الإساءة إلى النبي الكريم: الأدوار الخفية والأسئلة المحرجة

لا يختلف اثنان أن نقطة الانطلاق في قراءة ومناقشة قضية نشر الصور المسيئة لمقام النبي الكريم  تتمثل في إدانة هذا التجاوز الذي لا يمكن قبوله أو تسويغه ضمن أي قالب أخلاقي أو سلوكي أو فني أو حتى في سياق حرية التعبير كما يزعمون. وهي إدانة يعززها التعنت الدانماركي الذي بات واضح الأهداف بخصوص الإصرار على عدم تقديم اعتذار تحت مسوغات زائفة، وما تلاه من إعادة نشر منهجية ومبرمجة للصور في عدد كبير من الصحف الأوربية (وفي بعض الصحف العربية) وما نجم عنه ورافقه من غضب واحتجاج تعددت أشكاله لدى حكومات وشوارع البلدان العربية والإسلامية.

وتثير جملة تفاصيل القضية جملة من الأسئلة الموضوعية والمتشابكة حول غايات هذا التحرك الاستفزازي الآن وحول أي اتجاه سار ويسير عليه رد الفعل العربي والإسلامي:

1. الصحيفة الدانماركية لم تنشر عملياً صورة واحدة أو صورتين كاريكاتوريتين للنبي (ص) بل نشرت قرابة عشر صور حملت عشرة تواقيع ما يعني أنها نظمت هذه العملية بإعلان مسبق ومقصود.

2. نشر الصور جرى قبل أشهر عدة، فلماذا تفجرت القضية الآن، من يقف وراء ذلك؟ وأين هي أصابع واشنطن وتل أبيب؟

3. تلكؤ الجهات الدولية الحيادية افتراضاً مثل أمين عام الأمم المتحدة في إصدار أي رد فعل على الإساءة، بما يعزز استفزاز الشارعين العربي والإسلامي من ازدواجية المعايير.

4. السعودية كانت أول من أجج المواقف الرسمية من خلال إعلانها مقاطعة البضائع الدانماركية، وليست دمشق وطهران كما زعم بوش لغاياته السياسية مبدياً تضامنه مع الدانمارك بعد أن كانت وزيرة خارجيته قد أبدت في لعبة مكشوفة تعاطفها وتفهمها لمشاعر المسلمين.

5. أليس من الأولى مقاطعة البضائع الأمريكية وسحب السفراء من هناك للتشاور أو احتجاجاً على اعتبار أن واشنطن كانت سباقة في إهانة جميع المسلمين في أفغانستان والعراق وغوانتانامو عندما قام جنودها بوضع المصحف الشريف وهو كلام الله  في المراحيض؟

6. لماذا تشهد سورية، وهي دولة علمانية في حكمها، ركوباً لموجة الاستنفار الإسلامي على قضية حساسة فعلاً، ويجري في عاصمتها حرق السفارتين الدانماركية في حي أبو رمانة والنرويجية في اتستراد المزة، بينما «تتمكن قوات الأمن من منع المتظاهرين من الوصول إلى السفارة الفرنسية» ولا يجري الاقتراب من السفارة الأمريكية؟

7. ألا يشكل إحراق السفارات، ونيران ذاك الاستنفار الذي كاد ينقلب إلى فتنة خطيرة في لبنان، وما وازاه من استفزاز دانماركي آخر يصف المحتجين بعصابات تحظى بدعم حكوماتها، ألا يشكل تأجيجاً لما تسميه واشنطن بصراع الحضارات ويبرر لها وللحكومات الغربية المتواطئة معها، أمام شعوبها، شن حملة مسعورة ومخطط لها مسبقاً لإبادة المسلمين، ضمن ما تسميه الإدارة الأمريكية توسيع الحرب على الإرهاب؟ أي يجري تصوير المحتجين المستائين والمستفزين أصلاً وهم شعوب بأكملها في هذه الحالة إلى حفنة من الرعاع والإرهابيين الذي ينبغي وضع حد لهم بسبب ما يشكلونه من خطر على «الحضارة الإنسانية» بمفهوم النخب الغربية الحاكمة والتي تبيح التطاول على المقدسات وخاصة الإسلامية.. ولكن خلف ذلك تكمن خدمة الأهداف الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة والتي تستهدف إيران وسورية حالياً، أي أن واشنطن وتل أبيب تسعيان من خلال ذلك إلى ضمان سكوت الشارع الغربي عموماً عن أي مغامرة جديدة تفكر بها تجاه هذين البلدين. 

8. إن ما جرى غطى إلى حد كبير من ناحية التعاطي الإعلامي على الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بحق كوادر المقاومة الفلسطينية العاملين ميدانياً على سبيل المثال، مثلما سيغطي في حال استمراره على احتلال العراق وأفغانستان وتهديد إيران وسورية وهي جميعها دول إسلامية.

9. وبالنتيجة فإن هذا الاستفزاز المبرمج من جانب بعض الحكومات الغربية والذي تقف خلفه الولايات المتحدة بمختلف أدواتها وأجهزتها الاستخباراتية والإعلامية والاقتصادية يبتغي حرف بوصلة الرؤية لدى الشارع العربي والإسلامي بخصوص تحديد العدو الرئيسي، وبالتالي تغيير الجبهات وتبديد سبل المواجهة.

وفيما نعرض جملة من القراءات من مصادر مختلفة التي تتقاطع مع هذه الاستنتاجات الأولية الأساسية بشكل أو بآخر، وللملف بقية...

 

■ المحرر