الملف النووي الإيراني
قد لايكون المرء مع انتشار الأسلحة النووية، فهي ليست خطرة على الإنسان فحسب، وإنما أيضاً على الحياة على الكرة الأرضية، حكاية هيروشيما وناغازاكي، من شأنها أن تدفع شعوب العالم، لو وجدت التنظيمات السياسية التقدمية الفاعلة أن تشن حرباً لاهوادة فيها ضد السلاح النووي وضد أسلحة الدمار الشامل الأخرى، لأنها بذلك تدافع عن وجود الإنسان وعن مستقبله على الكوكب.
وقد لايكون المرء أيضاً مع انتشار المفاعلات النووية التي تستخدم الطاقة النووية سلمياً. صحيح أنها تقدم خدمات كبرى بتزويد البلدان بالطاقة الضرورية، وأيضاً بتوفير البترول، المادة الثمينة، التي نضوبها يرجع بالإنسان قروناً إلى الوراء،والتي تهدر على مذبح الاحتكارات الدولية، وعلى مذبح الحروب القذرة الطائفية والإقليمية والاستعمارية، ولكنها أي (المفاعلات) تؤلف قنابل موقوتة خطرة، إن بأخطاء مقصودة أو غير مقصودة من الإنسان أو بنتيجة الحروب، فإن قصف مفاعل ما، قد يكون له في بعض الحالات تأثير قنبلة نووية.
وقد لايكون المرء مع النظام الإيراني، الذي رغم أنه متنور وحقق لإيران إنجازات هامة، أولها التخلص من نظام الشاه، وثانيها التخلص نسبياً من التبعية للإمبريالية، وثالثها اتباع سياسة إقليمية متوازنة، إضافة إلى تحقيق العديد من جوانب التطور للمجتمع الإيراني، ولكن هناك فرق كبير بين أن يحترم المرء التراث الإسلامي، وأن يضعه في اعتباره في حياته السياسية والاجتماعية، وبين أصولية تعلق حياة المجتمع وتطوره ومستقبله على الفتاوى التي هي أصلاً ليست جزءاً من الدين ولا من التدين، وحتى لو كانت صائبة بل في أيام الإسلام الأولى لم تكن حياة المجتمع مرتبطة بالفتاوى. كان الخليفة، ماعدا أيام الفاطميين، عندما يصدر أمراً، يصدره زمنياً، لا على أنه فتوى دينية يجب أن تطاع. عدا عن ذلك إعادة التاريخ إلى الوراء عبر الأصولية هي غير ممكنة موضوعياً. الممكن فقط التسبب بمتاعب وبمشكلات وربما بكوارث اجتماعية وسياسية واقتصادية. لايمكن إعادة المجتمع إلى القرون الوسطى لابذريعة الدين، ولا بأي ذريعة أخرى، ولعل التجارب التي مرت تبرهن على ذلك، ففي البلدان الموصوفة بالإسلامية تعيش المرأة مأساة حقيقية، وتعيش الأقليات المذهبية أو الدينية بنفس المأساة، وتلتجئ إلى الخارج، إلى أعداء البلاد، أو تقوم بحروب أهلية كما في السودان، وتمد إدارة البلاد والمؤسسات بعدد لامتناه من المشكلات، إضافة إلى مختلف التفاصيل الأخرى.
قد لايكون المرء مع كل ذلك، ولكن يفرض نفسه التساؤل: لما هذه الضراوة الأمريكية ـ الأوروبية تجاه الملف الإيراني النووي؟ هذه الضراوة الأمريكية بوجه خاص لم تظهر أيام حصول الباكستان أو الهند على السلاح النووي. لماذا إيران؟
الجواب يتضح باتضاح علاقة إسرائيل بالموضوع، الدولة العبرية لاتريد دولة رادعة قريبة منها، وإذا كانت لاتريد، فإن الصهيونية الدولية المسيطرة على الإدارة الأمريكية لاتريد أيضاً، وإذا كان الإدارة الأمريكية لاتريد فيجب على أوروبا، وعلى العالم كله ألا يريد . . .
أصبحت السياسة الدولية بمجموعها تستوحي من الصهيونية الدولية، أي تتمحور حول إسرائيل: فما هو صالح لإسرائيل أو بشكل أدق للعسكرية الإسرائيلية يجب أن يكون صالحاً للعالم، ومن هنا صكت اللاسامية عنصرية تعاقب عليها جميع القوانين الأوروبية، واللاسامية تعريفاً هي انتقاد العسكرية الإسرائيلية، بل هي اقل من ذلك، انتقاد الهولوكوست، أي المذبحة النازية لليهود، من يشكك بها يعتبر لاسامياً، عنصرياً في نظر القوانين الأوروبية ويستحق العقوبة، ومن هنا، فإن قداسة الباب أعلن بصيغ مختلفة أنه ينحني أمام الضحايا اليهود في الهولوكوست، طبعاً يجب على أي إنسان أن ينحني أمام الضحايا اليهود، ولكن أمام الضحايا غير اليهود أيضاً، أمام الضحايا الألمان، والسوفييت والبولنديين والفرنسيين . . .إلخ فالانحناء أمام الضحايا اليهود وحدهم يقصد به تحاشي اللاسامية، واللاسامية هي العنصرية الوحيدة المعاقبة في العالم، فأي عنصرية أخرى هي جائزة أو مبررة، مبررة هي عنصرية الإدارة الأمريكية ضد الملونين، وعنصرية جنوب أفريقيا ضد السود ، التي بقيت زمناً طويلاً بمثابة كابوس، وماتزال في جوانب عديدة من حياة السود، وعنصرية العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين . . . إلخ.
لقد أهين الرئيس الفرنسي جاك شيراك في إسرائيل ومع ذلك فهو يخضع للضغوط الإسرائيلية، لأن هذه في حقيقتها هي ضغوط أمريكية.
العسكرية الإسرائيلية لديها السلاح النووي بشكل مشروع قدمته إليها منذ الخمسينات من القرن الماضي على طبق من فضة بريطانيا وفرنسا، والإدارة الأمريكية تدعم أبحاث العسكرية الإسرائيلية مادياً وتكنولوجياً وعلمياً في جميع أسلحة الدمار الشامل، ومن الجملة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إضافة إلى النووية، هنا لااحتجاج دولياً، ولادخل لوكالة الطاقة النووية، بالعكس، أي احتجاج وأي تدخل هو لاسامية تقع تحت طائلة مختلف أنواع العقوبات.
فمن هذا الواقع، فإن لإيران ولأي دولة في منطقة الشرق الأوسط الحق في الحصول على أي سلاح ممكن من أجل الدفاع عن النفس. اتفاقات عدم الانتشار الخاصة بالسلاح النووي أو بغيره هي منتهكة منذ زمن طويل، وانتهكتها بالدرجة الأولى الإدارة الأمريكية، ولذا فلا يحق لها تطبيقها انتقائياً، مرة ضد العراق، وأخرى ضد إيران، إلخ . . طبعاً لاأحد يستطيع أن يقول للإدارة الأمريكية، لايحق لها كذا أو كذا، فهي فوق القانون الدولي، بل وفوق القانون الأمريكي أيضاً، فهاهي ترتكب التنصت على الأمريكيين ضد القانون الأمريكي.
الشعوب وحدها تستطيع أن تقول للإدارة الأمريكية لا من خلال قواها التقدمية المناضلة، وهي تقول ذلك عبر مناهضة العولمة، والإدارة الإيرانية تستطيع من أجل الدفاع عن حقها وعن نفسها أن تمد يدها إلى تلك القوى.
لكن ثمة أمر على قدر كبير من الأهمية ينهي اللعب بالكرة النووية التي تحرق كل شيء، إن السلام العالمي هو الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى للعالم، وهذا السلام لايحل إلا بانتهاء العدوانية الأمريكية وغير الأمريكية، وإقامة نظام عالمي بديل، قد تكون نواته الأمم المتحدة المتحررة من الهيمنة الأمريكية بالدرجة الأولى وأيضاً من هيمنة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، التي تنصب إداراتها نفسها حكاماً للعالم.