رسالة من دانييل ميتيران الى أكراد العراق «لو أنني مكانكم، لاحترست»

مرةً أخرى، تضعكم مصالح القوى الأجنبية في مركز الأحداث الدولية الراهنة. إنني أدعمكم دون حدود منذ عدة سنوات في سعيكم إلى الحرية والسلام والكرامة.

لقد بكيت قتلاكم وأدنت الفظاعات التي ارتكبها كلّ أولئك الذي ضحوا بكم حين سلّحوا الدكتاتورية. حاولت أن أصالحكم في نزاعاتكم الأخوية، بصفتي «أمّاً» لكم كما تعتبرونني.

وددت لو أنني أستطيع اليوم أن أصدّق، كأولئك من بينكم الذين يناصرون فكرة الحرب في العراق، بأنّ مصالحكم تتقاطع مع مصالح القوة العظمى الأمريكية.

أعرف إلى أيّ حدٍّ أنتم منقسمون بين الأمل في الحصول أخيراً على حقوقكم الشرعية في عراقٍ ديموقراطيٍّ وفدرالي، وبين الخشية من أن تروا آمالكم وقد خانها من جديد أولئك الذين يحمونكم منذ اثني عشر عاماً.

أتذكّر الحماسة التي أثارها بينكم في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر 2002، يوم إعادة توحيد برلمانكم المحليّ في إربيل، استخدام كولن باول لكلمة «شركاء» في وصفه للأكراد العراقيين ضمن رسالة التشجيع والتهنئة التي أرسلها بتلك المناسبة. لقد اعتبروكم شركاء للولايات المتحدة في النضال ضدّ الهمجية والرعب.

لكن يبدو لي بأنّكم قد انخرطتم في هذا الصراع قبل ذلك بكثير، قبل فترة طويلة من انخراط الأمريكيين في هذا الدرب مدفوعين بمصالحهم.

إنّكم تحاربون هذا النظام منذ خمسةٍ وثلاثين عاماً، وتدفعون في سبيل ذلك أرواحاً مبذولة، ومفقودين، وقرىً ومدناً محروقة، وهاربين ولاجئين، وآلافاً، بل مئات الآلاف من الأرامل واليتامى. هل يمكنكم، يا أصدقائي، أن تفسروا لي المعنى الذي تعطيه القوة الأمريكية لهذه «الشراكة» معكم؟

هل تستطيعون أن تروني وثيقةً رسميةً واحدة تعهد فيها مسؤولٌ من الإدارة الأمريكية بتحقيق مطالبكم في دولةٍ عراقية ديموقراطية وفدرالية؟ كيف تفسرون تدريب ميليشياتٍ كردية في هنغاريا داخل قواعد عسكرية أمريكية، في حين أثبتت أجهزة الأمن التابعة لكم قدرتها على إدارة الوضع المحليّ؟

من جهةٍ أخرى، من يستطيع أن يقول لي لماذا لم يقم «الحماة» الأنغلو-أمريكيون بتجهيز المدنيين الأكراد الذين عايشوا القصف بالمواد الكيميائية في حلبجة بالأقنعة الواقية، توقياً لهجومٍ بالغازات الكيميائية والسامة يقوم به الجيش العراقي؟

لقد سمح البرلمان التركي للطائرات العسكرية الأنغلو-أمريكية بالتحليق في المجال الجوي للبلاد ورفض انتشار القوات البرية الأنغلو-أمريكية على أراضيه، متخلياً بذلك عن مساعدة مالية تقارب ستة مليارات دولار أمريكي. من جهةٍ أخرى، وافق الأمريكيون على أن تقوم السلطات التركية بنشر الفرق البرّية التركية على الأراضي العراقية، وبتحديدٍ أكثر في كردستان العراق، وذلك لأسباب «إنسانية».

من حقنا التساؤل حول تفسير السلطات التركية لهذه الكلمة.

مسعود البرازاني جلال الطالباني

يكفي أن نذكّر بصراع القادة الأتراك ضد المطالب الديموقراطية للأكراد في تركيا.  

لقد كنتم معارضين لكلّ وجودٍ عسكريّ تركي في منطقتكم، حتى لوكان بقيادةٍ عسكريةٍ أمريكية. وأخشى كثيراً بالفعل، نظراً للأوضاع الراهنة، أن تكون هذه بداية أيامٍ سود على كردستان العراق.

بالنسبة لما سيؤول إليه الوضع في منطقتكم، فإنّ الأمريكيين يعيدونكم إلى أصدقائكم في المعارضة العراقية، قائلين لكم بأنّ حلّ مشاكلكم الناتجة عن الشؤون الداخلية العراقية ينبغي أن يتمّ في هذا الإطار.

بطبيعة الحال، فإنّ كافة ممثلي المعارضة العراقية الذين حضروا مؤتمر التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في الجمعية الوطنية الفرنسية قد أعلنوا مساندتهم لوضعٍ فدراليّ بالنسبة للأكراد، ضمن تعريفاتٍ يعود إليكم تفسيرها.

إننا نتمنى بالفعل أن تتمكنوا من التفاهم مع أخوتكم في المعارضة العراقية، كي تبنوا معاً بلداً ديموقراطياً وفدرالياً على أساس دستورٍ يضمن إحلال الحريات الديموقراطية والمؤسسات التمثيلية.

لكن، ضمن جوّ عدم اليقين الذي يهيمن على ما بعد الحرب في العراق، ما هو الالتزام الذي حصلتم عليه من «حماتكم» الأنغلو-أمريكيين في هذا المجال؟

أثناء سفري الأخير إلى كردستان العراق في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، شرح لي المسؤول عن برنامج إزالة الألغام إلى أية درجة يبدو له عمله كبيراً وصعباً.

من جهةٍ، بسبب رفض بغداد تقديم الخريطة التي تظهر الأمكنة الذي وضع فيها الجيش العراقي تلك الكمية الهائلة من الألغام إلى السلطات المعنية؛ ومن جهة أخرى، بفعل الصعوبة التي تواجه الحصول من بغداد على السماح باستجلاب خبراء في نزع الألغام في إطار اتفاق «النفط مقابل الغذاء». وكما تعلمون، فإنّ الأمريكيين يزرعون ألغاماً جديدة في بلدكم، ويخططون لاستخدام قنابل اليورانيوم المخصب من جديد.

أنتم تقولون لي بأنكم لا تستطيعون الوقوف في وجه إرادة القوة العظمى الأمريكية في الحرب التي تشنها على العراق، علاوةً على أنّهم «حماتكم». ألا تستطيعون أن تقولوا لهم بأنّ زرع الألغام في العراق وقصفه يهمكم بمقدار ما يهمّ كل الشعب في هذا البلد، لا بل الإنسانية جمعاء؟

إنكم بالتأكيد تستحقون الحرية والسلام في ظلّ احترام اختلافاتكم وثقافتكم. أنتم تعلمون إلى أيّ مدى كنت سعيدةً وأنا أرى إعادة إعمار بلدكم، والأطفال في المدارس، والشباب في الجامعة، والمعسكرات (التي أنشئت في فترة وجود الجيش العراقي) وقد تحولت إلى حدائق عامة كبيرة، والنساء متجمعات ضمن هيئات وشريكاتٍ في إعادة البناء. سوف تكون خيبة أمل أصدقائكم هائلةً إن ضاعت هذه المكتسبات.

ولأنكم ضحايا لتاريخٍ يبدو كأنّه يُحبَك دائماً على حسابكم، فإنّكم تعتقدون بأنّكم باستقبالكم لـ «المحررين» الأمريكيين بأذرع مفتوحة كما فعل الفرنسيون في العام 1944، تحصلون على فرصة للتخلص من دكتاتورية صدام حسين الدموية.

ربما تقولون لي: أليس ما كان شرعياً بالنسبة للبعض شرعيّ بالنسبة لغيرهم؟ أليس للأكراد الحق في الحماية والدعم؟ بلى، بالطبع. لكن هل يمكن لكم أن تثقوا ببلد، هو الولايات المتحدة، خانكم مرتين بصورةٍ مأساوية، في عامي 1975 و1991؟

 لو أنني مكانكم، لاحترست.

 

■ دانييل ميتيران