ابراهيم البدراوي ابراهيم البدراوي

حتى لا نفقد البوصلة ويضيع الوطن..

الساحة المصرية تموج بالأحداث السياسية المنصبة أساساً على مسألة توريث الحكم لـ«جمال مبارك». تحركات وآراء عدة معارضة لهذا التوريث الذي نرفضه بشكل قاطع. يدور ذلك على خلفية أزمة شاملة طاحنة مستعصية على أي حل شامل أو بواسطة مجرد إصلاحات تتم في ظل هيمنة الطبقة الرأسمالية التابعة على مقدرات البلاد، أو على أساس السياسات الرأسمالية.

في خطابه بجلسة مؤتمر الجماعة الحاكمة (الحزب الوطني الديمقراطي!!) أكد مبارك على تمسكه بالسياسات القائمة المدمرة، مدعياً أن الأوضاع وردية والازدهار قادم على وجه السرعة. لكن الأهم هو أنه فتح- بصياغة غير مباشرة- الباب لتوريث الحكم لابنه. ورفض حتى الطرح الإصلاحي الذي عرضه محمد حسنين هيكل في الجزء الأول (المطول) من حديثة إلى صحيفة «المصري اليوم»، والذي لقي أصداء واسعة وترحيباً من سعد الدين إبراهيم أحد أبرز الرموز المعبرة عن المشروع الأمريكي في المنطقة.
كان قد سبق حديث «هيكل» تحرك جديد ضد التوريث دعا إليه «أيمن نور»، وهرعت للانضمام إليه شخصيات ومجموعات عديدة.
إننا إذ نعارض سلطة الطبقة الحاكمة جذرياً، كما نعارض توريث الحكم لأحد أهم رموزها– أي جمال مبارك– فإننا نعارض بالقدر نفسه تلك الدعوات الرامية إلى إضفاء قدر هائل من التشويش وتزييف الوعي بالنسبة لمسألة «التوريث»، وحصرها فقط في مجرد تغيير الوجوه، مع الإبقاء على طبيعة السلطة الحاكمة دون تغيير. أي الإبقاء على هيمنة الطبقة الرأسمالية التابعة المتوحشة، وتزيين وجهها القبيح بالمساحيق.
أتناول أولاً دعوة أيمن نور، ثم أتناول تفصيلا دعوة هيكل. وهما الدعوتان المستجدتان بشأن التوريث على خلفية الرفض الشعبي له، والذي يتم طرحه للأسف بشكل مجرد وغامض.

***

أولاً: دعوة أيمن نور:

بالتعريف المختصر، كان يعمل صحفياً بجريدة «الوفد» وعضو بالحزب ذاته. صعد إلى مستوى تنظيمي وسيط «لجنة الوفد بالقاهرة» في التسعينيات، وحصل على عضوية مجلس الشعب عن الحزب في انتخابات 1995. خرج من الحزب أثناء الصراعات الحادة التي شهدها عقب وفاة مؤسسه السيد/ فؤاد سراج الدين عام 2000 والتي استمرت لسنوات.
ارتبط نور بعلاقات قوية مع جمال مبارك. بينما اختمرت لدى السلطة فكرة تشكيل حزبين ليبراليين، يترأس أحدهما جمال، والآخر نور، يتداولان السلطة على النمط الأمريكي. وعليه أسس نور حزب الغد بموافقة السلطة، ببرنامج ( ليبرالي) يتوارى خلف شعار «بلير» وقتها أي «الطريق الثالث». غير أن جانباً من المشروع السلطوي تم العدول عنه إلى إجراء تغييرات هيكلية بالحزب الحاكم، وإنشاء «لجنة السياسات» التي فتحت الطريق لجمال لرئاستها ثم تصعيده إلى أمين عام مساعد للحزب. في سياق ذلك ارتكب نور خطأ فادحاً بتخطي الخطوط الحمراء في علاقته بالأمريكيين، وتجلى ذلك علنا بجلوسه على يمين كوندوليزا رايس في لقاء جرى في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتنامى احتضان الأمريكيين له. ثم قام بالترشح للرئاسة عام 2005 مدعوماً بالأساس بتأييد الإخوان المسلمين. وهكذا انفك التحالف القديم. وأسقطت عنه الحصانة البرلمانية وحوكم وسجن. ومورست ضغوط أمريكية شديدة للإفراج عنه شارك فيها الرئيس الأمريكي «بوش»، وتم الإفراج عنه مؤخراً قبل استكمال فترة العقوبة. لا يعنينا هنا معاقبته، لكن ما يعنينا هو عمق علاقته بالأمريكيين.
إذاً فإن نور مجرد منافس يحمل منطلقات الطبقة الحاكمة التابعة وسياساتها وبرامجها نفسها. مضافاً لها «الخلطة» الأمريكية المعتادة عن الليبرالية السياسية وتداول السلطة دون أي تغيير جوهري في الطبيعة الطبقية لها، والتي لا تستهدف سوى امتصاص غضب النخب السياسية البرجوازية، ومد أجل بقاء البرجوازية على «دست» الحكم (ولو إلى حين).
بحجة توحيد المعارضة ضد «التوريث» تمت الدعوة بهدوء في لقاءات فردية بين نور والآخرين. وانعقد اجتماع (تأسيسي) تلاه مؤتمر صحفي للإعلان عن «الحملة ضد التوريث» ظهر في صدارته أيمن نور والإخوان المسلمون ومعهم التروتسكيون وشيوعيون سابقون وناصريون وقياديون في حركة (كفاية) ومن ائتلاف التغيير... الخ!!
ورغم الشبهات حول أمر هذه «الحملة» وصلاتها بالأمريكيين، خاصة أنه كان معلوماً أن وراءها منظمة «فريدوم هاوس» الأمريكية، بكل ما هو معروف عنها، كما انطلق في التوقيت نفسه موقع الكتروني خاص بالحملة، وكذا محطة تلفزيونية على شبكة الانترنت ترسل لمدة 6 ساعات يومياً، بما يؤكد أن «الحملة» قد تم الإعداد لها أمريكياً وبشكل مسبق وجيد، ومع ذلك فقد أعلن بعض الحاضرين للاجتماع والمؤتمر الصحفي سواء من الشيوعيين السابقين (الذين لا يزال البعض يتعامل معهم بنفس الصفة للأسف) وكذا الإخوان المسلمين وغيرهم بأنهم لا يعتبرون الولايات المتحدة عدواً لهم!!
والجدير بالذكر أن نور قد أعلن عن زيارة سوف يقوم بها للولايات المتحدة وبلدان أخرى في غرب أوربا في غضون أيام بعد حصوله على إذن من النائب العام (حسب القانون بسبب العقوبة المنوه عنها سابقا).
لست أدري كيف لم يفهم بعض من شاركوا أيمن نور من الوطنيين أن الأمريكيين لهم ألف ذراع وذراع، وأنهم يمكن أن يؤيدوا السلطة ومنافسيها من الخندق نفسه، حفاظاً على هيمنة الطبقة التابعة، واستبدال من احترق منها إذا لزم الأمر بشخوص من النوع نفسه؟ لكن الاختراقات قد اتسعت، والبعض لا يريد أن يفهم لأن البوصلة قد ضاعت أو لم توجد أصلاً.

***

ثانياً: حديث «هيكل»:
الأخطر هو حديث هيكل نظراً لما يتمتع به من ثقل في الساحة السياسية والإعلامية العربية، والقضايا التي تناولها، وردود الفعل المتوالية....