دردشات: الميزان الأعوج

في الحرب العالمية الثانية، نقل الإنكليز تذمرهم وسوء أوضاعهم وبلدهم، نم تفشي الفساد في بعض الدوائر، التي تستهتر بالأنظمة المرعية، إلى رئيس وزرائهم تشرشل، فسألهم:


■ وكيف حال القضاء؟ أجابوه:

■■ على خير ما يرام. قال لهم:

■ إذن، إنكلترا بألف خير، طالما أن ضمير العدالة فيها لايزال نقياً، لا تشوبه شائبة.

وكان الشاعر العباسي، الشهير ابن الرومي، يتطير كثيراً من ركوب الماء، الأمر الذي عيره عليه كثير من أصحابه. فقال لهم:

■■ إذا غص المرء بلقمة طعام، عالجها بجرعة ماء، لكن إذا غص بالماء، فبماذا يعالجها؟!

هذه هي حال الشعوب في معظم البلدان النامية، من أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، التي فسرت فيها العدالة، وفقدت مصداقيتها، وتخلت عن كل صفاتها ومميزاتها، وتمسكت منها بالاسم فقط، إلى الحد الذي أصبح فيه صاحب الحق في الدعوى، هو من يرضي القاضي ومفتاحه أكثر، والذي يتلقى قاضي محكمته هاتفاً من فوق.. يأمره بتبرئة هذا وإدانة الآخر، والذي تتوسط له فاعلة خير...أو ...أو.. وكفا الله المحامين شر الاجتهادات، أو (زعبرة ) الاستشهادات في البحث والتنقيب عنها، في بطون الكتب ومتونها، عن هذه المادة أو تلك، من هذا القانون، أو ذاك، حتى أن أحد المحامين ـ في إحدى هذه الدول لخص عن حق، وضع العدالة في بيت شعر الجواهري، بدل فيه كلمة واحدة فقط. فقال:

«وعدالة» صفر الضمير كأنها     سلع تباع وتشرى وتعار

فهل ثمة علاج، في مثل هذه البلدان فاسدة القضاء للوصول إلى تطبيق العدالة، وإنصاف أصحاب الحق من الفقراء، الذين لاحول لهم ولاقوة، ولاواسطات لديهم، ولا يستطيعون الدفع، طالما هم مغلوبون على أمرهم ومدفوعون إلى حياتهم القاسية وواقعهم المزري المرير، بقوة ضغط مصالح مستغليهم المتسلطين الجشعين؟!

هيهات. فالمرء الذي يتعرض للغبن، يلجأ إلى القضاء لإنصافه، لكن إذا لم ينصفه القضاء وهدر حقه، فلمن يتوجه، وبماذا يعالج غصته بالماء، إذا لم يجر تقويم الميزان الأعوج، بإصلاح جذري لأسباب ومقومات الفساد، في هذا السلك الحساس، الذي يشكل إحدى أبرز الواجهات الحضارية. لكل بلد وشعب؟!!

■ عبدي يوسف عابد

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.