الاستيطان والمفاوضات
هل هناك فرق في المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية، إن كانت بشروط أو من دون شروط؟
المفاوضات تعني ببساطة القول للمحتل، ارجع عن جزء من احتلالك. وهو بطبيعة الحال لا يرجع، والمفاوض العربي والفلسطيني يعتمد على الإدارة الأمريكية، كي «تضغط» على إسرائيل، إذ ليس لديه ورقة أخرى، لا نضالية، ولا اقتصادية، ولا سياسية. ففي النضال نحن هادئون، ولا نريد «مشاكل»، وفي الاقتصاد «أنت ومالك لأبيك»: نحن واقتصادنا للإمبريالية الدولية، وفي السياسة الآن وفي المستقبل، أن الإدارة الأمريكية لن تستيقظ شهامتها و«تضغط» ولو قليلاً على الإدارة الإسرائيلية.
المفاوضات، كما وضحت السيدة كلينتون، هي أمر أمريكي، وسمعاً وطاعة للأمر الأمريكي، ونحن نريد فقط «ورقة توت»:
تصريح، وعد، كلمة في الهواء، أي شيء فيه تلميح لوقف الاستيطان، ومع الأسف الكلام يأتي من دون «وقف»، فقط استيطان، إصرار على الاستيطان: «ورقة التوت» ممنوعة.
والاستيطان أصبح غير محرج، فهو يجري باستمرار دون نأمة احتجاج على الأرض، إلا من فلسطينيين مغلوبين على أمرهم، يسقط الكثير منهم شهداء. الاستيطان يجري بمفاوضات، أو من دون مفاوضات، والتهديد بعد إجراء المفاوضات من دون وقف الاستيطان هو تهديد يستحق الرثاء. من قال إن الإدارة الإسرائيلية مستقتلة على المفاوضات. المستقتل هو الطرف العربي، والأمريكي، ولكل أسبابه. الطرف العربي يريد المفاوضات لتكون غلافاً سياسياً له، والطرف الأمريكي يريد المفاوضات لينتهي من المشاكل الثانوية في المنطقة وحصرها في دائرة صغيرة (مسرحية صغيرة) ليلتفت إلى ما هو أهم: بناء الشرق الأوسط الجديد. والأمر يستلزم لدى الإدارة الأمريكية الانتهاء طوعاً أو كرهاً مما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي، فيجب أن يقبل العرب (الإدارات العربية أولاً) بالاحتلال، وينتهي الأمر. قضية فلسطين يجب أن تنتهي.
دولة فلسطينية؟ هناك دولتان، بدل الواحدة، فالمسألة محلولة(؟) وتبقى الأمور على ما هي عليه. والتطبيع يجب أن يتم، وإذا لم ينفذ الأمر اليوم، فسينفذ غداً. ومع ذلك، هل بقي هناك عدم تطبيع؟ البضائع الإسرائيلية تدخل الأسواق العربية، والإسرائيليون يتجولون بحرية في مختلف الأراضي العربية، إن لم يكن بجوازات إسرائيلية فبجوازات أمريكية أو أوروبية، وهناك صلح، أو تمثيل دبلوماسي أو شبه دبلوماسي مع أغلب الدول العربية، فماذا ينقص التطبيع؟
ينقصه أن يكون علنياً، فاقئاً لأعين الشعب، الذي يعرف أن العسكرية الإسرائيلية تمثل قوة احتلال، ويعاني من ذلك عدواناً متعدد الجوانب. فالإدارة الأمريكية لا تحب المواربة: علاقات على مستوى الإدارات، ورفض متفاوت الشدة على مستوى الشعب. يجب لدى الإدارة الأمريكية أن تنشئ علاقات ودية وحميمية وعلنية بين الإدارات العربية والإدارة الإسرائيلية، وأن تتخلى الأولى عن مطالب «ثانوية» مثل وقف الاستيطان وغير ذلك.
بمفاوضات أو من دون مفاوضات، كل شيء سيبقى على حاله، ولا تغير البالونات، التي تطلقها الإدارتان الأمريكية والإسرائيلية شيئاً. الأمر الذي سيتغير هو مجال آخر، مجال الحرب، التي تنذر بها المناورات الأمريكية- الإسرائيلية، والتي إذا ما وقعت، فستؤلف كارثة إقليمية كبرى. قد تتغير حينئذ أمور كثيرة إقليمية ودولية، نتمنى لو تستعد الإدارات العربية والأوربية لمواجهة ذلك الخطر الجسيم، ولكن مع الأسف لا يوجد في الأفق ما يوحي بذلك.
اليوم، الأهم من الاستيطان هو قتل المقدسيين وتشريدهم وهدم بيوتهم، وحصار غزة، وإنقاذ ضحايا المجزرة الإسرائيلية، التي صنعتها إسرائيل في غزة. إنها إبادة وحشية في القدس وفي غزة، وهي أكثر بكثير من جريمة حرب، ولا يعيرها العالم انتباهاً، لا العرب (الإدارات العربية)، ولا الأوربيون، ولا بطبيعة الحال الإدارة الأمريكية، المسألة ليست تهويد القدس، فالقدس مهودة، مادامت محتلة من إسرائيل، وستبقى مهودة إلى أن تتحرر يوماً. المسألة قتل الناس وتشريدهم. والمسألة في غزة ليست «الصمود» علماً أن الصمود مطلوب، وإنما المسألة مشردون يعيشون في أدنى الشروط الإنسانية.
بمفاوضات أو من دون مفاوضات، سيبقى المقدسيون يقتلون ويشردون دون رادع، وسيبقى الغزيون يموتون جوعاً وبرداً ومرضاً، وسيبقى آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وسيبقى الفلسطينيون هدفاً وصيداً رخيصاً للعسكرية الإسرائيلية وللمستوطنين.