العراق.. بين المطامع والذرائع ذاب الثلج وبان المرج! باول: حرب العراق ستغير خارطة المنطقة لصالح أمريكا

مع تصريح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول السافر «إن الحرب في العراق ستغير خريطة الشرق الأوسط لصالح أمريكا وإسرائيل»، تدخل استراتيجيات واشنطن العدوانية المطبقة منذ ما قبل تسعينات القرن الماضي مرحلة جديدة قوامها إزاحة الذرائع وإعلان النوايا الحقيقية على المكشوف وذلك في ظل استفحال العزلة التي تعاني منها مخططات الحرب الأمريكية لدى غالبية عواصم العالم رغم كل الاختراقات التي نجحت واشنطن في تحقيقها لصالح عدوانها لدى عدد متنام من دول أوربا الشرقية على خلفية تطميعها بالانضمام إلى عضوية حلف الأطلسي وبالصفقات والمساعدات الاقتصادية مع ومن جانب البيت الأبيض.

ومما يزيد من صفاقة واشنطن التي باتت تريد أن تعلن على الملأ أنه يحق لها ما لا يحق لغيرها ليس فقط إعلان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أن وزارته طورت غازات محظورة دولياً لاستخدامها في العراق على اعتبار «أن القوات الأمريكية يحق لها في غياب المراسيم الرئاسية وفي أحوال كثيرة إطلاق النار على الناس وقتلهم ولكنها تفعل ما في وسعها لاحترام الحدود المسموح بها في هذا المجال» (هكذا!) بل إعلان قادة الجيش الأمريكي إنهم ينوون «البقاء في العراق لمدة عامين أكثر أو أقل حسب ضرورات الوضع العراقي» أي بحسب مقتضيات استباحتهم للعراق أرضاً وشعباً وثروات.

في البحث عن دوافع هذا الانتقال في الإعلان الأمريكي نجد في العناوين:

1. وجود انقسام واضح ومستمر إلى الآن في مواقف حلفاء واشنطن الأوربيين بين مؤيد لها يريد اقتناص الأمر للحاق بركب فُتاتها، ومعارض لمنطق هيمنتها المطلقة بدافع الحرص على مصالحه الاستراتيجية في العالم، وهو انقسام تكرس سياسياً إثر القمة الأوربية الأخيرة رغم تسوياتها، ولاسيما مع تمسك باريس وبرلين بمواقفهما المناهضة للحلول العسكرية الأمريكية وتقديمهما بدائل «سلمية» تتعلق بعمل المفتشين وزيادة عددهم ومرافقتهم العسكرية من قبل قوات فصل دولية. وإن كان ذلك غير مبرر في ضوء التعاون المطرد من جانب العراق وعدم عثور المفتشين على أي أسلحة محظورة  فيه، فإنه قد يشكل غطاءً دولياً آخر للتدخل في العراق وشؤونه الداخلية  وإن كان يهدف في الوقت ذاته إعاقة التهور الأمريكي وهو أمر تدركه واشنطن تماماً وتنتقده علناً متوعدة في ضغط آخر منها بتجاوز الجميع والذهاب إلى غاياتها منفردة.

2. عدم نجاح واشنطن إلى الآن في جر حلف الأطلسي برمته خلف مخططاتها وذلك رغم محاولتها وضع تركيا في الواجهة على أساس «ضرورة الدفاع عنها في حال الحرب على العراق» بوصفها عضواً رئيسياً في الحلف ويحق لها الاستفادة من البند الخامس في ميثاقه مثلما كان الحال مع الولايات المتحدة في أعقاب أحداث أيلول2000. ولكن يبدو أن الأعضاء الرئيسيين في الحلف الذين أحيوا هذا البند من باب التعاطف مع واشنطن آنذاك باتوا يدركون أن «شقيقتهم الكبرى» إنما تحاول استغلال الأمر كله لخدمة مصالحها على حسابهم، مع الأخذ بعين الاعتبار إن كل الأطراف يدركون أن تركيا لن تكون بحاجة للدفاع عنها في وجه العراق المعتدى عليه والمنشغل بالدفاع عن نفسه في حال قيام الحرب، وإنما هو البيت الأبيض الذي يحاول حسم التردد التركي بين المؤسستين العسكرية الموالية لواشنطن تاريخياً والسياسية القادمة للسلطة حديثاً على خلفية الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي ولكن ليس على حساب واشنطن في كل الأحوال.

3. رغم كل محاولات التحييد والضغط والشراء الأمريكية، هناك حالة من الترقب الصيني والروسي لتطور مواقف بقية عواصم القرار في العالم ولاسيما فرنسا في مجلس الأمن الدولي، فإن صمدت هذه الدول على مواقفها كان لدى بكين وموسكو ما يبرر مواقفهما أمام واشنطن، وإن تراجعت هذه الدول بحث هذان المركزان عن المقابل الذي سيقدمه البيت الأبيض في أي صفقات استعمارية تُعقد حول المنطقة من جديد (مصادر اقتصادية صينية تحدثت عن أن الحرب مكروهة ولكنها تدر أعمالاً ولاسيما في المقاولات الإنشائية في مرحلة إعمار العراق ما بعد الحرب وإن الشركات الصينية لن تأخذ إلا المقاولات التي تتراوح عقودها بين 10-30 مليون دولار).

4.  رغم حالة الترهل والتبعثر العربي التي تخدم واشنطن إلا أن هذه الأخيرة فشلت  كلياً في تسويق مزاعمها «الديمقراطية» حول ضرورة إقصاء نظام صدام حسين «الديكتاتوري الذي مارس أبشع المجازر بحق شعبه»… والجميع يدرك أن هذا كلام حق يراد به باطل يقوم على أساس ما يسميه منظرو الاستراتيجيات الأمريكية الدخول في «صراعات متوسطة الحدة» (أي حروب إقليمية) وإقامة «ديمقراطيات منخفضة الحدة» (أي إحداث تغييرات اقتصادية اجتماعية سياسية محتواة أمريكياًً للحفاظ على مصالح واشنطن وتعزيزها ولاسيما في دول العالم الثالث ودول المنظومة الاشتراكية سابقاً- وذلك في الحالة العراقية عبر الاتصال بأطياف المعارضة العراقية وتصنيع إناء أمريكي لها)… وصحيح أن ما من عاقل يمكنه أن يدافع عن «فزاعة» نظام صدام حسين الذي لو أرادت الإدارة الأمريكية أن تنهي دوره المجير لصالحها منذ حرب الخليج الأولى وأن تصفيه عبر عملياتها السرية لتمكنت من ذلك منذ زمان، ولكن مستقبل المنطقة برمتها وليس العراق ونفطه واستمرار وجود عناصر قوته الإقليمية المحتملة فحسب هو المطروح على الطاولة الآن بحسب اعترافات باول المذكورة أعلاه. وشأن صدام في ذلك شأن فزاعة بن لادن/ الأداة، التي تظهر عبر قناة الجزيرة القطرية بين الفينة والأخرى كلما دخلت الإدارة الأمريكية مأزقاً زمنياً وظرفياً جديداً في محاولاتها فرض مخططاتها على العالم بما فيه الداخل الأمريكي ذاته المُغيب دوره الشعبي تحت تأثير الأخطبوط الإعلامي الاقتصادي الصهيوني المسيطر في الولايات المتحدة الأمريكية.

5. وجود تظاهرات شعبية عارمة على امتداد مساحة العالم تُظهر أن كل مكائد واشنطن وحيلها مع حلفائها لم تنطل على شعوب الأرض التي باتت تدرك أكثر فأكثر أن مستقبل البشرية السلمي والتنموي العادل ينبغي أن يُبنى بعيداً عن الاستعلاء والمعايير المزدوجة الأمريكية وعمن يسير في ركابها، (اللافت هنا ولو من باب الدلالات الأولية قيام البرلمان الاسترالي بحجب الثقة عن حكومة جون هاوارد التي حركت قطعاً عسكرية استرالية لدعم واشنطن، والدعوى التي أقيمت في لندن على رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير بوصفه مجرم حرب يساند مخططات واشنطن العدوانية رغم كون بريطانيا أحد الموقعين على محكمة الجنايات الدولية التي تشكلت حديثاً وأدارت واشنطن الظهر لها).

في نهاية المطاف، ليس جديداً القول إن ما بات يعرف بالمسألة العراقية يشكل منعطفاً دولياًً حاسماً في تصعيد واشنطن لحالة استعدائها شعوب العالم  تحت ضغط جشعها الإمبريالي الذي يتجاوز كل المعايير الدولية والأخلاقية والإنسانية وهو ما يؤدي عملياً إلى اعتماد خيار المقاومة الشاملة الذي تعلنه شعوب العالم وتبتدع أشكالاًً مختلفة للتعبير عنه، ومنها الشعوب العربية ولو بأشكال بدائية تحتاج لمزيد من التطوير والتصعيد.

■عبادة بوظو

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.