البوليفاريون يعلنون النفير: فليأت الحصار!
«إن أي شخص على شيء من الاطلاع يدرك فوراً أن الاتفاق التكميلي للتعاون والمساعدة الفنية في الدفاع والأمن بين الحكومتين الكولومبية والأمريكية المجمّل، الذي تم توقيعه في الثلاثين من تشرين الأول الماضي (..) يعادل بمضمونه ضم كولومبيا إلى الولايات المتحدة»، بهذه الكلمات استهل الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو واحدة من أحدث «تأملاته» تحت عنوان «ضم كولومبيا إلى الولايات المتحدة»، وقد سبق للرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز أن حذر بالتوازي مع ذلك تقريباً من «اعتداء أمريكي مسلّح محتمل انطلاقاً من كولومبيا» داعياً العسكريين في بلاده لأن يكونوا مستعدين «للحرب»، ومطالباً في الوقت عينه مواطنيه بـ«الدفاع عن الوطن»، وللتأكيد على الموقف اللاتيني الآخذ بالتوحد مقابل التوغل الأمريكي العسكري في قارة «التحالف البوليفي من أجل أمريكا»، خاصةً بعد أن وقعت الولايات المتحدة اتفاقية مع كولومبيا تمنحها حق استخدام سبع قواعد عسكرية فيها، الأمر الذي رأى فيه قادة كل من كوبا وفنزويلا وبوليفيا- حتى الآن على الأقل- تهديداً للمنطقة برمّتها، حيث انضم الرئيس البوليفي إيفو موراليس إلى تشافيز بالدعوة إلى الاستعداد «لنتائج غزو عسكري أميركي للقارة (..) انطلاقاً من القواعد في كولومبيا»، والدعوة كذلك إلى عقد اجتماع طارئ للمجموعة اللاتينية-الأميركية (التحالف البوليفي من اجل أميركا) الذي يضم فنزويلا وبوليفيا لدرس الوضع في كولومبيا الذي وصفه بأنه «خطير جداً بالنسبة لأمريكا اللاتينية».
وبينما رأى الرفيق كاسترو أن «اتفاقية المساعدة العسكرية بين جمهورية كولومبيا والولايات المتحدة (..) وغيرها من المعاهدات والقرارات (..) لا تبرّر تحويل بلد تبلغ مساحته مليون و141 ألفاً و748 كيلومتر مربع ويقع في قلب أمريكا الجنوبية إلى قاعدة عسكرية للولايات المتحدة»، فإن تشافيز الذي حضّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما على عدم ارتكاب خطأ «إصدار الأمر بشن اعتداء مفتوح على فنزويلا عبر كولومبيا»، أكد أنّ «الحكومة الكولومبية انتقلت إلى الولايات المتحدة ولم تعد موجودة في بوغوتا»، كما اعتبر أنّ «العسكريين الأمريكيين سيكونون على سجيّتهم في كولومبيا، كما لو أنّهم في ولاية أمريكية».
وتزعم الولايات المتحدة أن الاتفاقية العسكرية الموقعة مع كولومبيا تهدف إلى مكافحة تجارة المخدرات والإرهاب الدولي، ولكن الأمر أكبر من ذلك، فكل المؤشرات تدل إلى أن الولايات المتحدة باتت ترتعش اليوم من تعاظم المد الثوري في القارة، فما كان منها إلا أن تحاول زرع الفتن بين الدول التي تقارب بينها مصالح الشعوب وتاريخها الكفاحي المشترك ضد الاستعمار، ممارسة ذلك عبر التدخل بشؤونها الداخلية تارةً بشكل علني- كما في الاتفاقية التي تسمح لها باستخدام القواعد العسكرية الكولومبية بما فيها من جنود، وتارةً أخرى بشكل غير علني- كما حدث في هندوراس حيث دعمت الولايات المتحدة القوى الإنقلابية هناك و«مشت في جنازة» النظام السابق!
ويصور الرفيق كاسترو النوايا الأمريكية للقارة اللاتينية بشكل أكثر تحديداً حين يبين كيفية لجوء الإدارة الأمريكية لاستغلال الشعوب في حروبها إذ يوضح أنه «مضت حتى الآن 59 سنة على إرسال جنود كولومبيين إلى آسيا البعيدة ليقاتلوا إلى جانب القوات اليانكية ضد الصينيين والكوريين في تشرين الأول من عام 1950»، مبيناً أن «ما تسعى إليه الإمبراطورية (الأمريكية) الآن هو إرسالهم (الكولومبيين) ليقاتلوا ضد أخوانهم الفنزويليين والإكوادوريين وغيرهم من أبناء الشعوب البوليفارية والتابعة لمجموعة (ألبا)، من أجل سحق الثورة الفنزويلية، كما حاولوا أن يفعلوا مع الثورة الكوبية في نيسان من عام 1961»..
إذاً، تقف أمريكا اللاتينية اليوم أمام تحدٍّ جديد من شأنه أن يزيد عزيمة شعوبها على النصر ويوحد قواها الصاعدة في وجه الإمبريالية المأزومة اقتصادياً وعسكرياً في كل أنحاء الأرض من العراق إلى أفغانستان، وصولاً إلى كوبا وفنزويلا، أمريكا البوليفارية تعلن النفير: فليأت الحصار ولتأت الحرب ما دامت ستنصرهم وتوحدهم. وهنا سعى كاسترو إلى تحديد المسار المحتمل للأحداث لاحقاً: «لا يراودني أدنى شك بالنسبة لردة فعل الشعوب؛ فهي ستشعر بالخنجر الذي يُغرس في أعمق أعماق مشاعرها، وخاصة الشعب الكولومبي؛ (وهي) ستعترض، ولن تقبل أبداً بمثل هذا الخزي»!..