لماذا يتراجع النفوذ الأميركي في آسيا؟
إذا كان هناك من يشك في حدوث تغير في ميزان القوى في المحيط الهادئ فعليه أن ينظر للمناورات العسكرية الصينية ـ الروسية المشتركة.
من الصعب تصور حدوث أمر يثير قلق واشنطن أكثر من تشارك بين قوة عظمى سابقة وقوة عظمى ناهضة وهما تدفنان خلافاتهما وتكتشفان أن مصلحتهما المشتركة تتمثل في تحدي الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.
الشكوك المتبادلة التي غلفت العلاقات الروسية ـ الصينية خلال الحرب الباردة لم تختف كلياً، لكن قادة الصين والرئيس الروسي يشعرون بالقلق تجاه الولايات المتحدة والناتو، حيث سبق أن طالبت روسيا والصين معاً بانسحاب أمريكا من قواعدها العسكرية الموجودة في آسيا الوسطى.
لدى روسيا سلاح للبيع، والصين تسعى لتحديث قواتها المسلحة ولديها المال اللازم لشراء السلاح. والمناورات العسكرية التي جرت قرب ميناء فلاديفستوك الروسي واقليم شاندونغ الصيني أطلق عليها اسم يوحي بوجود مهمة سلام على غرار ما تقوم به الأمم المتحدة.
غير أن هذه المناورات التي شارك بها 10 آلاف جندي ستسمح للصين بالتدريب على شن هجوم برمائي من ذلك النوع الذي يمكن أن تستخدمه في يوم من الأيام ضد تايوان (المدعومة من واشنطن) في الوقت الذي تسمح فيه هذه المناورات ذاتها لروسيا باستعراض قاذفاتها بعيدة المدى التي يمكن ان تبيعها للصين.
وصحيح أنه من الناحية العسكرية البحتة ليس هناك من سبب يدعو الولايات المتحدة للقلق في ضوء تقدم التكنولوجيا الأمريكية على غيرها لسنوات عدة، لكن من جانب آخر فان للولايات المتحدة حلفاءها الذين يدورون في فلكها.
وقد بدأت أمريكا وكوريا الجنوبية المناورات العسكرية السنوية القائمة على افتراض صد هجوم تقوم به كوريا الشمالية. وتعد هذه المناورات أكثر التدريبات العسكرية في العالم استخداما للكمبيوتر في مجال القيادة والتحكم.
غير أن الوضع في شبه الجزيرة الكورية يقدم لنا مثالا واضحا حول تراجع النفوذ الأمريكي في شرق آسيا، والغريب أن القليل من الكوريين الجنوبيين يشاركون الولايات المتحدة قلقها تجاه برامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، بل على العكس تظهر استطلاعات الرأي أن معظم الشبان الكوريين الجنوبيين سيقفون مع بيونغ يانغ ضد أمريكا في أي حرب تقع بينهما.
القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة في كوريا الجنوبية يجرى الآن خفضها بنسبة الثلث لتصل إلى 25 ألف جندي كجزء من إعادة تنظيم عالمية للقوات الأمريكية ضمن ما أطلق عليه البنتاغون اسم «المرونة الاستراتيجية».
وهناك جانب سياسي غير عسكري لهذا التوجه الأمريكي وهو أن كوريا الجنوبية لا تريد لأي قوات أمريكية تتمركز على أراضيها أن تستخدم في أي عمليات قد تثير غضب الصين، فشأنها شأن الكثير من دول المنطقة فإن كوريا الجنوبية يجرى شدها لتدور في الفلك الاقتصادي الصيني.
حتى في اليابان التي تعتبر أكثر حلفاء أمريكا أهمية في المحيط الهادئ فإن المستقبل بالنسبة للولايات المتحدة يبدو ملبدا بالغيوم. رئيس الوزراء كويزومي صديق الرئيس بوش دعا لإجراء انتخابات في الشهر القادم والقضية الأساسية في تلك الانتخابات هي الإصلاح الاقتصادي، ويوجد علي يسار كويزومي «الحزب الديمقراطي الياباني» الذي وعد بسحب القوات اليابانية من العراق في حال فوزه، ويوجد على يمينه القوميون المتعصبون المعادون لأمريكا.
وهكذا باتت الولايات المتحدة تبحث عن أصدقاء في آسيا مما دعاها لتخفيف الحظر المفروض على إجراء تدريبات عسكرية مع نيوزلندا بالإضافة إلى مغازلة الهند.
ولكن هذا ليس كافيا فهناك مشكلة حقيقية تواجه واشنطن في آسيا وهي أنه في الوقت الذي تتمتع فيه بتفوق عسكري على سواها، فإن دبلوماسيتها الإقليمية تعد ضعيفة. ويعود السبب في ذلك إلى تشتت جهودها الناتج عن الحرب القائمة في العراق.
وعندما يتدخل المسؤولون أو الدبلوماسيون الأمريكيون في الشؤون الآسيوية فإن التركيز لا يكون على الديمقراطية بل على ما يسمى «بمكافحة الإرهاب» وعلى حماية الصناعة الأمريكية في وجه المنافسة الصينية، ما يجعل الولايات المتحدة بعيدة عن الشعوب الآسيوية وكذلك؛ بعيدة عن الحكومات الآسيوية أيضاً.
ويبدو في نهاية المطاف أنه على الرغم من القوة البحرية الأمريكية الجبارة فإن النفوذ الأمريكي في آسيا والمحيط الهادئ في تراجع.
■ فيكتور ماليت
المصدر: موقع ACWAS