عقد من الركود ينتظر ألمانيا
بعد شهرين من المفاوضات السياسية، اتفق الائتلاف الألماني الحاكم على برنامج الحكومة. وعلى الرغم من كون ألمانيا أكبر اقتصاد أوروبي وحلولها في المرتبة الثالثة عالمياً، لم يثر هذا البرنامج مناقشة كبيرة. فالحكومة الألمانية تخوض أكثر التجارب جرأة في تاريخ الاقتصاد، أو بالأحرى في تاريخ الاقتصاد المضاد. وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة، كان الاقتصاد الألماني من أكثر الاقتصادات ركوداً في العالم.
وفي حين وجد طرفا الائتلاف الألماني صعوبات في التفاهم على معظم القضايا السياسية، اتفقا في حماسة، على أن زيادة الضرائب تحفز الاقتصاد الرازح تحت وطأة البطالة وركود الاستهلاك. وخطة معالجة الفشل الاقتصادي الألمانية تنتهج نهجاً يخالف علم الاقتصاد الحديث كله.
ويبدو أن فكرة أنجيلا ميركل عن التوصل إلى حل وسط يرضي الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب الاشتراكي الديموقراطي، هي الجمع بين أكثر خطوتين غير شعبيتين في برنامج هذين الحزبين. ولفتُّ انتباه واحد من أكبر خبراء الاقتصاد الألماني إلى أن زيادة الضرائب على الاستهلاك يؤدي الى تراجع معدلاته، وهذه نتيجة أثبتتها تجربة عدد كبير من الحكومات. فأجابني: «ربما، ولكن نحن الألمان مختلفون عن غيرنا. وأنا متأكد من أن زيادة الضرائب تزيد ثقة المستهلك وتدفعه إلى الاستهلاك أكثر. فعجز الحكومة المالي يقلق الألمان أكثر مما تقلقهم قيمة الرواتب التي يتقاضونها»
ولكن أقرب نموذج إلى السياسة الاقتصادية التي تنوي الحكومة الألمانية انتهاجها في 2007، هو النموذج الذي انتهجته حكومة رئيس الوزراء الياباني هاشيموتو في 1997. وأدت زيادة الضرائب في اليابان إلى تراجع معدلات الاستهلاك ثلاثة في المئة عن معدلاتها في 1996. وهذا التراجع في الاستهلاك الياباني فجر الأزمة الاقتصادية الآسيوية، وأدى الى التفكك الاقتصادي الذي تبعها. فزيادة الضرائب على الاستهلاك هي أسوأ تدبير اقتصادي تتخذه حكومة كبرى منذ انتهاج الحكومة الأمريكية تعرفة «سموت هاولي» (وأسهمت هذه التعرفة في مفاقمة الأزمة الاقتصادية الكبرى وأثرت سلباً في التجارة العالمية) في 1931.
وإذا سارت ألمانيا على خطى التجربة اليابانية، حُكم عليها بركود اقتصادي طوال العقد المقبل. وقد يفجر هذا الركود أزمة في اقتصاد أوروبا الشرقية على غرار الأزمة الآسيوية المالية. وهناك احتمال ضئيل لنجاح تدبير حكومة ميركل الاقتصادي. فالعقدان الماضيان شهدا أحوالاً نجحت فيها الحكومات في إدارة زيادة على الضرائب، على ما فعل بيل كلينتون (الرئيس الأمريكي السابق) في منتصف التسعينات ونورمان لامون (وزير المالية البريطاني السابق) بعد الأربعاء الأسود في 1992، ومارغريت ثاتشر (رئيسة الوزراء البريطانية) في 1981. وشرط الانتعاش الاقتصادي عندما تزيد الحكومة الضرائب على الاستهلاك هو تدني مستوى الفائدة وتخفيض قيمة العملة. ولكن البنك الأوربي المركزي لا ينوي القيام بخطوات مماثلة. فهو يخطط لزيادة نسبة الفائدة والمحافظة على قيمة اليورو. ومن المرجح أن تواجه ألمانيا عقداً من الخسارة على الطريقة اليابانية.
■ أناتول كالتسكاي