الامبريالية المتأزمة توسع ارهابها المنظم ضد الشعوب ملوك النفط في واشنطن يريدون رأس شافيز… وثروات بلاده
بعد تطويقهم منابع نفط قزوين عسكرياً واقتصادياً إثر حربهم في أفغانستان ضمن ما يسمونه بالحملة على «الإرهاب الدولي» ورموزه - وهو صنيعتهم بالأساس-
وبالتزامن مع ترويجهم لحرب مبيتة على العراق يعرف العالم أجمع أن واحداً من أهدافها الرئيسية يتمثل حقيقة في التحكم بمنابع النفط في العراق يواصل ساسة البيت الأبيض من أصحاب شركات النفط الأمريكية والمديرين التنفيذيين لها سابقاً سيناريو التدخل في الشؤون الداخلية الفنزويلية مضيفين في مراحل هذا التدخل وأساليبه شكلاً آخر للحروب والأزمات الإقليمية والدولية المفتعلة بأصابع أمريكية والتي تصطنع مختلف اللافتات للوصول إلى الهدف ذاته في محاولة إقصاء الخصوم وإحكام السيطرة الاقتصادية لنظام أمريكي مأزوم ومتداع في بعديه الداخلي والدولي وتنهشه الفضائح والإفلاسات المالية والعجوزات الإدارية مؤكدة أن الحرب الكونية المقبلة والمرسومة للخروج من الأزمات الأمريكية ستدور حول النفط كوقود يطيل من عمر الرأسمالية الأمريكية وحليفاتها.
أمريكا اللاتينية.. وكسر أطواق البيت الأبيض
وليس جديداً القول إن معظم التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها أعداد متتالية من دول أمريكا اللاتينية (البرازيل والأرجنتين والبيرو والإكوادور وتشيلي وفنزويلا بالذات إلى جانب المثال الكوبي تاريخياً) والمتمثلة في الصعود السياسي لقوى اليسار إلى سدة الحكم أو في محاولة كسر الأطواق والقوالب الاقتصادية الأمريكية أو في تصفية الحساب شعبياً مع موروثات الديكتاتوريات التي نصّبتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في النصف الثاني من القرن الماضي، مجمل هذه التطورات لا تروق لواشنطن التي طالما أرادت إبقاء القارة ككل خاصرة وحديقة خلفية لها تقتات من ثمارها ومواردها وتحسبها من ضمن أوراقها الرابحة من خلال الأنظمة الموالية لها في تنازع مصالحها دولياً مع بقية المراكز الامبريالية العالمية.
وعلى هذا الأساس يمكن فهم حقيقة ما يجري في فنزويلا مع أبعاد أكبر إضراب تشهده البلاد ويشل قطاعاتها الاقتصادية وفي مقدمتها النفط مهدداً في موجة ثانية استقرار حكومة الرئيس المنتخب هوغو شافيز بعد محاولة نيسان الانقلابية التي فشلت في الإطاحة به.
«الغني والفقير»
المعادلة في فنزويلا الآن هي صراع بين قاعدة شعبية واسعة من الفقراء الداعمين لرئيس منتخب يصف خصومه بالطابور الخامس العامل لصالح جهات خارجية (أي أمريكية)، رئيس يحاول رغم إدراكه لما يحاك ضده وضد بلاده التماسك والتمسك بالوسائل الديمقراطية والدستورية لاحتواء الموقف كيلا يوصف على نحو جاهز من قبل خصومه ولاسيما في واشنطن بالديكتاتور والحاكم الشمولي على أساس انتمائه وسياساته اليسارية، وبين مجموعة من الرأسماليين المحليين وأرباب العمل وكبار التجار وأحزاب المعارضة وبعض ضباط الجيش الذين يستخدمون بدعم أمريكي كما في المرة السابقة ولكن في نقلة تصعيدية عنها كل الوسائل اللاديمقراطية بما فيها التآمر والتخريب وشراء الإضرابات وتهييج العامة وخرق الدستور لإقصاء خصمهم عن سدة الحكم في البلاد والإتيان بحاكم يواكب المعايير الأمريكية ويتراجع عن إصلاحات شافيز اليسارية بوصفها سبب الأزمة.
أزمة مفتعلة…
تحت عنوان «افتعال أزمة في فنزويلا» رأت صحيفة لوموند دبلوماتيك الفرنسية في عددها الصادر يوم 13 من الشهر الحالي أن المعارضة الفنزويلية التي أصيبت بهزيمة ماحقة إثر فشل الانقلاب الرئاسي في 11 نيسان الماضي تقوم الآن بمحاولة جديدة لزعزعة استقرار البلاد مدعومة من قبل القيادة البيروقراطية للنقابات وبعض الأحزاب التقليدية وذلك من خلال أساليب ومؤشرات كثيرة تعود بالذاكرة إلى الاستراتيجية التي اتبعت في تشيلي للإطاحة بحكومة سلفادور الليندي (الاشتراكية المنتخبة في أوائل سبعينيات القرن الماضي).
فالدعوة للإضراب العام التي أطلقها أرباب العمل في الثاني من الشهر الجاري واعدين المضربين من خلالها بدفع أجورهم لم يجر الالتزام بها وظهرت كل ملامح السيناريو الذي اتبع قبل نيسان 2002:
■ دعوة للعصيان المدني والعسكري من قبل مجموعة ضباط من منطقة محررة كانت سابقاً احد الأحياء الراقية في العاصمة كاراكاس.
■ توتير الوضع عبر أجهزة الإعلام المملوكة للقطاع الخاص والتي تدعو طيلة 18 ساعة يومياً وعلى نحو سافر للانقلاب.
■ إيجاد الظروف المناسبة لقيام أعمال عنف وتخريب تستدعي دعوة «المجتمع الدولي» (أي واشنطن عملياً مرة أخرى) لوضع حد للفوضى… ففي حادثة لإطلاق نار قيدت ضد مجهول في 12 من الشهر الجاري لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم وجرح عشرون آخرون من صفوف المعارضة وذلك في تظاهرة شاءت «المصادفة» أن تتزامن مع حديث تلفزيوني كان يدلي به أحد قادة المعارضة الأمر الذي دفع بهذا الأخير إلى توظيف الحادثة مباشرة واتهام الرئيس وعلى الهواء مباشرة بالقاتل الذي يقف وراء هذه العملية/ الجريمة، ودون تحقيق استخدمت كل وسائل الإعلام الخاصة هذا الاستنتاج المدبر.
■ وقد جرى استخدام حادثة 12/12/2002 من أجل خلق حالة فوضى وانعدام استقرار اقتصادي عن طريق دفع الكوادر التكنوقراطية العليا ولاسيما مدراء النفط الموالين للخصخصة للإضراب الذي ضرب إنتاج النفط وتصديره في خامس بلد منتج له في العالم حيث بلغت خسائرة خمسين مليون دولار يومياً إلى جانب توقف الصادرات إلى الولايات المتحدة على وجه التحديد كونها أكبر مستورد للنفط الفنزويلي الأمر الذي يدفع بالبلدين إلى حافة ما قبل الحرب الاقتصادية المفتوحة، وهو ما أعطى الحجة لواشنطن للمطالبة بالخروج من هذا الوضع عبر الدعوة لانتخابات مبكرة خارج الإطار الدستوري (علماً بأن وزارة الطاقة الأمريكية ذكرت بعد استقدام الرئيس شافيز لعمالة أخرى بغية إعادة تشغيل منصات الاستخراج المتوفقة عن العمل بسبب الإضراب أنها ستسمح لشركات النفط بتأجيل توريد شحنات مقررة لاحتياطي النفط الاستراتيجي حفاظاً على وفرة المعروض في الإضراب الحالي وذلك بالتزامن مع تمسك البيت الأبيض بتصريحاته من أن الحل الممكن الوحيد بحسب البيت الأبيض يتمثل في إجراء انتخابات مبكرة).
■ وفي هذا السياق تمضي المعارضة في مطالبتها باستقالة شافيز فورياً وهي تدرك مسبقاً أن ذلك سيمنع اشتراكه في أي حملة انتخابية لاحقة الأمر الذي يعطي فكرة وافية عن مفهوم الديمقراطية الخاص جداً لدى المعارضة.
دور وسائل الإعلام…
على صعيد آخر ومنذ 11/12/2002 تقوم أجهزة الإعلام الإمبريالي بتعتيم كامل حول حقيقة ما يجري في فنزويلا ولا تأتي بذكر أي شيء بخصوص نزول مئات الآلاف من جماهير الرئيس المنتخب في تظاهرات سلمية يومياً وبما يفوق الأعداد في تظاهرات المعارضة مطالبين وسائل الإعلام المحلية والدولية من محطات تلفزة وصحف بقول الحقيقة حيث يحظى أنصار الرئيس بدعم الجيش الوطني، وعلى هذا الأساس تطالب هذه الجماهير السلطة الشرعية بالسيطرة على شركات النفط.
بين مداهنة واشنطن ومواجهتها…
وفي هذا السياق، وبينما تفادت منظمة الدول الأمريكية بدولها الأربع والثلاثين في اجتماعها الاستثنائي في واشنطن تأييد دعوة البيت الأبيض لإجراء انتخابات مبكرة في فنزويلا تماماً كما تجنبت اتخاذ موقف واضح من طلب المندوب الفزويلي تقديم دعم صريح لحكومة هوغو شافيز تاركة الأمور للوساطة التي بدأها الأمين العام للمنظمة سيزر غافيريا، تتلقى حكومة شافيز رسائل دعم عديدة من كل أنحاء العالم كان من بينها رسائل وجهها 16 عضواً في مجلس النواب الأمريكي ذاته إلى جانب 200 شخصية أمريكية بارزة تطالب جميعها الرئيس بوش بوضع حد للتدخل الأمريكي في شؤون فنزويلا الداخلية وذلك في الوقت الذي طلبت فيه الحكومة الأمريكية من بعثتها الدبلوماسية مغادرة فنزويلا في مؤشر تصعيدي آخر من جانبها.
رائحة النفط من جديد…
في نهاية المطاف وإذا كانت جملة التطورات التي تشهدها واشنطن ومن بينها إقالة الرئيس الأمريكي لوزير خزانته بول أونيل واستقالة وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر من رئاسة اللجنة المكلفة التحقيق بأحداث أيلول تدلل على حجم الأزمة الأمريكية وأبعادها وبالتالي الأساليب التي تتبعها لتصديرها، فمن الواضح أن حلفاء واشنطن في المعارضة الفنزويلية الذين تلقوا صفعة كبرى في إعادة الجماهير لشافيز إلى سدة الحكم بعد اقل من 48 ساعة من محاولة الانقلاب الفاشلة عليه في نيسان الماضي باتوا بحاجة إلى ضحايا وقرابين جديدة بما يفوق ما جرى آنذاك وهو ما يحمل مخاطر كبيرة في المستقبل إذ أن نتيجة هذه المعركة التي تفوح منها رائحة النفط ستحدد مصير فنزويلا وربما المنطقة من جديد..
محرر الشؤون الدولية:
■ عبادة بوظو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.