القمة الخليجية الثالثة والعشرون.. قمة «العجز» و «التواطؤ»!
اختتم مجلس التعاون الخليجي قمته الثالثة والعشرين في العاصمة القطرية وسط مقاطعة أربعة من قادة هذا التجمع الإقليمي.
والحقيقة إن خفض مستوى التمثيل لا يعود في الأساس إلى استمرار فتور العلاقات بين السعودية وقطر، وتضامن دول أخرى مع الرياض، لأنهم جميعاً «في الهم غرب» وإنما يعود إلى شعور الأعضاء بأن المجلس فقد تأثيره السياسي بعد تفرد بعض دوله بقرارات تتناقض مع مواقفه المعلنة وتوجهات شعوبه.
موقف متخاذل
وإذا كان من المفترض أن يكون الموضوع العراقي أبرز قضية في القمة وأن يتخذ فيها موقف صريح يرفض الحرب على العراق ويطالب بحل سلمي للأزمة، وهذا مالم يحدث. بل أكثر من ذلك فقد دافع وزير خارجية قطر في أعقاب اختتام أعمال القمة عن موقف بلاده من الوجود الأمريكي على الأراضي القطرية وقال إن مجلس التعاون يعتمد على الولايات المتحدة في أمنه، كما دافع عن الاتفاق الدفاعي القطري الأمريكي الذي وقع في وقت سابق وسمح بموجبه للقوات الأمريكية استخدام القواعد القطرية، ولتبرير موقف بلاده هذا قال إن معظم دول مجلس التعاون وقعت اتفاقات دفاعية مع الولايات المتحدة قبل أعوام وأن قطر هي أخر دولة تفعل ذلك، كما عبر عن عجز الدول الخليجية حيال أي عدوان على العراق حين أكد أن تأثير دول مجلس التعاون قليل ومحدود في تفادي ضربة أمريكية ضد العراق مشيراً إلى أن الوجود الأمريكي في المنطقة ليس لحماية الدول الخليجية فقط، وإنما للدفاع عن المصالح الأمريكية أيضاً!!
قمة أقل من عادية
ولذلك فإن جميع الكلام الذي قيل قبل انعقاد القمة والتوقعات التي جرى الحديث عنها قد حصلت وتبين أن مواقفها وقراراتها كانت أقل من عادية، بل عاجزة ومتخاذلة أمام الأخطار الجسيمة التي تواجهها المنطقة بكاملها.
العدوان على العراق
فعلى صعيد الوضع في العراق والتهديدات الأمريكية الجدية بشن الحرب عليه والذي يعتبر الموضوع الأهم الذي يشغل بال المنطقة والعالم العربي، وبالتالي هو الموضوع السياسي الأهم المطروح على جدول الأعمال فإن القمة خرجت بموقف لا يختلف عن مواقف سابقة حيث اكتفت بالتأكيد على التمسك بقرار مجلس الأمن 1441 والإشارة إلى قرار القمة العربية الذي أعلن رفضه توجيه ضربة عسكرية لأي دولة عربية بما فيها العراق. كما تضمن البيان صيغة عامة تجنب الدول الأعضاء الاختلاف فيما بينها على موقف لا تستطيعه، لأنها عاجزة عن الإعلان بصراحة وحزم عن رفض دول الخليج الحرب على العراق، بينما تقع على بعد نصف ساعة من مكان اجتماع القمة قاعدة «العديد» القطرية التي تتمركز فيها القيادة العسكرية الأمريكية التي ستقود العدوان على الشعب العراقي، وعلى بعد عشرات الكيلومترات من قاعدة «الجفير» البحرية في المنامة عاصمة البحرين حيث يربض الأسطول الخامس الأمريكي الذي ستنطلق من سفنه الطائرات الأمريكية لتشن غاراتها على العراق، وترك الأمر لكل دولة خليجية على حدة اتخاذ القرار المناسب باعتباره من «شؤون السيادة»!!
والأنكى من ذلك فإن أمير قطر أعلن صراحة بأن دول الخليج مرتبطة بمعاهدات عسكرية مع الولايات المتحدة ولا تستطيع معارضتها ومقاومتها، كما لا تستطيع منع استخدام القواعد العسكرية على أرضها لتنطلق منها قوات العدوان.
قمة العجز
ولذلك فإن القمة وقفت موقف العاجز أمام الضغوط الأمريكية بلا حول ولاقوة، وقد نسي قادة الخليج أن الضربة الأمريكية للعراق ستكون بمثابة الكارثة للأمة العربية ولن يسلم الخليج العربي من تداعيات الحرب، لأن الضربة تستهدف بالدرجة الأولى وضع اليد على النفط، وبالتالي التحكم بصناعة النفط في العالم، كما أنه من شأنها إرهاب العرب أجمعين فلن يبقى صوت بينهم يعترض على أمر لا تريده، وإن أخطر ما يمكن أن ينجم هو فرض حل لقضية فلسطين يحقق الأطماع الإسرائيلية تحقيقاً كاملاً.
حول الوضع الفلسطيني
وإذا كانت دول الخليج قد اتخذت موقفاً بالشأن العراقي يعبر عن عجزها بل بالأحرى، يعكس تواطؤ حكامها مع الإمبرياليين الأمريكيين، فإن موقف القمة من الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس أفضل. إذ اكتفت القمة بإدانة العدوان والاحتلال الإسرائيلي وتأييد الفلسطينيين بالكلام ذراً للرماد في العيون أمام شعوبهم، ولم يخرج موقفهم بأكثر من تأييد المبادرة السعودية التي تحولت في قمة بيروت إلى مبادرة عربية ورد عليها الإسرائيليون رداً سريعاً باجتياح الأراضي الفلسطينية وإعادة احتلالها من جديد، كما تجنب حكام الخليج توجيه أي نقد للإدارة الأمريكية التي تدعم إسرائيل دعماً لا حد له، وفضلاً عن ذلك لم تتخذ أي مواقف عملية سياسية واقتصادية للضغط على الولايات المتحدة لإيقاف العدوان على الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
الوحدة الجمركية
تركزت النقطة الثالثة على الوحدة الجمركية بين الدول الخليجية الست، والتي سيبدأ العمل فيها اعتباراً من أول كانون الثاني عام 2003 ويحدد الاتفاق المبرم نسبة الجمارك على الواردات بـ5% ويلغي الجمارك المفروضة على جميع ماتنتجه دول الخليج. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة هامة على طريق تعزيز التعاون الاقتصادي الخليجي المشترك، فإن هذه الخطوة كان قد اتفق عليها في دورة سابقة.
قمة تصريف الأعمال
وهكذا انتهت القمة الخليجية الثالثة والعشرون بدون قرارات سياسية هامة وخاصة بالنسبة لاحتمالات العدوان على العراق، والاعتداء المستمر على الشعب الفلسطيني، وقد وصفها أحدهم بأنها قمة «تصريف الأعمال» وكان الأحرى بأن توصف بقمة العجز.
إن هذه النتيجة كانت متوقعة، فالمكتوب، كما يقال، يعرف من عنوانه، فبمجرد النظر إلى مستوى التمثيل، ومدى ارتباط هذه الدول بالإمبرياليين الأمريكان والمكبلة أيديهم بالقواعد العسكرية الموجودة على أراضيهم، وبالمعاهدات المعقودة مع واشنطن، وأن قادته رجعيون ومتآمرون على شعوبهم وعلى نضالات العرب القومية وخصوصاً على الشعب العراقي وعلى القضية الفلسطينية.
إن هذه النتيجة كانت منطقية للتهرب من اتخاذ موقف من القضايا المصيرية، حفاظاً على كراسيهم وثرواتهم الطائلة المودعة في البنوك الأمريكية، وإن أي أمل في هؤلاء الحكام، هو بمثابة أمل إبليس في الجنة.