دمشق وطهران والجمعية العامة الـ 64

لا تزال حكومة العراق «السيد المستقل» تحت الاحتلال(!) تناور في محاولاتها تثبيت اتهاماتها الموجهة إلى دمشق بالمسؤولية بشكل أو بآخر عن تفجيرات 19/8/2009 في بغداد، قائلة إنها ستعرض على الاجتماع الذي سيجري الخميس، يوم دفع هذا العدد للطباعة، في حال انعقاده، بين وزيري خارجية سورية والعراق في أنقرة بحضور الأمين العام للجامعة العربية وبوجود تمثيل مفترض للبلد المضيف، تركيا، أدلة تؤكد مزاعمها بأن مخططي التفجيرات يتخذون من دمشق مأوى لهم.

ويعني هذا الطرح، وهذا الاجتماع، أن الحكومة العراقية التي أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها «حكومة دمى» تحركها أصابع الاحتلال شاءت أم أبت، تمكنت في مرحلة أولى من «تعريب» قضية الأزمة المفتعلة مع دمشق  بانتظار «تدويلها» على الأرجح خلال الاجتماع الرابع والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي افتتح الثلاثاء والذي من المرتقب أن يتناوب رؤساء الدول والحكومات على الحديث من على منبره في الفترة بين الثالث والعشرين والثامن والعشرين من الجاري.

وتزامن هذا الطرح «التهديدي» عراقياً مع طرح مماثل إسرائيلياً ولكن خلال اجتماعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي اتهم خلالها المدير العام لهيئة الطاقة النووية الإسرائيلية شاؤول شوريف كلاً من إيران وسورية بـ«ارتكاب مخالفات، تم إبلاغ الوكالة الدولية بها»، و«انتقد» البلدين لما وصفه بعدم تعاونهما مع الوكالة وتضليل مفتشيها ومنعهم «من دخول المرافق والمنشآت النووية» فيهما، داعياً «المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم وعاجل» لأن «هذه الخروقات لا ينبغي أن تمضي دون عقاب»..!

ويعني ذلك أن هناك تناغم عراقي/حكومي- إسرائيلي وربما يضاف إليه «حريري لبناني» (على خلفية احتمال تفجير شيء ما يتعلق بمحكمة الحريري الأب) بقيادة أوركسترالية أمريكية أوربية تريد استباق اجتماع الجمعية العامة لإشاعة جو مناهض لدمشق وطهران ودفعه لتبني قرارات أو بيانات ضدهما وصولاً ربما إلى خلق سابقة تتمثل في تبني مجلس الأمن لتلك القرارات والبيانات «غير الملزمة» وتحويلها إلى «ملزمة» في وقت كان يضرب فيه بعرض الحائط كل مثيلاتها المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني واعتبار الصهيونية حركة عنصرية مثلاً..  

وإلا بماذا يفسر هذا التحرك العراقي-الإسرائيلي، والأمريكي المتمثل في «وساطة» جو بايدن مع المالكي بخصوص اتهاماته لسورية والتي ترافقت مع تصريحات لقائد قوات الاحتلال الأمريكية «اوديرنو» المتناغمة مع هذه الاتهامات جزافاً؟ وبماذا يفسر التصعيد الغربي ضد إيران بعد أيام فقط من إشاعة جو من التفاؤل بحدوث انفراجة ما فيما يعرف بالملف النووي الإيراني من خلال الحديث عن اجتماع تستضيفه تركيا أيضاً (للمصادفة!!) في مطلع الشهر المقبل بين ما يعرف بمجموعة الدول الخمس زائداً واحداً وطهران التي قالت إنه سيبنى على قاعدة تفاهم جديد بينها والوكالة الدولية للطاقة الذرية على أساس مقترحات إيرانية جديدة، وسط رفض روسي كامل لفرض عقوبات جديدة بما فيها نفطية على إيران، فماذا جرى بعدها؟:

• الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يؤكد أن أجهزة استخبارات بلاده متيقنة أن إيران تخفي برنامجاً لإنتاج سلاح نووي. قائلاً إن بلاده لا يمكن أن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي لأن ذلك سيشكل تهديدا لإسرائيل.

• وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أكدت أن رفض إيران مناقشة برنامجها النووي أمر غير مقبول، وأنه من الضروري أن يكون هذا البرنامج أحد البنود الرئيسية في أية محادثات معها تشارك فيها واشنطن.

• مصادر مسؤولة في الوكالة الدولية نفت إبرام اتفاق مع إيران على إطار جديد للتعاون مع الوكالة، قائلة إن رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي ربما أساء فهم ما حدث في اجتماعه مع المدير العام للوكالة المنتهية ولايته محمد البرادعي.

• وقبل ذلك أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا عن أمله في استئناف المباحثات بين طهران والدول الكبرى وأن الاجتماع المذكور قد يسهم في حل «الأزمة المستعصية الناجمة من رفض طهران تجميد برنامجها لتخصيب اليورانيوم والرضوخ لمطالب مجلس الأمن الدولي الأخرى»..(!) مؤكداً «أن الوقت ليس مناسباً بعد للحديث عن المزيد من العقوبات، ولكن من الضروري مواصلة انتهاج سياسة المسارين، أي تقديم الحوافز لإيران للتخلي عن برنامجها النووي وفي الوقت نفسه التلويح بفرض المزيد من العقوبات».

ويجري كل ذلك في وقت يؤكد فيه المسؤولون الغربيون «ضرورة استنفاذ كل الوسائل الدبلوماسية».. ما يعني أن ما سيعقب ذلك في حال استمرار «الاستعصاء» أو عدم رضوخ إيران هو «غير دبلوماسي»..!

وعلى اعتبار أن أي تفجير جديد في أي من دول المنطقة سينسحب تلقائياً على البقية، فإن جملة الضغوط الجديدة القديمة على سورية إنما تبتغي إبقاء فرض الحالة الانتظارية عليها ومن موقع «الدفاع» ترقباً على سبيل المثال لما سيقدم عليه في لبنان «المستعصية أحواله» رئيس حكومة مكلف للمرة الثانية بأصوات أقل، بمعنى أنه ممنوح التفويض ليكون أكثر شراسة ووقاحة في ظل تكرس الانقسام غياب صيغة «حكومة الوحدة الوطنية»، وكذلك لما  سيؤول إليه «مسار السلام» ثنائياً على أساس تضاد ثنائية التعنت الصهيوني والرفض السوري له بالطبع، ولكن مع إبقائه عند هذا الحد بمعنى تكريس فصل المسارات، والتضييق على الفاعلية السورية في ملفات المنطقة ولاسيما فيما يتعلق بتطورات الساحة الفلسطينية، واختزال القضية بمسألة الاستيطان ونسف عودة اللاجئين والقدس وحدود الدولة الفلسطينية الموعودة، إلى جانب الضغط على التحالف السوري الإيراني، ولو بالمعنى السياسي المعنوي عند قيام أية مغامرة عسكرية جديدة سواء ضد طهران أو بيروت المقاومة أو دمشق.

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.