عبر التبرعات المالية الدولية والتي كان من بينها نصف مليون دولار إعانة كويتية، ناهيك عن احتمال قيام الأمم المتحدة التي أرجأت اجتماع جمعيتها العمومية في نيويورك بإعفاء الولايات المتحدة من ديونها المستحقة على المنظمة الدولية كنوع من التعاطف والتعبير عن الأسى.
وهكذا ومع قرع طبول الحرب تتكرر دورة جديدة من آليات عمل مبدأ تصدير الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية والأمريكية تحديداً إلى الخارج، فالاقتصاد الرأسمالي يقوى في الحرب ويجدد نفسه عبر الدماء ولو كانت دماء أبنائه.
«العباءة الأمريكية»!!
ومن الملاحظ أيضاً أن الإدارة الأمريكية أرادت بعد الهجمات الأخيرة مباشرة إحراج الحلفاء اللدودين الذين أرادوا الخروج من العباءة الأمريكية بعد انحسار ما سمي بالحرب الباردة باتجاه العودة إلى تلك العباءة مجدداًَ وحتى استحضار بند منسي في ميثاق حلف الأطلسي من أن الاعتداء على أي بلد عضو فيه هو عدوان على الحلف بأسره وهو ما يعني رغبة أمريكية في توسيع رقعة المشاركين في أي رد فعل عسكري انتقامي من قبل الولايات المتحدة تجاه عمليات تبدو للوهلة الأولى درساً للغطرسة الأمريكية المتفاقمة، وهو ما يعني أيضاً محاولة خلط أوراق التجاذبات والتناقضات السياسية والاقتصادية والعسكرية القائمة في العالم بما يخدم، ولو على حساب الحلفاء بعد الخصوم، مصالح حكومة الدولة العظمى التي أصبحت ضحية مسكينة بين ليلة وضحاها.
المنهج: «قوس التوتر»!!
وإذا كانت النتائج المستثمرة من العمليات الأخيرة ستندرج في إطار المشروع المالتوسي الجديد الذي نظّر له مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في عهد كارتر، زبيغنيو بزيجنسكي، في نظريته المعروفة بقوس التوتر عندما تحدث عن ضرورة تحول البلدان متعددة الأعراق والقوميات والطوائف إلى دول أحادية الأعراق والقوميات والطوائف، داعياً إلى استخدام شتى الوسائل بغية الوصول إلى حد يتناسب فيه مستوى الزيادة السكانية في العالم مع حجم الثروات الموجودة على سطح الأرض، وهي ذات الثروات التي تستنزفها المراكز الإمبريالية على نحو غير عقلاني فيما تواصل تكريسها لمبدأ التبادل اللا متكافئ بين الشمال والجنوب بما يفاقم من انعدام المساواة على سطح الكوكب، فإن أفغانستان وباكستان تبرزان كأول نقطتي استهداف في الحلقة الجديدة من مسلسل التفتيت العرقي الذي تلعب فيه الولايات المتحدة أدوار التأليف والإخراج والمشاركة الرئيسية في التمثيل هذه المرة.
فجميع التحليلات تكاد تجمع على أن أي ضربات أمريكية محتملة على أفغانستان ستؤدي إلى اشتعال كامل المنطقة التي يسود التوتر علاقات دولها بسبب المصالح السياسية والاستراتيجية المتضاربة. وسيكون من الصعوبة بمكان أمام الولايات المتحدة تشكيل ائتلاف تحت قيادتها للدخول إلى منطقة يسود بين بلدانها العداء أو الشكوك أو تباين المصالح داخلياً وخارجياً. فهناك الهند وباكستان والصين وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة: طاجكستان وتركمانستان وأوزباكستان.
تقسيم جديد للعالم
غير أن هذا الوضع، ومع بدء إعراب عدد من قادة العالم، بمن فيهم بعض من حلفاء أمريكا الأوربيين، بأن بلدانهم لن تشارك في أي عملية اعتباطية أو خارج مظلة الأمم المتحدة، لا يلغي احتمال التدخل الأمريكي شبه المنفرد، بل إنه هو ما يعززه أساساً.
وتشمل مجموعة الأهداف هنا وبعد تقسيم العالم على نحو قاطع، حسب رأي بوش «إما مع الولايات المتحدة أو ضدها»، نشر قواعد عسكرية أمريكية جديدة في الخارج والتواجد على تخوم البلدان العدوة تاريخياً والصديقة حالياً كروسيا والصين، إلى جانب الدخول، ومن موقع القوي المنتصر لكبريائه المنكسر وضحاياه، إلى مكامن ثروات دول آسيا الوسطى التي تمتلك نفط بحر قزوين، وهو الأمر الذي يشكل سبقاً أمريكياً، وبصيغة الأمر الواقع، مقابل الاستثمارات والخطط الأوربية والدولية المحتملة هناك.
باكستان على الدريئة!!
وإذا كانت التطورات آنفة الذكر قائمة على المدى المتوسط والبعيد فإن التطورات داخل باكستان على المدى القريب والمتوسط هي ما تجذب الأنظار بعيداً عن جعجعة وسائل الإعلام الأمريكية، حيث يتوقع ضمن الرهانات المخططة أمريكياً فيما يبدو أن تنشأ وتتفاقم حالة انقسام وطني داخل باكستان على أساس سياسي وطائفي ومذهبي بخصوص الموقف من دعم حكومة الجنرال برويز مشرّف للولايات المتحدة، مقابل تحصيل دعم اقتصادي وإعفاء من الديون على بلاده، والموقف من طالبان وبن لادن بناءً على العوامل الدينية والمذهبية أساساً..
ومن شأن هذا الوضع، في ظل فشل الوفد العسكري والأمني الباكستاني في إقناع حكومة طالبان في كابول في ضرورة تسليم بن لادن لتفادي العواقب الأمريكية الوخيمة، ومع تأكيد ما يسمى بلجنة كبار العلماء في أفغانستان على أنها لن تسلم بن لادن ما لم تتوافر الأدلة الدامغة على ضلوعه في العمليات التي استهدفت الولايات المتحدة، وفي ظل المظاهرات التي تخرج في المدن الباكستانية ضد الولايات المتحدة واحتمال ضربها لأفغانستان، من شأن هذا فقط أن يجعل باكستان ذاتها مع محيطها، وهي العدوة اللدود للهند المجاورة ولاسيما بخصوص كشمير، بؤرة التوتر الجديدة في العالم لا الدولة المناهضة للإرهاب والمتعاطفة مع الشعب الأمريكي..
أفغانستان والمستقبل الأشد قتامة
أما الأفغانيون وبغض النظر عن شكل السيناريوهات العسكرية الأمريكية التكميلية المحتملة فقد دخلوا في دوامة تآمرية جديدة من السندانات والمطارق: بين حكومة كابول.. وفصائل المعارضة في الشمال التي أعربت عن استعدادها للتعاون الكامل مع القوات الأمريكية للإطاحة بحكومة طالبان، وبين التخلف المتشابك مع الفقر.. والتجمهر عند الأبواب الحدودية شبه المغلقة لدى الدول المجاورة، وبين الانتصار للقادة وأولي الأمر عشائرياً ودينياً ومذهبياً وسياسياً ودعوة البعض منهم إلى «الجهاد».. والخوف من الاندثار تحت ركام قذيفة أو صاروخ أمريكي..
خلط المفاهيم..
وفي خضم هذه المعمعة الأمريكية الجديدة يبدو أن الولايات المتحدة تواصل تفعيل وتعزيز القوى المتطرفة والأصولية لتتواصل فصول اللعبة حسب مخططات «النظام العالمي الجديد». فمن خلال توظيف «ظاهرة» بن لادن ومع محاولة تقسيم العالم بصيغة جديدة تدفع واشنطن المناوئين لها ولسياساتها وهم كثر في العالم إما ليكونوا مع بن لادن والتطرف أو ضده، بعيداً عن الإيمان بفاعلية أي سلاح فكري أو سياسي أو اقتصادي أو حتى عسكري آخر وذلك على مبدأ «عدو عدوي هو صديقي».
ويصل الأمر ببعض الدول العربية والجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة وأوربا إلى حد المغامرة بإحراج مواطنيهم وقلب مفاهيم الصراع الجاري في العالم والمنطقة العربية حول أدوار الأطراف الفاعلة فيه من خلال المبالغة في الإعراب عن الأسف لوقوع ضحايا مدنيين وهو ما يعكس حالة تخوف من الوقوع على لائحة الارتباط ببن لادن أو قائمة الاستهداف الأمريكي الجديد على الرغم من الاعتداءات التي طالت بالقتل والإساءة عرباً ومسلمين في أماكن مختلفة من أوربا وأمريكا.
إمكانيات مبالغ بها!!..
وبالعودة إلى قضية المشتبه به الرئيسي أمريكياً فإن المفارقة البسيطة تبرز في التساؤلات التالية:
فإذا كانت تخمينات وسائل الإعلام الأمريكية تفاوتت حول ثروة بن لادن، التي تسمح له ولتنظيمه حسب هذه الوكالات بشن عمليات ضد المصالح الأمريكية، تتحدث عن رقم بين 200 مليون دولار وخمسة مليارات فإن هذه المبالغ حتى وإن كانت صحيحة كفيلة بأن تتلاشى وتستنفد إذا ما أخذ المرء بعين الاعتبار حجم العمليات المنسوبة منذ عام 1993 إلى أسامة بن لادن، من تفجير مركز التجارة العالمي ذاته في عام 1993 إلى تدميره كلياً في العملية الأخيرة مروراً بتفجيرات المنشآت العسكرية والسفارات الأمريكية في الظهران والخبر ونيروبي ودار السلام والمدمرة كول في عدن إلى آخر القائمة.. وكل هذا دون احتساب ما تكلفته عمليات تجنيد الأفغان العرب في الحرب ضد السوفييت وشراء صواريخ ستينغر من ضمن أسلحة الترسانة الأمريكية ذاتها آنذاك والتي كان يجري تهريبها عبر باكستان.. فأية ثروة وأية استثمارات لزيادتها تعد كافية لتأمين كل هذه التغطية المالية لكل هذه العمليات التي يجري نسبها إلى شخص واحد؟! وإن كان للحديث بعضاً من الصحة جزئياً، فأين تودع هذه الثروة وكيف تجري استثماراتها، والأهم في أية بلدان وبرعاية من؟
إن مشاهدة الصور التلفزيونية للطريقة الدقيقة التي اخترقت فيها الطائرات الضخمة، التي تفتقر لقدرة الطائرات العسكرية على المناورة، برجي مركز التجارة العالمي الشاهقين ومبنى البنتاغون الخفيض كفيل بأن يوحي بحجم التخطيط والتدريب والدراسة الذي تطلبه تنفيذ هذه العمليات والذي يبدو بعيداً في هذه الحالة عن إمكانيات منظمة بعينها ليتعداها إلى جهود عدة منظمات وهيئات عسكرية إن لم يكن دولاً تعرف بُنى الداخل الأمريكي تماماً.
أصابع «الموساد»!!
والجدير ذكره هنا أنه وفيما سارعت أوساط مكتب التحقيقات والاستخبارات الأمريكية إلى نشر أسماء 19 عربياً من بينهم أسماء وهمية أو متوفاة أو موجودة في بلدانها الأصلية أو ببساطة هي من بين أسماء الضحايا والتي تم العثور على جوازاتها ضمن 4500 طناً من الركام في نيويورك في حين قيل إن قوة الاصطدام أتلفت تسجيلات الصندوق الأسود لإحدى الطائرتين، لجأت الأوساط الإعلامية والاستخباراتية الأمريكية إلى فرض تعتيم كلي على الأنباء التي تحدثت عن اعتقال عناصر مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي لخمسة من الإسرائيليين كانوا يصورون اصطدام الطائرتين ببرجي مركز التجارة العالمي وانهيارهما وهم يرقصون ويهللون، وكذلك الأنباء التي تحدثت عن «مصادفة» غياب 4000 يهودي من العاملين في المبنى يوم الحادث!!
وللتذكير فإن أصابع الاتهام من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والجهات المعنية في انفجار المبنى الاتحادي في أوكلاهوما في عام 1995 اتجهت في حينه إلى ما تمت المسارعة إلى وصفه بشرق أوسطيين غير أن التحقيقات التي استغرقت سنوات طويلة وبعد الكثير من الإساءات التي لحقت بالعرب والمسلمين مشوهة صورتهم ومحرجة مواقفهم الاجتماعية والسياسية أظهرت ضلوع شبكة أمريكية يمينية تعدداها يفوق 100 ألف عنصر مدججين بأحدث وافتك صنوف الأسلحة في الداخل الأمريكي حيث كان أداتها في تلك العملية تيموثي ماكفييه الجندي السابق في الجيش الأمريكي والذي تم إعدامه مؤخراً.
البقاء على عرش الزعامة
وتحت حجة مكافحة الإرهاب تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام جنود حلفائها كرأس حربة تتقدم كل عملية عسكرية مشتركة لحسابها شرط أن تبقى على عرش الزعامة وأن تقاتل مع ائتلافها في الخارج نيابة عن «إسرائيل»، وهو ما صرح به مؤخراً لورنس ايغلبيرغر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في معرض تعليقه على العمليات الأخيرة واستبعاد إسرائيل عن أي تحالف محتمل مسترجعاً مثال حرب الخليج الثانية.
وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب أيضاً، وبعد محاولة فك العزلة الدولية عن الولايات المتحدة وحلفائها الناجمة عن مواقفهم في مؤتمر دوربان، قد يكون من السهل أيضاً تطويق الحركة الدولية الناشطة والمناهضة للعولمة وللسياسات المالية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة.
الحقائق لا تجامل!!
ولأن وقائع التاريخ القريب لا تجامل ولا تقلب الحقائق والموازين في ليلة وضحاها فإن الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية تمثلان أعلى أشكال إرهاب الدولة وهما لا يتورعان عن تحطيم أعز الأصدقاء في سبيل مصالحها وغاياتها والمثال في حادثة خليج تونكين عندما قرر الرئيس الأمريكي جونسون قصف فيتنام الشمالية متذرعاً أو محرجاً بتعرض سفينة بحارة أمريكية للقصف حيث تبين لاحقاً أنها قُصفت بطوربيدات غواصة أمريكية «شقيقة»!!
ومن المعروف أنه كان من نتائج الدراسات الاستراتيجية التي أجرتها الاستخبارات الإسرائيلية الصهيونية والأمريكية وخاصة بعد حرب 1973 وضع خطط لتحطيم كافة القوى المساندة والداعمة للشعوب في نضالها التحرري من الاستعمار وكان في مقدمة هذه الخطط: تفكيك الاتحاد السوفييتي، تفكيك وحدة الشعوب، ضرب التضامن العربي، ضرب التضامن الإسلامي... والأمثلة كثيرة..
المتاجرة بالدماء!!
وفي نهاية المطاف، وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى صيغة «حرب خليج ثالثة» أو «حرب صليبية» في بداية الألفية الجديدة للخروج من أزماتها، فقد يكون من المطلوب من الشعب الأمريكي بعد تجاوز محنته، وهو المهمش تحت وطأة التأثير الإعلامي وشروط اللعبة السياسية والاقتصادية في بلاده، وعوضاً عن الوقوع في مثالب الكراهية التي تستفيد بعض الأطراف من تغذيتها، محاولة التعرف على أعدائه الحقيقيين والمتاجرين بآلامه مع مراجعة الأسباب التي توسّع من دائرة المناهضين لسياسات إداراته وأجهزته، وذلك بانتظار أي نتائج حقيقية للتحقيقات الكاملة وهي التي تهم العالم أجمع قبل السماح لحكومته بالدخول في أية مغامرة عسكرية جديدة في العالم تكون عواقبها وخيمة على الشعب الأمريكي أولاً..