■ محمد العبد الله  ■ محمد العبد الله 

أجندة «ليبرمان» الإفريقية... نهب وتخريب

انتهت زيارة وزير خارجية العدو الصهيوني للقارة الإفريقية التي استغرقت تسعة أيام، جال خلالها على خمس دول إفريقية (إثيوبيا، أوغندا، كينيا) الواقعة في شرق القارة، و(نيجيريا وغانا) في غربها. انتهت الزيارة بحصيلة جديدة من الاستثمارات، تمخّض عنها توقيع اتفاق في مدينة «يوجا» النيجيرية للتعاون الاقتصادي بين حكومة العدو والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «اكواس» من أجل معالجة قضايا ومشاكل الأمن الغذائي والفقر والجوع والتصحّر وقلة المياه.

علماً بأن مصادر في وزارة الخارجية ومعهد التصدير في كيان العدو، يقدرون بأن الطاقة التجارية الكامنة لإفريقيا تساوي نحو مليار دولار آخر للاقتصاد «الإسرائيلي»، إضافة إلى ثلاثة مليارات من البضائع والخدمات التي يصدرها الكيان إلى القارة.

وقد ترافق مع هذه الهجمة التجارية و«الإنسانية» لرمز القتل والجريمة المنظمة وصاحب نظرية «قصف السد العالي لإغراق مصر» جهد غير منظور، تجلى في تشديد الحصار على الدول والقوى الرافضة لسياسة الابتزاز الصهيونية، ولدور حكومات العدو المتتالية في دعم الحركات الانفصالية في أكثر من قطر عربي في القارة. ومن هنا لايستقيم تقييم الزيارة في بعدها «الدبلوماسي» فقط، خاصة وأن الدافع المعلن للزيارة هو (استعداد «إسرائيل» لمساعدة دول القارة في حل أزماتها: المجاعة، نقص المياه، التغذية، الأوبئة) كما كتب «يوسي ميلمان» في صحيفة «هآرتس» الصهيونية في الحادي عشر من هذا الشهر. لكن الوجه الحقيقي لها والذي لم يتم التركيز الإعلامي عليه كما يقول الكاتب (أن تََُفتح بوابات هذه الدول أمام تصدير مزيد من السلاح والمنتجات الأمنية). وإذا «كان المكتوب يقرأ من عنوانه» فإن تركيبة الوفد الصهيوني، كشفت عن المهمات المنوطة به، فبالإضافة إلى طاقم موظفي وزارة الخارجية، ضم الوفد ممثلين عن دائرة المساعدات الأمنية في وزارة الحرب، وشخصيات أساسية في جهاز «الموساد»، وكبار تجار السلاح ومنتجي السلاح «شركة سلطم الصناعات العسكرية، للصناعات الجوية...»، ومندوبين عن شركات ومؤسسات تهتم بالبنية التحتية والزراعة والسدود المائية وشبكات الري.

لقد استهدفت زيارة وفد حكومة العدو دول إفريقية عدة ذات موقع جيواستراتيجي في شرق إفريقيا وغربها. فإثيوبيا وأوغندا وكينيا تتمتع بأبعاد متعددة الأهمية للكيان الصهيوني: القرب من القرن الإفريقي الذي يتحكم بمداخل البحر الأحمر، وامتلاك هذه الدول لخزانات مائية تتحكم في منسوب مياه نهر النيل الذي يعبر أراضي السودان ومصر بكل ماتعنيه متطلبات الحياة من اعتماد على مياهه، خاصة وأن سياسة «إغراق مصر بمياه النيل» ترتبط بالعقل الإجرامي/ الفاشي لذلك الوزير، الذي لايتردد خبراء مشاريع الري والسدود الذين شاركوه زيارته في وضع المخططات الكفيلة بتخفيض كمية المياه عنها في مراحل لاحقة. أما نيجيريا، العائمة على بحر من النفط، فإن عين الهيمنة على ثرواتها، لايغفلها صاحب شركات «غسيل الأموال»، وعصابات «المافيا» الدولية.

في بند أساسي تضمنته أجندة الزيارة، كانت إيران حاضرة في الرؤية الصهيونية للمهمات الدبلوماسية/ الأمنية/ الاقتصادية داخل القارة السوداء، فقد كشفت بعض المصادر في وزارة خارجية العدو عن «أنه سيتم التطرق إلى المسألة الإيرانية خلال هذه الزيارة في ضوء الجهود التي تبذلها إيران لتثبيت أقدامها في المنطقة والعمل فيها»، خاصة وأن لإيران مشاريع واستثمارات عديدة داخل بعض الدول الإفريقية، التي زارها الرئيس الإيراني في شباط/ فبراير من هذا العام.

كما أشار «ميلمان» في مقاله، إلى أن الجانب غير المعلن من زيارة ليبرمان إلى إفريقيا، أن «إسرائيل» تأمل بأن تفسح الزيارة المجال أمام إبرام صفقات أسلحة مع بعض الدول الغنية- باع كيان العدو خلال السنوات الأخيرة لحكومة نيجيريا أسلحة ومعدات حربية، بقيمة نصف مليار دولار تقريباً- مع معرفة حكومة العدو بالعجز الذي تعاني منه ميزانيات العديد من الدول الإفريقية، والتي يمكن لها أن تكون سوقاً للسلاح القديم الذي يتكدس في مخازن وزارة الحرب الصهيونية، والذي يمكن بيعه بأسعار تنافسية. لكن الأهم في مقال «ميلمان» المشار إليه والمنشور تحت عنوان «زيارة ليبرمان إلى إفريقيا: يتحدثون عن القضاء على المجاعة ويهمسون عن صفقات سلاح» هو (الأمل في تطوير علاقات إستخباراتية وتعاون ضد العناصر الجهادية الدولية، وخصوصاً مواجهة نشاطات إيران في بعض هذه الدول الإفريقية).

لقد أنعشت زيارة ليبرمان لإفريقيا الذاكرة العربية التي مازالت تحتفظ لمصر الناصرية بدورها التحرري والإنساني في دعم شعوب القارة التواقة للحرية والاستقلال، لكن الحقبة السياسية التي أعقبت اغتيال تلك التجربة العربية في مركزها أفرزت قوى مرتدة، أخرجت مصر من مواجهة العدو الصهيوني ومركز الامبريالية، بل وفتحت بوابات القاهرة لتعبر منه تلك القوى للقارة، مما أعاد لقوى الهيمنة الاستعمارية والصهيونية وظيفتها في نهب خيرات القارة وتفتيت دولها، وإغراقها في فوضى سياسية ومجازر عرقية وحشية، تتيح لها مجدداً العودة لاستعمار القارة الإفريقية.

 

مع النشاط الدبلوماسي لليبرمان وطواقمه في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدول الأسيوية، تتوضح خطط التحرك الصهيوني على أكثر من مجال، وفي سبيل تحقيق أكثر من هدف. فماذا  عن تحرك «دبلوماسية» قوى المقاومة العربية لمواجهة غزو الصهيونية للمواقع الصديقة والحليفة لقضايانا؟