لبنان بين الاستفزاز المبرمج.. وعقلانية قوى الممانعة

لم يكن ما حصل مساء الخميس 1/6/2006  مجرد تطاول أرعن تعمد الإساءة لواحد من أبرز المقامات الدينية والسياسية والوطنية في لبنان والمنطقة، وهو السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وإنما كان عملاً استفزازياً مدروساً ومعداً بكل دقة ليكون بمثابة الشرارة المباشرة والنهائية للانتقال بلبنان إلى المرحلة الأخيرة من مراحل (الفوضى الخلاقة) الأمريكية الابتكار، أي مرحلة الاقتتال الأهلي..

إن قناة (LBC) المعروفة منذ تأسيسها بتوجهاتها الانعزالية والتي ارتكبت سابقة خطيرة عبر أحد برامجها الساخرة حين تعرضت بشكل غير لائق لشخص قائد المقاومة الإسلامية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، هذه المحطة لم تكن بما عرضته إلا أداة تنفيذ لمخطط آثم يستهدف السلم الأهلي الذي يقف أساساً، وبعد كل ما شهده لبنان طوال أكثر من عام، على رؤوس أصابعه، الأمر الذي استثار أعداداً كبيرة من المواطنين اللبنانيين من مختلف الطوائف، ودفعهم إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ورفضهم لهذا الاستهتار والاستخفاف الذي قد يكون مجرد بداية صاخبة لويلات كبيرة وخطيرة..

إن ما حدث لا يندرج أبداً في إطار حرية التعبير، كما يحلو للبعض أن يظهر المسألة، والدليل هو التبعات الناتجة عن هذا السلوك المشبوه والتي كان من الممكن وصولها إلى درجة الانفجار العام، لولا حكمة وعقلانية الشرفاء في الجيش وقوى الأمن وقيادة حزب الله، فما شهدته بيروت وضواحيها ومناطق لبنانية أخرى سواء في الشمال أو في البقاع لاحقاً، تجاوز في الاحتجاج  الشديد لغالبية الشعب اللبناني من جهة، والهجوم المضاد السياسي والإعلامي المبرمج لبعض الفئات التي تعتقد نفسها أكثرية من جهة أخرى، العفوية وردود الفعل والتجاذب السياسي، وراح يعبر عن حجم الاحتقان والخندقة والانقسام الذي يطبع المجتمع اللبناني المليء بالتناقضات والخلافات الحادة، فالسلم الأهلي الداخلي الذي عبثت به القوى الانعزالية الداخلية والإمبريالية الأمريكية والفرنسية والصهيونية تاريخياً، وخاصة في السنة الأخيرة، بدا أنه قد أصبح هشاً لدرجة كبيرة، وصار من السهل توجيه ضربة قاسية له في أية لحظة إن لم يتنبه له اللبنانيون..

إن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تسعى الإدراة الأمريكية بالتعاون مع الصهيونية العالمية لفرضه على المنطقة ارتكازاً إلى مجموعة من النقاط الاستراتيجية ومن بينها لبنان، ما يزال يمر في حالة من الاستعصاء المزمن بسبب حكمة وصلابة مواقف القوى الوطنية اللبنانية التي تدرك رؤية وسلوكاً، أنه لا مجال في هذه المرحلة لارتكاب الأخطاء والهفوات، خصوصاً وأن القوى اللبنانية المتعولمة ما فتئت تنصب الأفخاخ، وتختلق المشكلات والعراقيل لجر القوى الوطنية وعلى رأسها قوى المقاومة إلى الانفعال وفقدان السيطرة على قراراتها وقواعدها..

الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وفي مؤتمر صحفي عقده بعيد التظاهرات (يوم الاثنين 5/6/2006) أكد أنه بات مطلوباًَ الآن تشكيل حكومة وحدة وطنية لأن ذلك هو الخيار المتاح لإنقاذ لبنان من الأزمة الداخلية التي يواجهها .

وأكد أن ثمة بديلاً قائماً، وهو الدعوة لانتخابات مبكرة لأن الأكثرية الحاكمة تشكلت في ظرف استثنائي تبدلت معطياته الآن، مبيناً أن التظاهرات التي تلت العرض الساخر الذي تناول شخصه ليل الخميس- الجمعة الماضي كانت عفوية وغير منظمة من الحزب الذي عمل على ضبط الشارع ومنع المتظاهرين من التعدي على الأملاك العامة وأماكن العبادة، كما أشار إلى أن البيان الذي صدر عن هيئة متابعة قوى 14 شباط لا يعبر عن مستوى راقٍ من تقديم الأحداث وطالب بتحقيق قضائي لأن الوقائع الميدانية والصور تثبت عدم حصول أي اعتداء على أي مواطن بالضرب (كما ادعى البيان الثاني لوزارة الداخلية)، وحمَّل مسؤولية ما حصل للمؤسسة التي بثت البرنامج، وشدد على أن حزب الله حريص على الحريات وأن الحرية لا تكون بالتعرض لكرامات الناس وأعراضهم، ودعا إلى ميثاق شرف بين جميع الأطراف يتيح التعبير عن كل الآراء بشكل لائق بعيداً عن الشتائم وتجاوز حالة الاحتقان التي يعاني منها الشارع اللبناني.

من الجدير ذكره أن هذه الأحداث تأتي بعد أيام قليلة من الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين المقاومة والقوات الصهيونية، فقد شهدت جبهة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة يوم الأحد 2006/05/28 عدة ساعات من المواجهات المباشرة بين رجال المقاومة الوطنية اللبنانية وجيش الاحتلال الصهيوني على خلفية تداعيات جريمة استهداف الشهيدين محمود ونضال مجذوب بعبوة إسرائيلية في مدينة صيدا، يوم الجمعة 006/05/26، والخرق الإسرائيلي الجوي والبري المستمر لما يسمى بالخط الأزرق، ألا يعني هذا أن محاولة تطويق ومحاصرة حزب الله لنزع سلاحه قد انتقلت إلى مرحلة جديدة أكثر خطورة؟؟