مصر بين «الوطني» و«الإخوان»...والمعارضة

نتائج الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت أواخر العام الماضي، والتي فتحت أبواب البرلمان أمام الإخوان المسلمين، كان لها مقدمات وظروف غاية في الغرابة، حتى أن المرء ليسأل هل جرت، هكذا، بشكل بريء وعفوي، أم أن مخططاً استراتيجياً هو من وضع وبشكل دقيق أبسط تفاصيلها، لتفضي بالنهاية إلى ما أفضت إليه؟؟

إن ما شهدته الانتخابات البرلمانية الماضية من بعض الضمانات مثل استخدام الحبر الفوسفوري والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالمراقبة واستخدام الصناديق الزجاجية وتعليق الستائر داخل اللجان وغيرها من الإجراءات، لم يؤد إلى زيادة نسبة مشاركة المواطنين أو تجديد دعمهم للحكومة، حيث لم تزد نسبة التصويت عن 25% في أفضل الأحوال، وذلك يرجع إلى انهيار الثقة الشعبية بمجمل العملية الديمقراطية وبالنظام القائم وبالأحزاب السياسية على وجه العموم.

ادعى الحزب الوطني في الانتخابات البرلمانية التي استمرت حربها مشتعلة بين المرشحين لمدة شهر بأكمله، قيادة حملة للتغيير السياسي في مصر، ولكن لم يكن هذا سوى خطاب للدعاية السياسية ليس له أساس في الواقع.

اتضح زيف أسطورة التغيير التي ساقها الحزب الوطني في دعايته الانتخابية، عندما بدت قائمة مرشحيه مؤلفة من مجموعة من رموز الحرس القديم في الحزب من أبناء العائلات المعروفة بالسطوة والنفوذ والانغماس في الفساد، وبعض هؤلاء ما تزال عائلاتهم تحتفظ بمقعد في مجلس الشعب منذ عقود، وكذلك في الوزارات السابقة والحالية وفي إدارات الدولة وفي مراكزها الحساسة.

أما الإخوان المسلمون فقد طرحوا أنفسهم كبديل لمرشحي الحكومة ورفعوا شعار الإسلام هو الحل، ولكنهم في واقع الأمر استخدموا أساليب تعبئة الأصوات نفسها التي استخدمها مرشحو الحزب الوطني، مثل رشوة الناخبين أو تهديدهم، بالإضافة للخطاب الدعوي مع الفلاحين البسطاء والفقراء. وكانت الدوائر التي تضم مرشحين من الإخوان على وجه الخصوص، هي الدوائر التي سالت فيها دماء المواطنين الأبرياء بسبب الحرب «الجهادية المقدسة» التي شنها أنصار مرشحو الإخوان على كل من عاداهم.

أما أحزاب المعارضة المنهكة وغير واضحة القناعات والتوجهات، فقد فشلت في مساندة مرشحيها، وخذلتهم في دعايتهم الانتخابية، وكانت النتيجة أن ذهبت أصوات مؤيدي مرشحيهم إلى الإخوان المسلمين في مراحل الإعادة لعدم وجود أية بدائل أخرى أمام المواطنين لمواجهة مرشحي الحزب الوطني.

من هنا فإن صعود الإخوان لم يحدث نتيجة خيارات حرة وواعية من المقترعين، بل اشمئزازاً من مرشحي «الوطني» السيئين والمكشوفي والمحروقي الأوراق لدى الناس، والذين لم يصدقوا، هم وآباؤهم من قبلهم يوماً بوعودهم الانتخابية (السابقة)، وخاصة في مجال الخدمات وخلق فرص العمل عن طريق المساهمة في إدخال المشاريع التنموية إلى مناطق محددة، كذلك جاء هذا النجاح بسبب هشاشة ممثلي المعارضة وغياب البرامج الحقيقية عن حملاتهم الانتخابية المتواضعة.

 

إذن ليس فقط تبني الخطاب الديني الدعائي هو من أظهر الأخوان بهذه القوة، بل هو سوء المنافسين الأساسيين من جهة، واستخدام آليات جديدة لشراء الأصوات والتهديد والوعيد والبلطجة من جهة أخرى، يضاف إلى كل ذلك ما يصفه البعض بالصفقة السرية التي تمت بين النظام الواقع تحت الضغط، وقادة الإخوان الحالمين، بطلب ورعاية ومباركة أمريكية، لترتبط كل مفاصل الحياة السياسية في مصر بإرادة الأمريكيين الساعين لقيادة المنطقة وتسييرها بالوجهة التي تريد.