فقراء العالم يعززون خيار «الثورة»

بعد 1800 نشاط متعدد الأشكال والصيغ على امتداد أيام ستة من المناقشات والحوارات حول العولمة ونجاحات اليسار في أمريكا اللاتينية والحروب الإمبريالية اختتم المنتدى الاجتماعي العالمي دورته السادسة في العاصمة الفنزويلية كاراكاس.

منتدى هذا العام تم تنظيمه في ثلاث قارات هي أفريقيا وأمريكا وآسيا وسوف ينتقل إلى كراتشي الباكستانية في نهاية آذار المقبل ومن ثم إلى نيروبي في عام 2007. وشارك في أعمال دورة فنزويلا سبعون ألف شخص في حين قام خمسة آلاف صحفي بتغطية فعالياته.

ختام المنتدى كان «حفلة موسيقية من أجل السلام» سبقها حفل حمل عنوان «المقاومة الثقافية للشعوب» باعتبارها واحدة من أهم الجبهات في مواجهة آلة الدعاية وسياسة غسل العقول وتلطيخ الرموز المتبعة من جانب العولمة الإمبريالية المتوحشة. وخلال هذا الحفل جدد رئيس البلد المضيف هوغو شافيز إطلاق دعوته إلى الثورة بوصفها الرد الحقيقي على جملة السياسات الرأسمالية. وقال شافيز إن نجاح هذه الثورة مرتبط بتحقيق التقدم في كل الحركات الاجتماعية التي يمثلها المشاركون.

ووصف شافيز الإدارة الأمريكية بأنها أكثر الإمبراطوريات شراً وضلالاً وإجراماً وممارسة للإبادة الجماعية مما عرفته الأرض خلال مئة عام، مستحضراً في المقابل أسماء بعض المناضلين الثوريين في أمريكا اللاتينية مثل سيمون بوليفار وتشي غيفارا.

ويقام المنتدى الاجتماعي العالمي بموازاة منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا الذي يشارك فيه رؤساء دول وشركات كبيرة حيث يسعى الفريق الأول إلى إسماع أصوات ضحايا العولمة بالتزامن مع انعقاد دافوس.

وهنا حاول بعض المشاركين في دافوس أن يحسنوا في صورة المنتدى من خلال مبادرات شخصية كما كان الحال مع رئيس مجموعة مايكروسوفت بيل غيتس الذي تبرع بـ 600 مليون دولار لمكافحة السل أو المغني بونو الذي قرر وضع اسمه على منتجات الشركات التي تمول مكافحة الإيدز في أفريقيا. غير أن ما زاد من ضآلة ذلك أمام جبل الأزمات التي يواجهها العالم النامي بسبب النهب الاحتكاري العالمي هو صخب حفلات السمر والسهر التي ضمت المشاركين في دافوس ورافقت أعماله.

تظاهرات احتجاج

مقابل حفلات الاستقبال

 في المقابل وبالتزامن مع افتتاح المنتدى الاجتماعي العالمي 2006 تظاهر عشرات الآلاف في كراكاس احتجاجا على الحرب والإمبريالية الأمريكية الممثلة بالرئيس جورج بوش وسياسته. وهتف المتظاهرون «معاهدة التبادل الحر مرفوضة» و«لا لمنطقة التبادل الحر الأمريكية» و«لا للمواد المعدلة وراثياً ولا للاستعمار والاستغلال والدمار».

ومع تزايد المتظاهرين اكتسبت المسيرة صبغة معادية بقوة لبوش مثل المسيرة السابقة في بورتو أليغري في البرازيل. كما استهدف المتظاهرون الشركات الكبرى متعددة الجنسيات وأبرزها شركة كوكا كولا الأمريكية، التي اتهمها المتظاهرون باغتيال تسعة نقابيين في كولومبيا.

وانطلق المنتدى في البرازيل عام 2001 بديلا لتجمع زعماء العالم في دافوس في سويسرا ولكنه أصبح حدثا أكبر منذ ذلك الوقت تعالج فيه موضوعات متنوعة مثل رفض العولمة والحد من انتشار الأسلحة في العالم.

ويأتي المنتدى بعد أيام فقط من فوز إيفو موراليس برئاسة بوليفيا ليصبح رئيساً يسارياً جديداً يصل إلى السلطة في أمريكا الجنوبية ويعزز الثورة الاشتراكية التي يدعو إليها شافيز عن طريق موجة من الرفض الإقليمي لسياسات السوق الحرة الاقتصادية الأمريكية. 

«إحراق» الليبرالية الاقتصادية

أما في سويسرا ذاتها وعلى الرغم من تدني الحرارة إلى عشر درجات تحت الصفر تحول ميدان بارفوس بوسط مدينة بازل إلى ملتقى لأغلب التيارات المناهضة للعولمة ومعارضي فعاليات منتدى دافوس.

آلاف المتظاهرين أعربوا عن قلقهم من استمرار تجاهل القوى السياسية والاقتصادية لسلبيات العولمة في الدول النامية والغنية على حد سواء، ونددوا بشعار منتدى هذا العام الذي طالب بـ«فرض الابتكار» لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها العالم.

ومع خلو فعاليات دافوس من أية إشارة إلى كيفية التغلب على سلبيات العولمة ومواجهة تلك التحديات لصالح الدول النامية والشعوب الفقيرة، فقد اعتبر التحالف المناهض للمنتدى أن المقصود من هذا الشعار لم يكن سوى «تقنين الحروب كأحد الوسائل المضمونة لتحقيق الأرباح، والتخلص من المسؤولية الاجتماعية للدولة، وإحكام سيطرة الرأسمالية على الثروات الطبيعية». وطافت التظاهرة وسط المدينة رافعة شعارات تندد بالسياسة الأمريكية التي وصفها المتظاهرون بأنها تعتمد على الاستفادة من الحروب، لبسط النفوذ على العالم، في مقابل تخاذل قادة الغرب عن مواجهة المخططات الأمريكية.

ووصف المتظاهرون في بياناتهم ما يحدث في دافوس بأنه ليس سوى صراع بين الأغنياء على توزيع الغنيمة، وليس البحث الحقيقي عن مشاكل البطالة التي تتفشى في العالم بأسره وما يتبعه من فقر مدقع ومشكلات اجتماعية خطيرة.  ورأوا في اختيار رئيس مؤسسة نستله نائبا لرئيس المنتدى الاقتصادي العالمي تعزيزا لأفكارهم في أن المنتدى لا يعتمد إلا على الشخصيات التى تروج للعولمة ولا تبحث عن حلول لسلبياتها.

كما نالت البنوك السويسرية نصيبها من انتقادات المتظاهرين الحادة، بسبب ما وصفوه بالتعاون التام مع المؤسسات والشركات الدولية المشبوهة وحرصها على إيواء المليارات في عمليات غسيل أموال منظمة.

 الهجوم على منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس لإعادة جدولة الديون، كان أحد الأركان الرئيسية في التظاهرة التي توجها المشاركون بحرق كومة كبيرة من الأوراق والملفات، تمثل وثائق واتفاقيات منظمة التجارة العالمية وبقية المنظمات الدولية التي رأوا أنها تتحكم في مستقبل البشرية، وذلك تعبيرا عن رفضهم لما أكدوا أنه وثائق تشكل أوراق اعتماد «عصابة نادي الليبراليين الجدد».

ومن بين الحلول التي اقترحها المتحدثون في التظاهرة أن تتبنى منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والمهنية مسؤولية البحث عن حلول للمشكلات المتفاقمة في الدول المتضررة من العولمة، ولاسيما في أوروبا.

واعتبروا أنه يمكن لهذه المنظمات أن تؤدي دورها دون تخوف من ملاحقة قضائية أو قمع بوليسي (مثلما يحدث في دول العالم الثالث) ويمكنها تحريك الرأي العام وبالتالي الضغط على السياسيين والبرلمانيين للتعامل مع مشكلات انتشار البطالة والفقر بما يتناسب مع حجمها الطبيعي، والتركيز على مسؤولية الدولة الاجتماعية. وقرر تحالف المنظمات غير الحكومية السويسرية والأوروبية المناهضة للعولمة أن تكون  فعاليات الاحتجاج هذا العام بعيدة عن مقر انعقاد المنتدى في دافوس، حرصا على عدم حدوث مصادمات مع الشرطة السويسرية التي ضيقت الخناق على التظاهرات في السنوات الماضية حتى حولتها إلى ساحات لمواجهات دامية.

وفي كوبا احتجاجات أكثر قوة

وكان قرابة مليون ونصف مليون كوبي تظاهروا في هافانا بمشاركة الرئيس فيدل كاسترو بمحاذاة نوافذ البعثة الدبلوماسية الأمريكية احتجاجاً على سياسة واشنطن ضد كوبا، ولمطالبة الأولى بتسليم الثانية لويس بوسادا كاريليس، المنشق الكوبي المتهم بتنفيذ اعتداءات إرهابية على بلاده من بينها تفجير طائرة تجارية كوبية في العام 1976 مما أدى إلى مقتل 73 راكباً إضافة إلى الطاقم.

وهتف المتظاهرون الذين قُدر عددهم بـ 1.4 مليون شخص وكان الرئيس السانديني السابق لنيكاراغوا دانييل أورتيغا في صفوفهم الأولى: «بوش، أيها الفاشي، عليك إدانة الإرهابي!» و«تسقط إمبريالية اليانكي!».

ومرت التظاهرة من أمام منصة وقف عليها فيدل كاسترو ونصبت بمحاذاة نوافذ قسم المصالح الأمريكية، وهي البعثة الدبلوماسية في غياب العلاقات بين البلدين، بعد أن قطعتها واشنطن في العام 1961.

واتهم الرئيس الكوبي واشنطن بالعمل على إطلاق سراح لويس بوسادا كاريليس. لكنّ بياناً صدر عن السلطات الأمريكية بعيد ذلك أشار إلى أنّها تدرس طرده إلى بلدٍ محايد وأن إطلاق سراحه غير وارد.

وقاحة أمريكية

وفي أثناء خطاب قصير لكاسترو، أضاء مكتب المصالح الأمريكية لوحةً إلكترونية ضخمة نصبها قبل أسبوع على واجهته وظهر عليها: «لأولئك الذين أرادوا أن يكونوا هنا: نحن نحترم احتجاجكم. ولأولئك الذين لم يكونوا يرغبون، نطلب منهم الصفح على الإزعاج» في تلميح إلى أن هناك أعداداً من الكوبيين أُجبروا على التظاهر.

 

وقد وصف فيدل كاسترو ذاك التصرف بأنه «مزعج للغاية» من طرف حكومة تمارس «التعذيب والاغتيال والإبادة الجماعية».