اليمين المحافظ يحاصر الإعلام الأمريكي
في أيلول الماضي، نشر مكتب مساءلة الحكومة الأمريكية تقريراً نعى فيه على إدارة بوش مساندتها إعلاماً منحازاً، وانتهاكها القانون، وذلك بحملها ارمسترونغ ويليامز، وهو معلق صحافي محافظ، على الترويج لسياساتها التربوية.
وانتقد المكتب الإدارة على استعانتها بمؤسسة علاقات عامة لتوزيع فقرات إخبارية مصورة لم تكشف عن إسهام الحكومة في إنتاجها. ويذكر التقرير أدلة وقرائن على حملة يشنها مسؤولون بواشنطن على الصحافة الحرة والمستقلة.
كما حجبت إدارة بوش وثائق عامة تجاوزت 15.6 مليون وثيقة جديدة في السنة المالية 2004، وهي تفوق بـ81 في المئة عدد الوثائق السرية في السنة التي سبقت 11 أيلول 2001. وتدنى الإنفاق على إتاحة الوثائق للعموم إلى أقل مرتبة. وحظرت وزارة الدفاع الأمريكية تصوير نعوش الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق، ومنعت نشر الصور، قبل أن يلغى هذا الحظر، بموجب قانون حرية المعلومات. وبلغت أعمال المنع والحظر حداً من التشدد اضطرت معه نقابة محرري الصحف، الخريف الجاري، إلى دعوة أعضائها إلى الاحتجاج.
ولكن مواقف البيت الأبيض وممارساته العدائية ليست إلا جزءاً من حملة شرسة على الصحافة. وتؤيد جهود المسؤولين في الإدارة وتؤازرها حملة قوية ومنظمة موازية من الأخبار والآراء، يضطلع بها المحافظون واليمين المسيحي. وقوام هذه الشبكة مرافق وخطوط منها رسائل إخبارية ومؤسسات فكرية، وبرامج حوارية في محطات الإذاعة والتلفزيون، والانترنت. وتتولى المرافق هذه حملة مدروسة تدحض أقوال الوسائل الإعلامية العامة، وتنسق مع البيت الأبيض. ويسع المعلق، مهما صغر شأنه، إشاعة ادعاءات مضخمة أو كاذبة في لحظة، فيبلغ آلاف المستمعين والمشاهدين.
من جانب آخر يبدو صحافيو اليوم مقارنة بمن سبقوهم، أضعف مقاومة سياسية للبيت الأبيض وإيحاءاته. ففي السبعينات، رفضت «واشنطن بوست الخضوع لضغط البيت الأبيض في قضية «ووترغيت». ولم تمتنع «نيويورك تايمز» من نشر«أوراق البنتاغون». غير أن الصحيفة ذاتها اضطرت مؤخراً إلى تقديم الاعتذار بخصوص ما سمي بأسلحة الدمار الشامل بالعراق. وسلمت مجلة «تايم» مدونات الصحافي ماثيو كوبر إلى المدعي العام، من غير موافقة الصحافي. وأجبرت «سي بي أس» أربعة موظفين جدداً على الاستقالة، غداة بث برنامج «60 دقيقة» أثار تساؤلات عن سجل الرئيس بوش في الحرس الوطني.
في المقابل تمجد برامج اليمين التي تستقطب ملايين الأمريكيين، الإنجازات الأمريكية في العراق وتدحض كل الأخبار المناوئة لبوش. وهي تسخر من الحركات النسائية، ومن حركات المعوقين، وتعتبر العرب «من غير طينة البشر» ونوعهم.
وتضطلع فسحات «البلوغرز» على الانترت بدور بارز في المواجهة العنيفة هذه. فالمواقع، أو «المدونات» الشخصية تنشر أفكار أصحابها وآراءهم الدفينة والحميمة في غضون دقائق قليلة. ومعظمها ذو نزعة يمينية مفرطة. وتقابلها قلة من «البلوغات» الليبرالية. ومصدر القلق في المؤسسات الإعلامية العامة هو تقليص النفقات القسري الذي يهدد بدوره المناصب العالية في الصحف، ويصيب الصحافة بالوهن من جراء خفض عدد الصحافيين والمصورين والمحررين وعدد الصفحات. كما أن الصحف التي تنشد التقدم والتحسين بالطرق التقليدية، تخسر جزءاً من التوزيع، ومرد ذلك هو عزوف القراء الشباب عن القراءة. ولم يهتد أحد بعد الى سبيل واضح الى استعادتهم، أو الى استقطاب قراء جدد. وإذا فقدت الصحف البارزة قدرتها على الوصف والتحليل والاستقصاء، فمن المتوقع أن تتعاظم شكوك الجمهور الأمريكي في من هم في السلطة.
وبينما عمد بعض الصحفيين إلى طرح أسئلة أكثر حدة في المؤتمرات الصحافية، وفضحوا فساد البيت الأبيض والكونغرس، وسعوا في وصف شؤون الناس وشجونهم، فإن الصحافة الأمريكية لا تزال تعاني من مشكلات داخلية تمنعها من تحمل مسؤولياتها شاهداً على الظلم، ورقيباً على صاحب السلطة. وبعض هذه المشكلات يدخل في إطار الممارسة المهنية التي تؤدي الى إضعاف التقارير الصحافية. وفي نهاية المطاف فإن الضغوط السياسية، اليوم، تنمّي لدى الصحافيين ميلاً إلى الرقابة الذاتية، وغض النظر عن تتبع الحقائق التي لا تماشي السائد أو تسايره.
■ مايكل ماسينغ/ موقع ايكاوس بتصرف