فرنسا: انتفاضة تهدد النخب الليبرالية الحاكمة في أوروبا

مئات السيارات المحترقة ومئات المعتقلين وعشرات المصابين وعدد من القتلى هي تجليات الاضطرابات الاجتماعية التي تتفاقم في فرنسا الموصوفة بجمهورية النور وبدأت استطالات ظلمتها تمتد إلى ألمانيا وبلجيكا مع احتمالات تمدد لاحق على خلفية تعمق استياء الطبقات المسحوقة في أوروبا من جور سياسات التهميش والإقصاء والاستغلال والإفقار والتمييز العنصري وغيرها من المفردات المقترنة بالنظام الرأسمالي الاحتكاري ببدعته الليبرالية الجديدة.

استياء شعبي وانتهازية سياسية

وقد شكلت هذه الانتفاضة أزمة للنخب الأوروبية الحاكمة وتحديداً في بؤرتها الفرنسية طارحة العديد من التساؤلات والتحليلات خاصة في ظل وضوح أن أحد أهم أسباب التلكؤ الحكومي هو التنافس السياسي بين أقطاب الحكم في فرنسا.

وتقول بعض التحليلات أن شيراك سيكون المستفيد من حالة الهجوم الشعبي لأبناء الفرنسيين المهاجرين من الأحياء الفقيرة على ابن حزبه ووزير داخليته نيكولا ساركوزي الطامح علنا لخلافته في قصر الإليزيه، والذي أقر من جانبه أن حل ما وصفه بالمشكلات المتراكمة منذ ثلاثين عاماً سوف يستغرق وقتاً، مطلقاً في الوقت ذاته تصريحات استفزازية حين قال إن الحكومة لن تسمح لـمثيري الاضطرابات، ولحفنة من المجرمين، بالظن أن بإمكانهم فعل ما بدا لهم.

من جانبه وعد رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان باستعادة النظام في أعقاب الانتقادات التي وجهت إلى حكومته من جانب 30 من رؤساء البلديات في مختلف المدن الفرنسية وخاصة في المناطق المتضررة، قائلين إن الوقت ليس وقت وضع خطط.

وكانت الاضطرابات قد بدأت قبل أكثر من أسبوعين إثر مقتل مراهقين هما بونا تراوري، 15 عاما، وزياد بنة، 17 عاما، بعد تعرضهما لحادث صعق بالكهرباء في محطة كهرباء فرعية بمنطقة كليشي-سو-بوا. ويقول السكان المحليون إن الشابين كانا يفران من الشرطة فيما مازالت التحقيقات في ملابسات وفاتهما جارية. كما تأتي هذه الأحداث بعد موجة من احتراق عدد من المباني السكنية ملتهمة العشرات من سكانها الذين كان الجامع بينهم أنهم من الفقراء والملونين.

مطالب باتفاقّية غرونيل جديدة وتنديد بالخواء السياسي

ومن بين الاستنتاجات التي طرحت في أعقاب الاضطرابات طالب باتريك براوزيك النائب الشيوعيّ عن منطقة سين سان دوني التي شكلت شرارة التحرك الجماهيري، طالب بتنظيم اتفاقيّة غرونيل جديدة في الأحياء الشعبيّة على مستوى البلاد على أن يرعاها رئيس الجمهوريّة أو رئيس الوزراء. وغرونيل هي اتفاقيّةٌ عقدت بين النقابات وأرباب العمل برعاية الحكومة إثر أحداث أيّار 1968 في فرنسا، وأدّت إلى رفع الأجور والحدّ الأدنى للأجور وتخفيض ساعات العمل والاعتراف بحقّ النقابات في المؤسسات

وأوضح رئيس تجمّع بلديّة بلين، الذي يضمّ ثماني مدنٍ في سين سان دوني، أنّ هؤلاء الناس يعانون المصاعب لأنّهم يحصلون على الحدّ الأدنى للأجور، أو لديهم الحدّ الأدنى من المساعدات الاجتماعيّة، أو تعويض البطالة، أو رواتب منخفضة، أو تفرض عليهم أعمالٌ بنصف أجر، مؤكداً أن ما هو مطروحٌ اليوم على المجتمع الفرنسي هو كيف يمكن إعادة موازنة الثروات؟"

وأعرب براوزيك عن خشيته من أن لا تكون لدى الحكومة الفرنسية، التي تنتهج سياساتٍ ليبراليّة أكثر فأكثر، أيّة نيّة في المضيّ نحو هذا الهدف.

 

كما انتقد رئيس بلديّة سان دوني الأسبق ما أكد أنه حالة من غياب التقديرٌ على مستوى الأحزاب السياسيّة، مقابل انتشار نوعٌ من الفراغ.